حق الخليط
وَأمّا حَقُّ الخَلِيطِ فَأَنْ لا تَغُرَّهُ ولا تَغُشَّـهُ ولا تُكَذِبَهُ ولا تُغَفِّلَهُ ولا تَخـدَعَهُ ولا تَعمَلْ فِي انتِقَــاضِهِ عَمَلَ الْعَدُوِّ الَّذِي لا يُبقِي عَلَى صَـاحِبهِ وَإنِ اطْمَأَنَّ إلَيكَ اسْتَقْصَيتَ لَهُ عَلَى نفْسِـكَ وَعَلِمْتَ أَنَّ غَبْنَ الْمُسْتَرْسِلِ رِبًا. ولا قُوَّةَ إلا باللهِ.
قال الشيخ الطبرسي في تفسيره (مجمع البيان) في قوله تعالى ﴿وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُم﴾ قال: المخالطة مجامعة يتعذر معها التمييز كمخالطة الخل للماء وما أشبهه والخليطان الشريكان لاختلاط أموالهما والخليط: القوم أمرهم واحد.
الخليط إذن هو الشريك الذي لا يتميز حقه عن حق شريكه. وإذا أردنا أن نقرب هذا المعنى بأمثلة من الواقع، فيمكننا أن نجد ذلك في المشتركين في منفعة ما كالمقيمين في غرفة أو شقة أو بيت واحد، أو المنتفعين من شارع واحد، أو ماء واحد، وكالمسافرين في حملة واحدة للحج أو الزيارة أو السياحة، أو المالكين لشيء واحد ملكا مشاعا، وغيرها.
ويمكن أن ينطبق هذا المعنى أيضا على المنتمين لوطن واحد، حيث إنهم (خليط)، أي قوم أمرهم واحد، تجمعهم شراكة التراب والمصير؛ يشتركون في كل شبر من تراب الوطن، ويمتلك كل واحد منهم حصة منه ومن ثرواته الطبيعية، وبالتالي فلا يحق لأحد منهم التصرف منفردا فيه دون الآخرين.
بالطبع يمكن أن يكون الخليط جارا أو صاحبا صديقا أو غير ذلك مما يضاعف حقوقه.
حق الخليط أيا يكن المصداق الخارجي له يتمثل كما ذكره الإمام في التالي:
1- الوضوح والشفافية معه، وهو المقصود بقوله (لا تغره)، فالغرر هو ما ينطوي على جهالة.
2- عدم الغش، والمقصود به الصفاء في التعامل: فالغش هو الشوب والكدورة، ويقابله النصح، فالذهب الناصح هو الخالص من كل شائبة، وكذلك التوبة النصوح أي الخالصة. فالغش هو المعاملة المشوبة مع الغير بإظهار الخير وهو شر واقعا. فالمطلوب أن يكون التعامل بين الخلطاء صافيا من كل ما يشوبه أو يكدره.
3- الصدق وعدم الكذب: وهذا بلا شك الأساس الأول في التعامل مع الآخرين، خصوصا مع الشركاء.
4- عدم استغفاله، أي عدم هضم حقوقه على حين غفلة منه.
5- الأمانة وعدم استخدام أسلوب الخديعة وحياكة المؤامرات ضد الشريك الخليط.
6- عدم تحين الفرص للانقضاض عليه والتخلص منه كما لو كان عدوا، مما يكشف عن نفس لا تطيق الشراكة.
7- المعاملة العادلة له، ومقابلة ثقته واطمئنانه بما يزيدهما رسوخا عن طريق المبالغة في حفظ حقه، وهو ما عبر عنه الإمام عليه السلام بقوله: (وَإنِ اطْمَأَنَّ إلَيكَ اسْتَقْصَيتَ لَهُ عَلَى نفْسِـكَ). وتأكيدا على ذلك يذكر الإمام حديثا عن رسول الله ينبغي أن يستحضره الإنسان حين التعامل مع خليطه، وهو قوله : غبن المسترسل ربا.
والمسترسل هو المطمئن والواثق والمستأنس من شريكه، وغبنه هو إنقاصه حقه؛ فانتهاك حقوق الشركاء الآخرين في الوطن وغيره هو في واقعه ربا يأخذه المنتهك بغير وجه حق.
أعتقد أنه لو تم تطبيق هذه الحقوق في أوطاننا لعشنا ربيعا عربيا حقيقيا دون حاجة إلى ثورات وانتفاضات، ولكن الواقع وللأسف الشديد بعيد عن هذا المستوى الرفيع من التقنين، فهو يعيش حالات من الصراع الظاهر والخفي بين الشركاء مما يهدد الاستقرار والتنمية ويكرس التخلف والتبعية.