حق المسؤول
وَأمّا حَقُّ المَسئولِ فَحَقُّهُ إنْ أَعْطَى قُبلَ مِنْهُ مَا أَعْطَى بالشُّكْرِ لَهُ وَالمَعْرِفَةِ لِفَضْلِهِ وَطَلَبَ وَجْهِ الْعُذْرِ فِي مَنعِهِ، وَأَحْسَنَ بهِ الظَّنَّ. وَاعْلَمْ أنَّهُ إنْ مَنعَ فَمَالَهُ مَنَعَ، وَأَنْ لَيْسَ التَّثرِيبُ فِي مَالِه، وَإنْ كَانَ ظَالِمًا فَإنَّ الإنسَانَ لَظلُومٌ كَفَّارٌ.
عندما نقرأ نصوص الروايات المتعلقة بالسائل والمسؤول نجد أنها تهدف إلى تأسيس علاقة إيجابية سليمة متوازنة بينهما، يكون أساسها الصدق من الطرفين، والبذل من المسؤول حسب استطاعته والقبول من السائل بالشكر والعرفان.
في الرواية عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الباقر قَالَ: كَانَ فِيمَا نَاجَى اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ بِهِ مُوسَى قَالَ يَا مُوسَى أَكْرِمِ السَّائِلَ بِبَذْلٍ يَسِيرٍ أَوْ بِرَدٍّ جَمِيلٍ لِأَنَّهُ يَأْتِيكَ مَنْ لَيْسَ بِإِنْسٍ وَ لَا جَانٍّ مَلَائِكَةٌ مِنْ مَلَائِكَةِ الرَّحْمَنِ يَبْلُونَك فِيمَا خَوَّلْتُكَ وَ يَسْأَلُونَكَ عَمَّا نَوَّلْتُكَ فَانْظُرْ كَيْفَ أَنْتَ صَانِعٌ يَا ابْنَ عِمْرَانَ.
وعنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الصادق قَالَ: اصْنَعِ الْمَعْرُوفَ إِلَى مَنْ هُوَ أَهْلُهُ وَ إِلَى مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ مِنْ أَهْلِهِ فَكُنْ أَنْتَ مِنْ أَهْلِهِ.
هذا في جانب المسؤول، أما في جانب السائل فقد أكدت الروايات على أن تكون المسألة نابعة من حاجة حقيقية، وليس كما يتخذ البعض التسول مهنة يريق بها ماء وجهه ليتكسب منها.
عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام، قَالَ: «قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ: اتَّبِعُوا قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله؛ فَإِنَّهُ قَالَ: مَنْ فَتَحَ عَلى نَفْسِهِ بَابَ مَسْأَلَةٍ، فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ بَابَ فَقْرٍ».
وبينت رواية أخرى الآثار الاجتماعية السلبية لظاهرة السائلين المحتالين، التي تؤدي إلى انعدام الثقة وإحجام الناس عن البذل مخافة أن يقعوا في فخاخ المتسولين الكسبة.
عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: لَعَنَ اللَّهُ قَاطِعِي سُبُلِ الْمَعْرُوفِ. قِيلَ: وَ مَا قَاطِعُو سُبُلِ الْمَعْرُوفِ؟ قَالَ الرَّجُلُ يُصْنَعُ إِلَيْهِ الْمَعْرُوفُ فَيَكْفُرُهُ فَيَمْتَنِعُ صَاحِبُهُ مِنْ أَنْ يَصْنَعَ ذَلِكَ إِلَى غَيْرِهِ.
أما نص رسالة الحقوق هنا فيتحدث عن حق المسؤول، مرشدا السائل إلى قبول ما يعطيه المسؤول صغيرا كان أو كبيرا، وأن يشكره ويعرف فضله.
عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ )ص): مَنْ أُتِيَ إِلَيْهِ مَعْرُوفٌ فَلْيُكَافِئْ بِهِ، فَإِنْ عَجَزَ فَلْيُثْنِ عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَقَدْ كَفَرَ النِّعْمَةَ.
هذا في حالة العطاء؛ أما في حالة المنع فعلى السائل أن يلتمس العذر للمسؤول وأن يحسن الظن به، فلعله امتنع لظرف قاهر.
ثم ينبه السائل إلى النظر للموضوع من زاوية أخرى، وهي أن المال هو مال المسؤول وهو حر في تصرفه، إن شاء أعطى وإن شاء منع. فإن كان منعه لعذر فلا تثريب ولا ملامة عليه، وإن لم يكن لعذر، بل كان شحا فهذا من طبيعة الإنسان إلا ما رحم ربي. وقد جاء الإمام بذيل آية كريمة يقول: إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ. أي كثير الظلم كثير الكفران بنعمة الله فلا يشكر. إن فهم الطبيعة الإنسانية يساهم في الحد من سقف التوقعات، والتخفيف من حدة ردة الفعل في حالة المنع.
أخيرا نذكر هاتين الروايتين اللتين تبينان أهمية طلب الدعاء من السائل للمسؤول فإنه مستجاب بإذن الله.
تقول الأولى: إِذَا أَعْطَيْتُمُوهُمْ فَلَقِّنُوهُمُ الدُّعَاءَ فَإِنَّهُ يُسْتَجَابُ الدُّعَاءُ لَهُمْ فِيكُمْ وَ لَا يُسْتَجَابُ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ.
أما الثانية: فعَنْ أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام، قَالَ: «لَا تُحَقِّرُوا دَعْوَةَ أَحَدٍ؛ فَإِنَّهُ يُسْتَجَابُ لِلْيَهُودِيِ وَ النَّصْرَانِيِّ فِيكُمْ، وَلَا يُسْتَجَابُ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ».