المواطن ماذا يريد؟
لعل ما يميّز هذه المرحلة كونها هي الأكثر طرحاً للأسئلة الحرجة والصعبة حول سبل تحقيق مطالب المواطنين، ومدى الجدية في ذلك، وهو ما يتمّ التعبير عنه بصور مختلفة ليس فقط مما يبرز في وسائل الإعلام والندوات والنقاشات العامة والمفتوحة، إنما أيضا ما يتصدّر مواقع الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، وما يترشّح عنها من مبادرات وبرامج متعدِّدة.
المواطن الإنسان في نهاية المطاف هو الذي من أجله وجد الوطن -وليس العكس- بل إن من أجل سعادته وكرامته جاءت الأديان السماوية، وذلك يعني أن المسؤولية الأساسية للدولة وأي نظام حاكم هي في وفر وتهيئة كل ما من شأنه أن يضمن للمواطن الأمن والعيش الكريم.
وحتى يتمكَّن أي نظام من القيام بهذه المهمة وتأدية هذه المسؤولية الكبيرة، فلا بد من وجود آليات ووسائل واضحة تنسجم فيما بينها وتعمل ضمن ضوابط محدَّدة يشارك من خلالها المواطن – وهو المستفيد الأول من عمل الحكومة – في متابعة ومراقبة وتقييم أدائها كي تتحقق حالة الرضا عنها.
لكن ما يحدث هو أن بعض الحكومات تلغي دور المواطن تماماً وتبدأ في اختزال دوره في أجهزتها التنفيذية التي تتغوّل في كل مفاصل الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لتتحوّل لأنظمة شمولية لا تعبّرعن آراء مواطنيها وتطلعاتهم، بل يكون هدفها الأول والأخير تعزيز وتقوية أجهزتها فقط.من هنا ينشأ التنازع بين نظام يستقوي ليعزز هيمنته وسلطته، ومواطنين يسعون لإصلاح أوضاعهم من خلال مطالبات وخطوات ومواقف متواصلة ومتعدِّدة. والتاريخ يثبت لنا يوماً بعد آخر، ويعطينا أمثلة ونماذج مختلفة لأنظمة وحكومات عملت على تغافل وتأجيل وإعاقة مطالب مواطنيها إلا أنها في نهاية المطاف وقفت عاجزة أمام ذلك.
ما يريده المواطن الإنسان هو العيش الكريم بكل معانيه وأبرزها أن تتحوّل مؤسسات الدولة وأجهزتها لخدمته وحمايته وتوفير مطالبه واحتياجاته الأساسية من دون منّة من أحد، وأن تعمل هذه الأجهزة والمؤسسات على ضمان وحماية حقوقه من أي اعتداء أو جور، كما يريد أن يعيش حياة آمنة مستقرّة له ولأبنائه في جو من الحرية والعدالة والمساواة.
المطالب الأساسية هذه قابلة للتحقق وليست مستحيلة، ولا تستدعي من أي حكومة ممارسة العنف والقهر ضد مواطنيها لإصرارهم عليها، لأنها حقوق أساسية وطبيعية لكل مواطن من المفترض أن تلتزم الدولة بتحقيقها.
السبيل إلى إنجاز ذلك هو مشاركة المواطنين بشكل أساسي في صناعة القرار، ومراقبة أجهزة الدولة، ولا يتمّ هذا إلا من خلال ضمان حرية التعبير والتجمّع.