العلامة الحبيب : الترابط الأسري وأثره على الأبناء
ضمن فعاليات برنامج منقذ البشرية الثقافي الخامس لشهر محرم الحرام لعام 1433هـ ، كانت محاضرة الليلة السابعة بعنوان ( الترابط الأسري وأثره على الأبناء ) لسماحة الشيخ محمد حسن الحبيب .
افتتح سماحته محاضرته بقول الله تعالى ﴿فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ﴾ .
وأشار إلى أن كل أب وكل أم يبحثان عن الولد المطيع ، يبحثان عن الولد الذي يكون امتداداً لها في أفكارها وفي سلوكها ، وقصة نبي الله إبراهيم عليه السلام مع ابنه إسماعيل تحدثنا عن امتدادها الخالص عن مبادئ القيم ، وتحدثنا عن الأب الذي لا يفرض على ابنه أوامره ، مع أنه أمر سماوي ، بل أنه شاوره وأعطاه حرية التفكير .
وفي زمننا هذا نجد بعض الآباء يشتكون من أبنائهم ، مع أن هذه الشكوى قد تكون عليهم وليس لهم من أمرهم شيئا ، لأنهم مسوؤلون عن تربية أبنائهم تربية سليمة ، لأن التخطيط في التربية هو عامل أساس .
وطرح سماحته تساؤلاً : كيف يكون الانسجام ( الترابط ) الأسري له الأثر على الأبناء ؟
وللإجابة على هذا التساؤل تناول عدة نقاط لتوضيح هذا العنوان :
• أولا : مكانة الإنسان في التشريع الإسلامي :
إن الإسلام يوجّه الإنسان لعدة أمور قبل أن يبدأ مشروعه بالزواج وإنجاب الأولاد ، وحثّه على التخطيط في تربية الأبناء في وقت مبكّر ، ومن هذه الأمور مثلاً تأكيد الإسلام على حسن اختيار الزوجة الصالحة ، وذلك لكي تكون النطفة في مكان سليم ومنبت حسن ، وأكدّ أيضاً على الجانب الغيبي وهو الدعاء والطلب من الله في الحصول على الذرية الصالحة ، لأن ذلك أمر من الله وبتوفيقه ، ونرى ذلك جلياً في مستحبات ليلة الزفاف وعند المعاشرة ، حيث يستحب الطلب من الله بأن يرزقه الذرية الصالحة ، وكذلك بعد الولادة فقد أكد الإسلام العزيز على عدة مراسيم تقام على المولود كالأذان والعقيقة والتسمية والتصدق .. وكذلك في مجال التعليم حيث أمر الإسلام الأب بإبعاد الجهل عن الأبناء وتقريبهم من العلم ، ولا يكون ذلك من جهة الأمور الشكلية فقط وإنما بالاهتمام الخالص بالروح والعقل أيضاً .
وغيرها من توجيهات الدين الإسلامي الذي يرسم للإنسان الطريق الصحيح في التنشئة والتربية .
• ثانياً : الأمن العائلي في التشريع الإسلامي :
إن تحقيق الانسجام والأمن داخل الأسرة لا يكون من جهة الأب بأن يكون دكتاتورياً في البيت ، وإنما تستلزم التربية السليمة للأب الصالح المربي عدة أمور :
1- تأمين مستلزمات الحياة : إن مستلزمات الحياة في الأسرة كثيرة ، ولابد لرب الأسرة أن يوفرها حتى يتحقق الأمن وتستقر الأمور داخل الأسرة ، وحتى لا يحتاج الابن إلى الخارج وإلى رفقاء السوء ، ومستلزمات الحياة لا نقصد بها الأمور المادية فقط وإنما الأمور المعنوية والنفسية أيضاً ، كمشاورة الأب لابنه وتقديره واحترامه والتزام رأيه ... .
2- العدل بين الأبناء : إن التمايز بين الأبناء قد يكون سبباً في خلخلة الأمن داخل الأسرة ، وهذا أمر غير مقبول ، لأنه سبب في وجود الكراهية والبغضاء بين الأخوة في البيت الواحد ، والسبب هم الآباء .
3- المشاجرة بين الأبوين : إن سوء التفاهم بين الأبوين في داخل الأسرة وبين الأولاد يسبب زعزعة الأمن الأسري ، إذ ينشأ الطفل على مشاجرات الأبوين ، ولا يستطيع أن يتقبل ذلك كأسلوب ملائم للحياة ، لأن الطفل منذ نشأته بحاجة إلى استقرار نفسي وشعور بالأمان في ظل بيت يحميه وأسرة ترعاه .
كما أكد سماحته عن كيفية تشكّل الإنسان الذي لابد أن يحتاج إلى النفس المطمئنة ، والتي بدورها تتطلب بعض الأمور : كسلامة النفس ، وأن يكون الأبوان بداخلهما المحبة والثقة والمودة ، والرضا والتسليم ، فيجب أن يغرس هذا المفهوم في الأبناء وهو الرضا بقضاء الله وقدره ، وكذلك مفهوم الوسطية في كل شي ومن جميع جوانب الحياة مع الأولاد والجيران وفي الأسرة وغيرها ، لا مفهوم الإرهاب .
4- الحذر : يجب تعليم الأبناء مفهوم الحذر حتى لا يتم الوقوع في الخطأ ، وبالتالي نضمن سير تفكير الأبناء في الطريق الصحيح .
5- منظومة الحقوق (الواجبات) : مسألة الحقوق يجب أن تكون واضحة للأبناء ، فالابن يجب أن يعرف حقه من والديه ، وكذا يعرف واجبه حق والديه عليه ، وهذا من تكامل الأمن الأسري والانسجام .
6- الاهتزازات : الخلافات بين الأبوين تكون في مرحلتين الأولى : مرحلة مشاحنات ومشاجرات ، والثانية انفعالات في طريق التربية ، وهذا يكون سبباً في إبعاد الأمن الأسري ، وهو ما سينتج عنه توجّه الأبناء إلى الطريق الخطأ .
7- الشدّة والقسوة وكثرة المحاسبة : وهي تسبب اضطرابات سلوكية ، وإلاّ لماذا يخاف الأبناء من الآباء ؟ وذلك بسبب الشدة في غير محلهّا في أكثر الجوانب التربوية ، فيجب أن تكون هناك موازنات في هذا الأمر حتى نضمن سلامة التربية الصحيحة .
نسأل الله أن يمن علينا بعلاقة سوية مع أزواجنا لننعم بالطمأنينة والمودّة داخل أسرنا .
السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين ورحمة الله وبركاته ....