منعطفات الحركة الرسالية
منذ أن هبط آدم أبو البشر عليه السلام أرض الفتن والإبتلاء، وإلىقيام الساعة تجري سنّة الصراع بين الأبرار الذين ابتغوا رضوان الله، والضّالينالذين اتبعوا خطوات الشيطان.
ولم تخل الأرض - في أيَّة حقبة - عن أولي بقيةمن سلالة النبيين وأتباعهم، ينهون عن الفساد في الأرض، ويقيمون حجَّة الله على العباد.
وقد قال ربّنا سبحانه:﴿ فَلَوْلاَكَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ اُولُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِالْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَالَّذِينَ ظَلَمُوا مَآ اُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ ﴾
وكان يقود أولئك البقية الصالحة نبي مرسل، أووصي نبي، أو عالم رباني، يتوارثون الدعوة إلى الله، والقيام بأمره.
وورث الإمامالهادي، عليهالسلام، هذهالقيادة الرشيدة من والده الجواد، عليه السلام، الذي إنتهى إليه ميراث رسول الله خاتم الأنبياء، والمهيمنعلى رسالات الله جميعاً.
فالإمامة الربانية ورثها المصطفون من عباد الله، وإنَّنهج الحق توارثه العلماء الربانيون، وأهل الزهد والصلاح من شيعة الحق وأتباع نهجالأنبياء.
وكان هدف هذا الخط الميمون تحقيق ذات التطلّعاتالتي سعى إليها الأنبياء والصالحون عبر التاريخ، والتي يوجزها ربّنا سبحانه فيكتابه حين يقول:
﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَامَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَاالْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ الله مَنيَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ الله قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾
إنَّ ما تهدينا إليه سائر الآيات القرآنية،ومنها هذه الآية المباركة، هي الغايات السامية لابتعاث الرسل، وهي التالية:
ألف: الدعوة إلى الله بالبينات، التي تتمثَّل في كلمة الإمامأمير المؤمنين عليه السلام: (ليستــــأدوهـمميثاق فطرته، ويذكِّروهم منسيَّ نعمته، ويحتجُّوا عليهم بالتبليغ، ويثيروا لهمدفائن العقــــول..).
هكذا بإيقاظ العقل من سباته، وإثارة الوجدان منتحت ركام الغفلة، وتنقية الفطرة من الشوائب، والحجب، بذلك كلّه تتمُّ حجة الله علىعباد الله عبر رسله الكرام.
باء: تـــــلاوة كتاب الله الذي فيه تبيان كل شيء مما يحتاجهالخلق، وعبر تــــــلاوة الكتاب وآياته الكريمــــة كان الأنبياء، عليهم السلام، يقومون بتزكية الناسوتعليمهم. وقد قال ربنا سبحانه:
[هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِيالأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ ءَايَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْوَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍمُبِينٍ ] (الجُمُعَة/2)
جيم: توفير الميزان، والذي يعني ولي الأمر الذي يقضي بين الناسبالعدل. وقد قال ربنا سبحانه:
[ فَلاَ وَرَبِّكَ لاَيُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِيأَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً] (النساء/65)
وهكذا كل من يستلم منصب الخلافة الإلهية يكون ميزاناً للحق، وفرقاناً، ونوراً، ليعلّم الناس إذا تشابهت المذاهب، واختلفت الآراء، أي سبيل يهديهم إلى ربهم، وأي نهج يرضاه خالقهم.
دال: والهدف الأسمى لكل تلك التطلُّعات السامية تحقيق أقصىدرجات العدالة بين الناس وهي القسط، والتي لا تتمَّ إلاّ بإيمان الناس بالرسل، واتِّباعهمللكتاب، وتسليمهم للميزان. لذلك قال ربنا سبحانه: ﴿ليقوم الناس بالقسط ﴾.
ومعلوم: إنَّ هذا القسط لا يتحققَّ بالتمامإلاّ بقوةٍ مادية رادعة تتمثل بالحديد الذي أنزله الله، وجعل فيه بأساً شديداً. [2]
والحديد بدوره لا يعني شيئاً لو لم تحمله أيادٍشجاعة متفانية في سبيل الله ونصر دينه ورسله.
فإذا حملوا الحديد دفاعاً عن وحي الله ونهج رسلالله، نزل عليهم نصر الله القوي العزيز، كما قال سبحانه:
﴿ وَلَيَنصُرَنَّ الله مَنيَنصُرُهُ إِنَّ الله لَقَويٌ عَزِيزٌ﴾ (الحَج/40)
تلك كانت تطلُّعات الخط الرسالي الذي قاده فيعصره الإمام النقي علي بن محمد الهادي، عليه السلام.
فماذا كانت منعطفات هذا الخط،منذ تبلوره في عصر الإمام أمير المؤمنين، عليه السلام، حتى ذلك اليوم؟
إقرأ الجواب عن هذا السؤال،وعن سائر جوانب حياة الامام الهادي عليه السلام في كتاب:
(الامام الهادي قدوةوأسوة)
لسماحة المرجع الديني آية الله العظمى المدرسي دام ظلّه