كلمة للجميع
بسم الله الرحمن الرحيم
ترد علينا بين الحين والآخر أفكار تتصل بعقائدنا التي قامت الأدلة العقلية والنقلية على صحتها عندنا، وتسالمت عليها الطائفة. وبدلا من عرضها على ذوي الاختصاص من علمائنا الأعلام والفضلاء الكرام، يتم تداولها وتناولها بين عامة الناس، مما يسبب بلبلة في الفكر واضطرابا في الآراء، خصوصا عند الناشئة الذين لا يمتلكون الأدوات العلمية اللازمة للنقد، وبالتالي لا يستطيعون التمييز بين صحيح الرأي وسقيمه.
لذا فإن من المهم أن نضع بين يدي أبنائنا وبناتنا الأسس الصحيحة للتعامل مع ما يردهم من أفكار أو معتقدات جديدة:
1- لقد نهى الله تعالى عن اتباع الآراء والأفكار واعتناق العقائد دون علم. قال تعالى: وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً (36) سورة الإسراء.
فالمطلوب إذن وبالذات في الأمور العقائدية تحصيل العلم فيها إما مباشرة أو عن طريق المختصين من أهلها. يقول السيد الطباطبائي في تفسير الميزان:
"والإنسان بفطرته السليمة يتبع في اعتقاده ما يراه حقا و يجده واقعا في الخارج، و يتبع في عمله ما يرى نفسه مصيبا في تشخيصه، وذلك فيما تيسر له أن يحصل العلم به، وأما فيما لا يتيسر له العلم به كالفروع الاعتقادية بالنسبة إلى بعض الناس وغالب الأعمال بالنسبة إلى غالب الناس فإن الفطرة السليمة تدفعه إلى اتباع علم من له علم بذلك وخبرة باعتبار علمه وخبرته علما لنفسه فيئول اتباعه في ذلك بالحقيقة اتباعا لعلمه بأن له علما و خبرة كما يرجع السالك و و لا يعرف الطريق إلى الدليل لكن مع علمه بخبرته و معرفته، ويرجع المريض إلى الطبيب ومثله أرباب الحوائج إلى مختلف الصناعات المتعلقة بحوائجهم إلى أصحاب تلك الصناعات".
2- انطلاقا من هذا، فقد أرشدنا الله تعالى في كتابه الكريم إلى هذا الأصل العقلائي وهو وجوب رجوع الجاهل إلى العالم، وغير الخبير للخبير، حتى لا يسير الإنسان في دربه على غير هدى، فيقع في منزلقات خطيرة نتيجة اعتماده على رأيه دون أساس علمي. يقول تعالى:
﴿ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾ (43) سورة النحل.
3- من هنا ينبغي التروي دائما في قبول الأفكار الجديدة، وعدم التردد في عرضها على العلماء المأمونين على الدين والدنيا. ونحن نعيش في عصر أصبح التواصل فيه سهلا ميسورا، فلا عذر لمتساهل.
تأسيسا على هذا، ونظرا لما يدور في بلدتنا الحبيبة وغيرها من حديث أصبح شاغل الناس ومالئ مجالسهم حول الدعوة المسماة بدعوة أحمد الحسن، والمشهورة بدعوة اليماني، فإنني أود التذكير بالتالي:
1- إن هذا الأمر يقع في دائرة اختصاص أهل العلم والفضيلة الذين ينبغي أن يناقشوا هذه الدعوة مناقشة علمية هادئة أساسها الدليل والبرهان، كما علمنا القرآن الكريم، وكما فعل أهل البيت عليهم السلام مع كل الأفكار والتوجهات التي طرحت في زمانهم. فعندما يدعي أهل الكتاب شيئا مثلا يطلب منهم القرآن الدليل القاطع على دعواهم: ﴿ وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾ (111) سورة البقرة.
2- لقد اتبع النبي وأهل بيته أنجع السبل في الحوار مع الآخر حتى في أدق المسائل، وأنصفوا الآخر أيما إنصاف مع علمهم القطعي بعدم صوابية مخالفيهم. ولا أدل على ذلك من قول النبي للمشركين:
﴿ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ (24) قُل لّا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ (25) سورة سبأ.
فهذا غاية الأدب النبوي في المناظرة. وهو ما ينبغي الالتزام به دائما وأبدا.
3- مهمة العلماء كما هو معلوم إيضاح الحقائق للناس وبيانها ﴿ لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ ﴾. إذ لا سلطة لأحد على أحد في الاختيار بعد البيان، فكل واحد يتحمل مسؤولية قراره واختياره.
4- على صاحب الدعوى أن يقبل بالحوار والنقاش العلني مع المختصين مع توفير الأجواء المناسبة التي تتيح له عرض أدلته كاملة، كما تتيح للآخر الرد عليها ومناقشتها بكل رصانة علمية.
إن عدم القبول بهذا الأمر يعني هروبا من المتطلبات العلمية للموقف، وعدم الجدية في البحث عن صوابية الفكرة وأدلتها. وهو ما لا نفترضه هنا.
إنني هنا لا أتحدث عن عالم بعينه، ولكني أعتقد جازما أن القطيف حافلة بالعلماء المستعدين للنقاش والقادرين على الحوار والمناظرة ذات الشروط والمواصفات المطلوبة، والمستنيرة بالآية المباركة:
﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾ (125) سورة النحل.
كما إنني أبدي استعدادي الكامل لبذل كل ما أستطيع للعمل على ترتيب حوار علمي في هذا الموضوع يكون هدفه الوصول إلى الحقيقة، وليس كسب نقاط في معركة أو تحقيق فوز في صراع.
محبكم / بدر شبيب الشبيب