سماحة المرجع المُدرّسي في ذكرى ميلاد امير المؤمنين(ع):نهوض الأمة بالعودة الى إهل البيت(ع) والقرآن

شبكة مزن الثقافية
سماحة آية الله العظمى الإمام  السيد محمد تقي المدرسي دامت بركاته
سماحة آية الله العظمى الإمام السيد محمد تقي المدرسي دامت بركاته

 

قال سماحة المرجع الديني اية الله العظمى السيد محمد تقي المُدرّسي(دام ظله)، أن النبي الاكرم صلى الله عليه واله وسلم، قد اطلق في الامة والعالم اجمع موجا عظيما من التحول التأريخي واختط طريق النهوض والخلاص للبشرية من المأسي والازمات الانسانية، وذلك بالثقلين " الكتاب والعترة" وأن نهوض الامة اليوم مرهون بالعودة اليهما، وأن العالم اليوم وهو قد أمسى قرية واحدة كما يقال، لايزال يمر بأزمات ومشاكل متتابعة ومتداخلة، تترك تأثيراتها على الجميع، وأن علينا اليوم اكثر من أي زمن آخر أن نكتشف من خلال بصائر القرآن وسيرة وكلمات أهل البيت الاسباب التي تؤدي لكل مايحدث في مجامعاتنا والعالم، والحلول التي يقدمها الاسلام للتغلب على هذه التحديات وعلاج هذه المشاكل.

جاء ذلك في حديث لسماحته أمام حشد من اساتذة وطلبة الحوزات العلمية، ووفود اهلية، وزائرين بمكتبه في كربلاء المقدسة بمناسبة حلول ذكرة مولد أمير المؤمنين الامام علي عليه السلام. حيث استهل سماحته الحديث بالآيات (55 ـ 57) من سورة المائدة المباركة: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ

وقال سماحته أن بعثة النبي الاكرم وانتشار نور الاسلام: (كانت نقلة نوعية كبرى مرحلة فاصلة ومحورية ليس في الأمة بل في تأريخ البشرية جمعاء..) واضاف متسائلا : ( كيف تحولت تلك الامة المتفرقة التي كان شعارها الخوف ودثارها السيف .. اولئك الذين كانوا يقتاتون الورق ويشربون الطرق، الذين كانوا يغير بعضهم على بعض ويتقاتلون ربما على ضب او حتى على جرادة، كيف تحولوا وخلال فترة زمنية بسيطة جدا الى تلك الامة الناهضة المتوثبة والنابضة بالايمان والعطاء والايثار .. كيف تحولت تلك القسوة التي انعكست على قلوب اهل الجزيرة العربية قبيل انتشار نور الاسلام والتي عكست كفرهم وظلالهم وسوء ما اكتسبوه من سيئات، ومن صورها ـ على سبيل المثال ـ جريمتهم في وئد البنات، كيق تحولت هذه القسوة الى صورة من الرقة " ويؤثرون على انفسهم ولو كان بهم خصاصة"، فيؤثر الجريح منهم الأخر على نفسه في شرب الماء وهم جميعا عطاشى، فيستشهدون جميعا ؟.. لماذا هذا التحول ؟...وما هذا الموج من التحول الذي حدث والذي اطلقه النبي من غار حراء، ولا يزال ينطلق في التاريخ، ما هو اعجاز النبي ..).

واوضح سماحته أن هذا الاعجاز وهذا النور الذي فتح ولايزال أمام البشر أفاق الروح والعقل والضمير وطريق الهداية الى الحق والعدل، انما يتمثل بـ( الثقلين الذين اورثهما النبي ولا يزالان فينا، وهما كتاب الله تعالى القرأن الكريم والعترة المطهرة أهل البيت ، كما قال : "اني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي كتاب الله وعترتي أهل بيتي..".

وتابع بالقول : ( ولكن السؤال، اين نحن منه ؟ اذا كان القران بيننا ونحن بين يديه واذا كانت العترة الشريفة موجودة وقائمة وحاضرة، اذا كان الامام الحجة المهدي (عج) حاضرا ومثله كمثل الشمس وإن جللتها الغيوم وحجبتها عنا، فلماذا امتنا تعيش هذه الاوقات والظروف الحرجة؟ لماذا يعربد في بلادنا كل كافر وفاسق ومجرم وهتاك؟..، لماذا السجون تمتلأ بالحرائر ناهيك عن الاحرار ؟، لماذا هذا القتل المتعمد ؟ لماذا هذه الانتهاكات لحقوق الانسان في بلادننا والعالم ؟ الا يحق لنا ونحن في هذه الايام الشريفة في رجب الاصب وفي رحاب ميلاد مولى المتقين امير المؤمنين ان نجلس ونفكر اين نحن من القران؟ اين نحن من اهل البيت ؟، لماذا ابتعدنا عنهما؟ نشتري الحياة الدنيا بالاخرة ويكون حظنا في هذه الدنيا الاوكس ولا نعرف كيف يكون حظنا يوم القيامة لماذا ؟ ..).

  • الولاية.. وخارطة طريق الحق

واشار سماحته الى أن الأيات التي توج بها الحديث، ومثلها آيات كثيرة في القرآن الكريم، انما توجه الخطاب لـ(المؤمنين) دون غيرهم.. حيث أن الايمان ( وقر في القلب وعمل بالاركان واعتراف واذعان باللسان، فيقول لهم الباري :من يرتد منكم عن دينه. فكيف نستطيع ان نفهم هذه الاية ومابعدها .. و ماهذا الارتداد ؟ ).

واشار سماحته الى أن الأيات التي توج بها الحديث، ومثلها آيات كثيرة في القرآن الكريم، انما توجه الخطاب لـ(المؤمنين) دون غيرهم.. حيث أن الايمان ( وقر في القلب وعمل بالاركان واعتراف واذعان باللسان، فيقول لهم الباري :من يرتد منكم عن دينه. فكيف نستطيع ان نفهم هذه الاية ومابعدها .. و ماهذا الارتداد ؟ ).

وتابع : ( اذا تدبرت في الآيات عميقا تجد انها تجيبك عن هذا السؤال فـ "من يرتد منكم عن دينه" يعني هنا من يخالف ما ذكر في هذه الايات الكريمة بالذات من الحقائق، و الله تعالى يريد ان نعرف الحقيقة بضدها، فنحن اذا اردنا ان نعرف النور نقول انه ضد الظلام ونعرف النها ر بانه خلاف الليل ونعرف المرض بانه انحراف عن الصحة اليس كذلك ؟ كلما اردنا ان نبين حقيقة استعطنا ان نعرفها بما يضادها فاذا عرفنا المضاد عرفنا الضد بصورة واضحة، والقران يعطيك هنا برنامج المؤمنين الصادقين الذين لم يرتدوا عن دينهم، يعطيك خارطة طريق الحق، فيقول من لم يرتد هو من يحبه الله ويحب الله، هو الذي يجاهد في سبيل الله ولا يخاف لومة لائم، و هو الذي يتمسك بولاية من أمر الله بولايته، وانه هو الذي كان يقيم الصلاة وآتى الزكاة وهو راكع، وقد علِمنا باليقين ان ذلك هو الامام امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام.. من لايرتد هو الذي ينتمي الى قوله سبحانه وتعالى "ومن يتول الله ورسوله والذين امنوا فان حزب الله هم الغالبون"، وأنت يكفيك ان تعرف مَن الآخر؟ والعاقل تكفيه الاشارة والكناية افصح وابلغ من التصريح .. ثم لابد أن ينتبه الانسان ويحافظ على ايمانه ولايرتد عن دينه بالحذر من الانزلاقات والاسترسال مع الحوادث والانسياب مع المزالق فيبدء ايمانه يذوب ويضعف مع الزمن .. وكما جاء في مضمون حديث للامام موسى بن جعفر ان المؤمنين علموا بان هذه القلوب تزيغ .. قالوا "ربنا لا تزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا".

واوضح سماحته في هذا السياق أن من عظيم الصفات والمأثر للمؤمنين حبهم لله وحب الرب لهم، والتواضع للمؤمنين، فهم اذلة عليهم، واعزة اقوياء على الكافرين، (فمواقف المؤمن ليست واحدة انما منبعثة من ايمانه .. ومن ثم حياة المؤمنين جهاد ومشقة وبذل المزيد من الطاقة ولايؤثر فيهم لوم و كلام الناس وتخاذلهم..).

وقال سماحته أن ( ولايتنا لأمير المؤمنين والتي أمر بها الله تعالى، يجب أن لاتكون ولاية سطحية على الالسن وليست عاطفية، انما هي ان شاء الله ولاية عميقة في نفوسنا الى درجة اننا نحاول في حياتنا ان نتمثل ونتجسد ان شاء الله مانستطيع من سيرة علي وهو الذي قال " الا وان لكل مأموم إمام يقتدي به ويستضيء بنور علمه" الى أن يقول " الا وانكم لاتقدرون على ذلك ولكن أعينوني بورع واجتهاد وعفة وسداد" فعلينا أن نبذل الجهد ونسعى ونقوم بذلك لنكون ان شاء الله من هذا النوع ).

  • مسؤولية ودور الحوزات العلمية

وخاطب سماحته الحضور بالقول :( اخواني القران يجب ان نتدبر فيه اكثر فأكثر، أن نعرف تفسيره و تأويله، أن نعرف بصائره ونهتدي بها، ان نعرف تطبيقه و تجسيده، في من يجسد هذا القران ؟ من هم الذين امنوا وماهي صفاتهم ؟ من هم الذي الذين كفروا، الذين نافقوا، وصفاتهم ؟، وهكذا لكي نعرف تجسيد القرآن على على الارض وفي الواقع والاّ يبقى القرآن بعيدا، مركونا في الرف، انما يكون القران حاضرا بيننا اذا عرفنا بصائره واستنطقناه وطبقناه على انفسنا ومحيطنا في كل جوانب حياتنا... ولن يكون ذلك أيضا الا بتولي عدل القرآن من أمرنا الله بولايتهم ولاية كاملة وأيمانا كاملا بهم بعد رسول الله ، وهو امير المؤمنين والائمة من بنيه عليهم السلام.. واتخاذهم ميزانا ومنهجا لحياتنا..)

واضاف :( اليوم اتصور ان الوعاء الذي فيه ينموا حزب الله هذه الفئة التي يقول ربنا سبحانه عنهم انهم هم الغالبون، ان هذا الوعاء هي الحوزات العلمية لانها محاولة ومسعى جاد من اجل التمثل بحياة النبي محمد واهل بيته المعصومين صلى الله عليهم وسلم اجمعين.. لذا فطالب العلم حينما يرتدي هذه العمة وهذا اللباس يحاول ان يكون في هيئته الظاهرية على هيئة النبي واهل بيته، ولكن هذا الظاهر لايكفي وليس هو المقياس، بل يحاول أن يتمثل النبي واهل البيت في حياتهم، أن يقترب اكثر من سلوكهم ومنهجهم واخلاقهم وآدابهم وعبادتهم، فيكون في علاقاته، في سلوكه، في كل ما له صلة بحياته، يريد ان يتمثل الاسلام كله، و بتعبير اخر يكون وعاء للثقلين، كتاب الله وعترة النبي صلى الله عليه واله وسلم ).

وتابع قائلا : ( اليوم تنشأ حوزات علمية شابة نشيطة مجاهدة ان شاء الله، كما حال الحوزات العلمية اليوم وعلى مر التاريخ، حوزات علمية تتمثل هذين الثقلين العظيمين ،القران و اهل البيت ، واذا كانت كذلك بعون الله فأنها تستطيع أن تصلح وتغير وتبني وتتقدم، ويكون لها دور عظيم، فتغير التاريخ لأن النبي بوجوده وبالقران الكر يم غير التاريخ وانتشل الامة من وهدتها العميقة وصاغها وجعلها أمة ناهضة عظيمة... فيا اخواني، ياعلماء ياطلبة العلم، ياشباب، انتم ان شاء الله الراية بيدكم اليوم، أنتم الوعاء، فليتجلى القرأن وأهل البيت في سلوككم في افكاركم لتكونوا ممثلين لهم .. وذلك بأن تتجسد فينا تلك الصفات العظيمة التي وردت في الآيات المباركة، ان تقتربوا اكثر وأعمق من القران وهو الشافع المشفع، من جعله امامه قاده الى الجنة ومن جعله خلفه ساقه الى النار، فلنتدبر القران، لتخترق و لتنير بصائره القلوب.. أن نرى في الحوزات من طلبتنا وعلمائنا الشباب مدرسين واساتذة كبار متبحرين، في التدبر والتفسير، وفي سيرة وتأريخ أهل البيت يميز بين الغث والسمين ويأخذ سيرتهم من كلماتهم المضيئة. كما في الاصول والفقه..)

وختم سماحته بالقول: ( ليس لدينا بعد الله تعالى اعظم وارجى من أهل البيت والقرأن الكريم، نحن اليوم يجب ان نكتشف الداء الموجود في مجامعاتنا و العالم اجمع ونصف الدواء مما ندرسه ونستلهمه من بصائر من القران الكريم ومن كلمات وسيرة اهل البيت ، وانتم تعلمون ما في العالم ؟ و تعرفون أيضا أنه صار مثل بيت واحد يسمونه الاسرة العالمية، أي حدث وأمر يقع في اخر الدنيا يتأثر فيه مكان اخر، العالم اصبح متأثر بعضه ببعض، هناك مشاكل كبيرة، فماهي رؤية الاسلام وحلوله ومعالجاته لهذه المشاكل.. وبالتأكيد لها في الاسلام حلول.. فلنجهد ونسعة ونثابر ونقترب أكثر وبصدق وعزم من كتاب الله المجيد وأهل البيت وسيرتهم وكلماتهم ووصاياهم التي لو عاد الناس اليها وأخذوا بها فأنها ستضيء حياتهم ودرب العالم.. وفي طليعتهم الامام امير المؤمنين عليه السلام وكلماته ووصاياه العظيمة التي من بينها مثلا عهده الى مالك الاشتر رضوان الله عليه، ذلك العهد المتدفق بالنور والحكمة في الادارة والحكم والعلاقات، بما يضمن بناء مجتمع رصين يسوده العدل والسلام والطمأنينة والرفاه والتقدم.. ومااحوجنا للعودة الى هذا النور والنهج القويم لعلاج مشاكلنا بل وللعالم اجمع ...).