المرجع المدرسي : المشكلة الرئيسية للبشر هي ليست في عدم تدينها، وانما في الدين الخاطئ
بسم الله الرحمن الرحيم
اكد سماحة المرجع الديني اية الله العظمى السيد محمد تقي المدرسي دام ظله على ضرورة الابتعاد عن الحزبيات الضيقة في الدنيا و عدم جعلها قيمة اساسية في الحياة. جاء ذلك خلال المحاضرة الاسبوعية التي يلقيها سماحته ليلة الجمعة في مكتبه بكربلاء المقدسة.
وفي مستهل حديثه تحدث سماحته عن ضرورة الدين في حياة الانسان للاستفادة من النعم الالهية، حيث قال: " لماذا على الفرد ان يجعل الدين في الاولوية في حياته ويقدمه على سائر الامور؟ ذلك لان الدين ليس نعمة كسائر النعم، بل هو مكمل نعم الله على الانسان. فكما لا يتهنأ بنعم الدنيا كلها من لا يملك عقلاً سليما، ولا يستطيع الاستفادة منها من لا يملك الحياة، كذلك لا يتهنأ الانسان في الدنيا والاخرة بنعم الله الا بالدين. فالدين عقل والدين حياة للبشرية."
واكد سماحته على ان المشكلة الرئيسية للبشر هي ليست في عدم تدينها، وانما في الدين الخاطئ الذي يستلهمه من ادعياء مزيفين ، مؤكدا على ضرورة البحث عن المصادر الحقيقة في الدين، حيث قال: ". البشر عادة ما يدعي الدين والتدين ولكن لابد ان يسأل نفسه دائماً عن مصدر الدين عنده، فحينما تدين بهذا الدين من جاء به؟ هل جاء به من المصادر الموثوقة من العقل والنقل، ام جاء به من اتباع الشهوات او اتباع الاباء والاجداد؟ فإذا لم يكن الانسان قد حصل على دينه من اساس واضح و مصدر موثوق ، فكيف يدعي انه على حق والاخرون على باطل. والحاجة الى البحث عن الدين الصحيح حاجة اساسية في حياتنا، لأننا ان فارقنا الحياة و وجدنا انفسنا - والعياذ بالله- على دين خاطئ، لا نستطيع الرجوع الى الدنيا و ان طلبنا ذلك وقلنا (رب ارجعون، لعلي اعمل صالحاً فيما تركت).
فالسؤال الذي لابد ان نوجهها لأنفسنا هو: من اين اعرف اني على حق؟ لأننا اذا نظرنا الى حولنا وجدنا الناس يدعي كل واحد منهم على اختلاف ديانته الحقيقة والبطلان لغيره."
وفي الاجابة على هذا التساؤل اوضح سماحته ان تمييز الداعية الحقيقي عن المزيف هي من اهم الطرق التي يستخدمها الشخص لمعرفة مدى صحة الدين الذي يؤمن به، حيث قال: "احدى الادلة الى صحة المصدر هو الداعية اليه. فإذا رأيت انساناً يدعو الى دينٍ يكون محوره ذاته، اعرف ان دينه خطأ. لماذا؟ لأن الله سبحانه أبى ان يتخذ لنفسه شريكاً، فالذي يدعو الناس الى نفسه وليس الا ربه، يدعو الى حزبه وليس الى ربه، لا يمكن ان يكون على صواب. فإذا تمعنا في الايات القرانية، نجد ان الله سبحانه يتحدث في سورة ال عمران عن هذا الموضوع حينما يقول: "ما كان لبشر ان يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس اتخذوني الها من دون الله" فهذا لا يمكن، فالذي اجتمعت فيه الكتاب الالهي و مجموعة الحِكَم الإلهية (الحكم) واتصل قلبه بنور الرب (النبوة)، هذا الشخص لابد ان يكون قد انسلخ من نفسه و من انانياته و طهر نفسه من عوامل الزيغ والفساد. "و لكن كونوا ربانيين"
و لكن الداعية المزيف، قد لا يدعو الى نفسه، بل يدعو الى حزبه او تجمعه او صنماً اخر من الاصنام المادية، ولكن الأمر في حقيقته دعوة الى ذاته، فهو لا يهدف في حقيقة الامر الا الدعوة الى نفسه ولكن عبر وسائل غير مباشرة. فالانسان المؤمن يؤمن بجميع الانبياء السابقين، فكما ان الانبياء جميعا امنوا ببعضهم البعض، و كل الانبياء السابقين امنوا بنبينا الاكرم محمد في عالم الذر. لكن الايمان شيء و اتخاذهم ارباباً من دون الله شيء اخر. فالمؤمن يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئا. فهو قد يعتقد بحزب او جماعة او وطن او اي قيمة اخرى، ولكن لابد ان يكون ذلك كله في اطار مرضاة الله سبحانه، ولا يجعل ذلك ارباباً من دون الله و قيمة دون القيم الربانية. و من هذا الباب دخل علينا ابليس."
: "فالذين يتوجهون اليوم نحو العصبيات الطائفية و المذهبية، الذين خلقوا الفتنة الطائفية في مصر اليوم، حيث هجموا على مجموعة من الناس الذين يعبدون الله على طريقتهم الخاصة، فأحرقوا عليهم كنيستهم، هؤلاء تراهم بنفس المنطق الطائفي يحرقون المساجد والمصاحف والحسينيات في البحرين. فالوهابيون هم من اختلقوا هذه الفتن و تعصبوا لطائفتهم وجعلوها ارباباً من دون الله، والدين منهم ومن منهجهم بريء. فهذا امير المؤمنين علي بن ابي طالب مر في رجوعه من صفين بكنيسة، فقال رجل (طالما اشرك الله هنا) لكن الامام رد وصحح الفكرة قائلاً (طالما عبد الله هنا). فهؤلاء السلفيون هم مثال واضح و ظاهر لمن يريد ان يجعل الدين وفقاً لعصبياته و رغباته و يعبد هواه. "
و في نهاية خطابه وجه سماحته رسالة الى المؤمنين في العالم قائلا: "ومن هنا اوجه خطابي للمؤمنين واقول : اياكم ان تتخذوا الدين لهواً ولعبا، اياكم ان تستخفوا بالدين، اياكم والدخول في الرياء و العصبيات والحزبيات، ولتكن اعمالنا وعبادتنا خالصة لله سبحانه. فإذا اردت انتخاب قائد او مرجع دين فتش عنه مخلصاً لله ولا تهتم بالحزبيات السياسية العصبيات المختلفة. ذلك لأن السياسة والحزبيات تنتهي كلها و سنقف يوما امام ربنا سبحانه ونضع الاية المباركة نصب اعيننا انه "اما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى، فان الجنة هي المأوى"