المرجع الشيرازي يؤكّد:

انتهزوا شهر رمضان بعمل ما يعجّل بظهور الإمام المهديّ

شبكة مزن الثقافية


إن الله تبارك وتعالى هو الذي يهيئ أسباب ظهور(1) مولانا وسيّدنا بقية الله الإمام المهدي الموعود عجّل الله تعالى فرجه الشريف وصلوات الله عليه، ويظهره على العالمين في ليلة. وهذا ماصرّحت به الرواية الشريفة عن مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله، وهي رواية متواترة عند الشيعة، وكذلك عند المخالفين في كتبهم المعتبرة لديهم كالمسمّاة بالصحاح، وقد نقل العلاّمة المجلسي رضوان الله تعالى عليه هذه الرواية بسند متواتر في البحار في باب قيام القائم عجّل الله تعالى فرجه الشريف، والرواية هي قوله صلى الله عليه وآله: «يصلح أمره في ليلة»(2).

هذا ما قاله المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله في كلمته القيّمة التي ألقاها بالمئات من المؤمنات والمؤمنين، أعضاء دار الولاية، من مدينة أصفهان، بمناسبة ذكرى العشرة المهدوية المباركة، ذكرى مولد مولانا الإمام صاحب العصر والزّمان عجّل الله تعالى فرجه الشريف، وذلك في بيته المكرّم بمدينة قم المقدّسة، مساء يوم الخميس الموافق للتاسع عشر من شهر شعبان المعظّم 1432 للهجرة.

وقال سماحته أيضاً: عند البحث في المئات من الروايات الشريفة الخاصّة بقيام وظهور مولانا الإمام المهديّ عجّل الله تعالى فرجه الشريف وأوراحنا له الفداء، والتأمّل فيها والتدقيق، نستنتج أن الله تعالى قد تعلّقت مشيئته بأن يخفي ساعة ظهور الإمام عجّل الله فرجه الشريف على العالمين، إلاّ عن الإمام نفسه عجّل الله فرجه الشريف وعن آبائه وأجداده الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين. ولكن بالقطع واليقين ستتحقّق ساعة ظهور مولانا الإمام المهدي المنتظر عجّل الله تعالى فرجه الشريف في ليلة ما، وقد تكون هذه الليلة هي ليلة غد، أو بعد مئات أو آلاف السنين، لا سمح الله. وبهذا الخصوص قال العلاّمة المجلسي رضوان الله تعالى عليه المتوفى قبل ثلاثمائة سنة تقريباً: نأمل أن نبقى أحياء حتى ندرك ظهور مولانا الإمام صاحب العصر والزّمان عجّل الله فرجه ونكون في ركابه وفي خدمته.

ذكرت الروايات الشريفة: «عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ سلام الله عليه فَقُلْتُ: يَاابْنَ رَسُولِ اللَّهِ أَنْتَ الْقَائِمُ بِالْحَقِّ؟ فَقَالَ: أَنَا الْقَائِمُ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ الْقَائِمَ الَّذِي يُطَهِّرُ الأرْضَ مِنْ أَعْدَاءِ اللَّهِ وَيَمْلَؤُهَا عَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً هُوَ الْخَامِسُ مِنْ وُلْدِي، إِلَى أَنْ قَالَ: وَهُوَ الثَّانِي عَشَرَ مِنَّا»(3). ومعنى ذلك أنه حتى في زمن الأئمة الأطهار صلوات الله عليهم ـ أي قبل ألف وثلاثمائة سنة تقريباً ـ كان بعض الناس ينتظرون ظهور الإمام المنتظر عجّل الله تعالى فرجه الشريف، لكن الله تبارك وتعالى شاء أن لا يعلم أحد بساعة ظهوره صلوات الله عليه.

وفي سياق حديثه أشار سماحته إلى بعض الأقوال غير الصحيحة التي تصدر من بعض الناس في مجال علامات الظهور، وأن أصحاب هذه الأقوال يستندون على الأوهام والظنون في تعيين ساعة ووقت ظهور الإمام عجّل الله تعالى فرجه الشريف، وقال:
إن الكثير من الروايات الشريفة أشارت إلى العلامات الحتمية وغير الحتمية للظهور الشريف، لكنها لم تعيّن ساعة ظهور الإمام صلوات الله عليه، بل أكّدت أنه لا أحد يعلم ساعة الظهور الشريف إلاّ الله تبارك وتعالى. وأما الذين يقولون بأن الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه الشريف سيظهر في كذا ساعة وفي كذا سنة، فهذا القول منهم غير صحيح، لأنهم لم يحيطوا بكل الروايات الشريفة التي تتحدّث عن الظهور الشريف ولم يجمعوا بينها. وهذه الأقوال والادّعاءات هي ليست وليدة اليوم، فقبل ألف سنة قد شاع مثلها بين الناس كثيراً.
إنّ الله عزّ وجلّ أخفى ساعة ظهور الإمام الحجّة صلوات الله عليه لامتحان الناس واختبارهم، ولمصالح لا يعلمها إلاّ هو جلّ وعلا. لذلك يجدر بالمرء أن يكون منشغلاً بإصلاح نفسه وإصلاح المجتمع دوماً، وأن يدعو الله سبحانه دوماً بتعجيل ظهور الإمام عجّل الله فرجه، ويأمل بأن يدرك زمن الظهور الشريف.

وفي جانب آخر من حديثه قال سماحته: على المؤمنات والمؤمنين إن يسعوا إلى تربية أنفسهم وتزكيتها وتهذيبها كثيراً وذلك بترويضها، وعليهم أن يقولوا ويعملوا ما ينالوا به رضا الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه الشريف ويوفّقوا للتشرّف بلقائه صلوات الله عليه، فإنه لتوفيق عظيم جدّاً أن يتشرّف المرء بلقاء الإمام المهديّ عجّل الله تعالى فرجه الشريف.

ورد في الرواية الشريفة عن سدير الصيرفي قال: «دخلت أنا والمفضل بن عمر وداود بن كثير الرقي وأبو بصير وأبان بن تغلب على مولانا الصادق صلوات الله عليه فرأيناه جالساً على التراب وعليه مسح خيبري مطرف بلا جيب، مقصر الكمين، وهو يبكي بكاء الوالهة الثكلى ذات الكبد الحري، قد نال الحزن من وجنتيه، وشاع التغير في عارضيه، وأبلى الدمع محجريه وهو يقول: سيّدي غيبتك نفت رقادي، وضيّقت عليّ مهادي، وابتزّت منّي راحة فؤادي،... . قال سدير: فاستطارت عقولنا ولهاً، وتصدّعت قلوبنا جزعاً من ذلك الخطب الهائل والحادث الغائل، فظننا أنه سمت لمكروهة قارعة أو حلت به من الدهر بائقة فقلنا: لا أبكى الله عينيك ياابن خير الورى، من أية حادثة تستذرف دمعتك وتستمطر عبرتك وأية حالة حتمت عليك هذا المأتم؟ قال: فزفر الصادق صلوات الله عليه زفرة انتفخ منها جوفه واشتد منها خوفه، فقال: ويلكم إني نظرت صبيحة هذا اليوم في كتاب الجفر المشتمل على علم البلايا والمنايا وعلم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة، الذي خصّ الله تقدّس اسمه به محمداً والأئمة من بعده صلوات الله عليهم، وتأمّلت فيه مولد قائمنا عجّل الله فرجه الشريف وغيبته وإبطاءه وطول عمره وبلوى المؤمنين من بعده في ذلك الزمان، ... وخلعهم ربقة الإسلام من أعناقهم التي قال الله تقدّس ذكره: وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ، يعني الولاية، فأخذتني الرقة واستولت عليّ الأحزان»(4).

وعقّب سماحته بقوله: نعم إن الإمام الصادق صوات الله عليه بكى لابتعاد الناس عن ولاية أهل البيت صلوات الله عليهم، وهذا ما يضاعف المسؤولية علينا جميعاً بأن نقوم بما يوجب ويعجّل في ظهور مولانا الإمام المهديّ صلوات الله عليه، رجالاً ونساء، وشيبة وشباباً، وأن نقوم بتثقيف الناس بتعاليم أهل البيت ونعرّفهم على دولة الحقّ والعدل التي سيقيمها الإمام وليّ العصر عجّل الله تعالى فرجه الشريف. وعلى الجميع أن يقوموا بهداية الناس إلى مجالس أهل البيت صلوات الله عليهم، وإلى إقامة وتعظيم أمر أهل البيت وشعائرهم، بالأخصّ الشعائر العلوية، والشعائر الفاطمية، والشعائر الحسينية، والشعائر المهدوية، فإن هذه الأعمال وأمثالها تزرع بذور التمسّك بولاية أهل البيت في قلوب الشباب وتنمّيها، وتدخل السرور على قلب الإمام المنتظر، وتوجب نيل توفيق التشرّف بلقائه عجّل الله تعالى فرجه الشريف.

وأشار سماحته إلى قضية هداية الشباب لنور أهل البيت صلوات الله عليهم وقال مؤكّداً: اعرفوا قدر شهر رمضان المبارك، ولتكن من أعمالكم في هذا الشهر الفضيل هداية الشباب إلى معرفة أهل البيت ومعرفة الإمام صاحب العصر والزّمان عجّل الله تعالى فرجه الشريف، وإلى المجالس التي تحيي أمر أهل البيت صلوات الله عليهم، ولا تدعوا الشباب يبتعدون عن الإمام المهديّ الموعود عجّل الله تعالى فرجه الشريف، حيث إن التهاون والتقصير في مثل هذه الأمور هي أيضاً مما بكى الإمام الصادق صلوات الله عليه لها وحزن عليها حزناً شديداً، كما في الرواية المذكورة آنفاً.

اعلموا أنكم بامتثالكم لهذه الأعمال وقيامكم بها في سبيل أهل البيت صلوات الله عليهم ستنالون الرعاية الخاصّة من مولانا بقيّة الله الإمام المهديّ عجّل الله تعالى فرجه الشريف، وستلمسون ذلك حتى عند تكلّمكم مع الإمام في خلواتكم، حيث سيأخذ الإمام بأيديكم وينبئكم برضاه صلوات الله عليه عنكم.

وختم المرجع الشيرازي دام ظله كلمته القيّمة بقوله: أسأل الله عزّ وجلّ ببركة الأيام المهدوية العشرة أن يمنّ على المؤمنات والمؤمنين جميعاً بأن ينالوا مقام القرب من أهل البيت ومن مولانا الإمام المهدي المنتظر عجّل الله تعالى فرجه الشريف أكثر وأكثر.

  وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين

1) أي يهيئ الظروف الصالحة لظهوره الشريف والأنصار والجماعة الصالحة.
2) بحار الأنوار: ج51/ باب 9 ماروي في ذلك عن الجواد صلوات الله عليه/ ص156/ ح1.
3) مستدرك الوسائل: ج12/ باب31 تحريم تسمية المهدي وسائر الأئمة و.../ ص282/ ح6.
4) غيبة الطوسي: أخبار المعمّرين من العرب والعجم .../ ص167.