إشعارات إلهية بالحب

أ . بدر الشبيب *

بعد أن علم صديقي الراحل المهندس جاسم قو أحمد عن إصابته بمرض السرطان، تقبل الأمر بنفس راضية وقال معبرا عن إيمانه العميق بقضاء الله وقدره: هذه رسالة حب. واستطاع من خلال تلك النظرة الثاقبة مقاومة اليأس والاستسلام، فأقبل على تحقيق المزيد من الإنجازات على أكثر من صعيد حتى اللحظة الأخيرة.

الابتلاء هو أحد الإشعارات الإلهية بالحب. ورد عن الإمام الباقر عليه السلام أنه قَالَ إِنَّ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِذَا أَحَبَّ عَبْداً غَتَّهُ بِالْبَلاءِ غَتّاً، وَثَجَّهُ بِالْبَلاءِ ثَجّاً، فَإِذَا دَعَاهُ قَالَ لَبَّيْكَ عَبْدِي لَئِنْ عَجَّلْتُ لَكَ مَا سَأَلْتَ إِنِّي عَلَى ذَلِكَ لَقَادِرٌ وَلَئِنِ ادَّخَرْتُ لَكَ فَمَا ادَّخَرْتُ لَكَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ.
 
والمقصود من ذلك هو شدة الابتلاء وتتابعه، فالغت هو الغمس، أي غمسه في البلاء غمسا متتابعا، والثج هو السيل والإسالة، فيكون المعنى أن البلاء يسيل عليه سيلا، وقد يكون المراد من تسييل البلاء - كما احتمل العلامة المجلسي في البحار- كناية عن شدة ألمه وحزنه ، كأنه يذوب من البلاء ويسيل ، أو عن توجهه إلى جناب الحق سبحانه بالدعاء.
وعَنْ الإمام الصادق قَالَ: " إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ عَبْداً ابْتَلَاهُ وَتَعَهَّدَهُ بِالْبَلَاءِ كَمَا يَتَعَهَّدُ الْمَرِيضُ أَهْلَهُ بِالطُّرَفِ وَوَكَّلَ بِهِ مَلَكَيْنِ فَقَالَ لَهُمَا أَسْقِمَا بَدَنَهُ وَ ضَيِّقَا مَعِيشَتَهُ وَعَوِّقَا عَلَيْهِ مَطْلَبَهُ حَتَّى يَدْعُوَنِي فَإِنِّي أُحِبُّ صَوْتَهُ فَإِذَا دَعَا قَالَ اكْتُبَا لِعَبْدِي ثَوَابَ مَا سَأَلَنِي وَضَاعِفَا لَهُ حَتَّى يَأْتِيَنِي وَمَا عِنْدِي خَيْرٌ لَهُ.
فَإِذَا أَبْغَضَ عَبْداً وَكَّلَ بِهِ مَلَكَيْنِ فَقَالَ أَصِحَّا بَدَنَهُ وَوَسِّعَا عَلَيْهِ فِي رِزْقِهِ وَسَهِّلَا لَهُ مَطْلَبَهُ وَأَنْسِيَاهُ ذِكْرِي فَإِنِّي أُبْغِضُ صَوْتَهُ حَتَّى يَأْتِيَنِي وَ مَا عِنْدِي شَرٌّ لَهُ التضرع لدفعه".
 
إن إدراك هذه الحقيقة يساعد الإنسان على التعامل الإيجابي مع مصائب الدنيا ومنغصاتها، لأنه يركز نظره على النصف الآخر من الكأس.
 من الإشعارات الإلهية للحب الأنس بذكر الله تعالى، فأحباء الله يستشعرون لذة الحب الإلهي دون غيرهم، بل يستغفرون الله من كل لذة لا يخالطها ذكر الله. يقول الإمام السجاد في مناجاة الذاكرين: " وَأَسْتَغْفِرُكَ مِنْ كُلِّ لَذَّة بِغَيْرِ ذِكْرِكَ، وَمِنْ كُلِّ راحَة بِغَيْرِ أُنْسِكَ، وَمِنْ كُلِّ سُرُور بِغَيْرِ قُرْبِكَ، وَمِنْ كُلِّ شُغْل بِغَيْرِ طاعَتِكَ" .
 
وفي الرواية عن الإمام علي : إذا رأيت الله يؤنسك بذكره فقد أحبك. إذا رأيت الله يؤنسك بخلقه ويوحشك من ذكره فقد أبغضك.
 
وهذا الإشعار خطير جدا يستطيع الإنسان من خلاله اكتشاف علاقته مع الله تعالى. إذ عليه أن يسأل نفسه - وهو عليها بصيرة - عن مدى أنسه بالدعاء والصلاة وقراءة القرآن، وفي المقابل مدى أنسه بمجالس البطالين ولهوها ولغوها، والأفلام والمسلسلات التلفزيونية الهابطة صورة ومعنى.
 علينا أن نقف مع أنفسنا وقفة صادقة لنجعلها لائقة بحب الله تعالى مستعدة لتلقي إشعارات الحب الربانية.
 
دمتم بحب.. جمعة مباركة.. أحبكم جميعا..
 

أديب وكاتب وباحث في علوم اهل البيت عليهم السلام