العلامة المصطفى : المنهج الرسالي في التغيير - 2
تحدث سماحة العلامة الشيخ حسين المصطفى في خطبة الجمعة 25 جمادى الأولى 1432هـ عن " المنهج الرسالي في التغيير - 2 " .
وتكلم سماحته الشيخ في خطبته عن ( أساليب الرسول الداعية ) ، وركز على أنّ القاعدة الأساس لهذا المشروع هو قول النبي الأكرم : " إِنَّا مَعَاشِرُ الْأَنْبِيَاءِ أُمِرْنَا أَنْ نُكَلِّمَ النَّاسَ عَلَى قَدْرِ عُقُولِهِمْ " ؛ أي أن نفهم عقول الناس وطريقتهم في التفكير ومؤثراتهم، ونكلّمهم على أساس هذه القاعدة.
ثم ذكر مجموعة من الأساليب في هذا المنهج :
- الأسلوب الأول : أسلوب القدوة
فالأصل في القدوة هو الإقتداء، والإقتداء هو (المحاكاة) ، وهو شيء فطري في الإنسان، حيث إنّ القدوة ما يقتدي به في جميع أفعاله .
ويعد أسلوب القدوة من أكثر الأساليب تأثيراً وأسرعها وقعاً في شخصية المتربي ، فكلما نشأ الإنسان في أجواء لا تتناقض أقوالها وأفعالها، كانت التربية فيها سليمة .
وتبرز أهمية أسلوب (القدوة) من عدة أمور:
1- جعل الله عز وجل لعباده أسوة عملية في الرسل والصالحين من عباده، وعدم اكتفائه بإنزال الكتب عليهم، فأرسل الرسل، وقصَّ على المؤمنين قصصهم وعرض سيرتهم ثم أمر بإتباعهم، والاقتداء بهم ، فقال: ﴿ أوْلَئِكَ الذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ﴾ [الأنعام: 90].
2- إنّ من طبيعة البشر وفطرتهم التي فطرهم الله عليها: أن يتأثروا بالمحاكاة والقدوة، أكثر مما يتأثرون بالقراءة والسماع ، ولا سيما في الأمور العملية، ومواقف الشدة وغيرها ... وهذا التأثير فطري لا شعوري في كثير من الأحيان .
3- إنّ أثر القدوة عام يشمل جميع الناس على مختلف مستوياتهم، حتى الأمي منهم ، فبإمكان كل امرئ أن يحاكي فعل غيره، ويقلده ولو لم يفهمه .
4- الكثير من الأشياء نستصعب تطبيقها, لكن إذا رأينا أمامنا مَثَلاً حيّاً سهل التطبيق وزادت العزيمة .
ومن هنا : كان إنكار الله عظيماً على من يخالف قوله عمله : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ ! كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ ﴾ [الصف: 2، 3].
- الأسلوب الثاني : أسلوب التربية بالمناقشة
ويستخدم هذا الأسلوب للإجابة عن سؤال أو مجموعة من الأسئلة المحددة، والتي لا توجد إجابات لها لدى السائل. وتحدث في المناقشة الموجهة عمليات مثل الاستماع والاستفسار والمشاركة بالتعليقات، مع تعيين كل رأي مطروح في ضوء معايير معينة.
ولأسلوب التربية بالمناقشة أهميته في :
• تنمية التفكير لدى المتعلم .
• إزالة الحواجز بين المتعلم والمعلـم .
• الاقتناع من قبل المتعلم من دون مجاملة .
• إزالة الخجل من مخاطبة الناس ومواجهتهم .
• إثارة الاهتمام والتفكير وضمان المشاركة .
- الأسلوب الثالث: أسلوب الإقناع بالحوار
وفي هذا الأسلوب يبرز عنصران :
1 - إنّ المتـربي يتقبل هذا الأمر عن اقتناع وليس عن مجاملة.
2 - المربي هنا يخاطب عقل المتربي وليس العاطفة وهذا يبقى لدى المتربي.
والسؤال المهم : كيف تؤثر في الناس ؟
إنّ أعظم ما يكون التأثير في الآخرين بالقدوة الحسنة وليس بالكلمات والمواعظ وحدها ولا بد أن تستفيد من أسلوب علم النفس في التعامل مع الآخرين في طريق الدعوة، فالأسلوب مهم جداً لجعل الناس يتقبلون كلامنا، مما يجعل أمر الحوار معهم ممكناً وسهلاً .
لقد استطاع الرسول أن يؤثر فيمن حوله لأنه استطاع أن يستخدم الأساليب المتنوعة في هذا المجال:
-أن تذكر إيجابياتهم قبل السلبيات .
- مخاطبة الناس على قدر عقولهم .
- تقويم طريقة التفكير الخاطئة .
- تهيئة الجو المناسب للشخص المقصود بسماع الموعظة، ولم تكن عادة الرسول الدخول في الموعظة مباشرة، بل كان يمهد لها بغيرها، وأحياناً يبدأ بالسؤال عن معلومة ما.
- المرأة والانتخاب :
من أساليب تربية الأمة تعوديهم على ثقافة الانتخابات .
فبينما تنفق المرأة السعودية 7 مليارات ريال على أدوات التجميل سنوياً، وتنفق على الأزياء ما يقرب من 19 ملياراً ، مما يجعلها تعيش هامشاً واسعاً من التهميش عن المشاركة العملية التي أرادها الله لها أن تعيشها في كرامة وعزة.
فإنّ القراءة الصحيحة والمجردة للقرآن الكريم وسيرة الرسول ، بعيداً عن العصبيات والعادات الاجتماعية، ترشدنا إلى المكانة المرموقة التي جعلت للمرأة دوراً في الحياة الإنسانية.
وأنّ لها حق المشاركة في الانتخابات البلدية والبرلمانية وفي أي شأنٍ من شؤون الحياة العامّة مثلها كالرجل تماماً .
فالتجربة هي التي تعطي الإنسان الصورة الحقيقية عن الواقع عندما تستكمل كل العناصر التي تؤدي به إلى الصواب، شريطة أن يملك الإنسان خبرة الانطلاق في أي عمل، فليس له أن يتحرك في العمل من موقع الجهل والغفلة، بل من موقع الخبرة .
إنّ الحرمان كلمة تتماشى مع المرأة السعودية في كثير من شؤون حياتها المختلفة : حرمانها من الرياضة البدنية في المدرسة، حرمانها في أن تعمل في بعض المؤسسات الحيوية، حرمانها من انتخابها في مجلس الشورى، حرمانها في انتخاب المجلس البلدي، حرمانها من قيادة السيارة ...
وكل هذا هو نوع من حرمانها من التعليم ، وحرمانها من التجربة في الحياة والحكم عليها بأن تكون جنساً بشرياً أقل درجة من الرجال .
وفي مجتمعنا السعودي عايشنا الكثير من القرارات المتأخرة، التي تقاوم قاعدة الاستجابة لما يفرضه الواقع، وصرنا نرى أنّ ما نرفضه الآن نقبل به بعد عشر سنوات، لكننا في قبولنا المتأخر تكون المشاركة قد تعقدت، أي أنه قبول لا فائدة كبيرة منه .
وأنا هنا أدعوكم لمراجعة التحولات التي مرت بمجتمعنا لنرى كيف أصبحت كثيراً من القرارات التي قاومها المجتمع جزءاً من ثقافتنا المعاصرة .
والذي يظهر أننا (كمجتمع) نقاوم لأننا بنينا مخاوف داخلنا (ما أنزل الله بها من سلطان) ولن أخوض في الجدل العقيم حول (المفاسد) لأني على قناعة تامة أنّ مفاسد الحرمان أكبر من الاستجابة، والمسألة مجرد وقت ولا أعتقد أننا سنعزل أنفسنا عن العالم لمجرد أنّ البعض يرى أنّ المرأة كلها مفاسد، وأنّ بمجرد خروجها للشارع سوف تنتشر الرذيلة وسيعم الفساد.
ما أود قوله أنه لا يوجد ما هو إيجابي بشكل مطلق، وأنه يجب علينا أن نتغير لأنّ العالم كله قد تغير . فالمنطق يقول إننا لن نبقى ثابتين والعالم يتغير ومن الأولى أن نصنع مستقبلنا بأيدينا بدلاً من أن يصنعه لنا الآخرون، ولن نكون أبداً مجتمعاً مبادراً بل سنكرس «ثقافة الاستسلام» و« الخضوع للأمر الواقع ».