العـلامـة الشيخ حسين المصطفى : يتحدّث عن الأوضاع في البحرين

شبكة مزن الثقافية موقع العلامة الشيخ حسين المصطفى ( بريد مزن )
سماحة العلامة الشيخ حسين المصطفى حفظه الله
سماحة العلامة الشيخ حسين المصطفى حفظه الله

خطبة الجمعة : المسألة البحرينية

في أولى خطبة جمعة لسماحة العلامة الشيخ حسين المصطفى - وبعد انقطاع طويل - تحدث أولاً عن ذكرى ولادة الإمام العسكري وذلك من خلال إثارة بعض الكلمات التي وردت عنه في شؤون العقيدة والتفسير والأخلاق ؛ لأنّ علاقتنا بالأئمة هي علاقة السير على منهاجهم والانفتاح على علمهم ، والتحرك في الواقع الذي يصنعونه ويديرونه ويقودونه .

ونوه سماحته إلى أهمية الوحدة بين المسلمين في كلمات أهل البيت وأنها من الأسس والقواعد المهمة التي نادى بها أئمة الهدى ، مستشهداً بما ورد عنهم من روايات بما فيهم الإمام الحسن العسكري وما جاء في وصيته لشيعته .

وفي ختام خطبته تحدث سماحته عن الأوضاع البحرينية الراهنة ، فقال :

إنّ الذي أباح لنفسه ارتكاب تلك المجازر البشعة في البحرين، إنما تحرك بغطاء من أفتى بحرمة الخروج مطلقاً على الحكّام .

بيد أنّ المظاهرات السلمية، التي لا تُشهِّر السلاح، ولا تسفك الدماء، ولا تخرج للاعتداء على الأنفس والممتلكات ليست خروجاً مسلحاً على الحكّام؛ ولذلك فلا علاقة للمظاهرات السلمية بتقريرات الفقهاء عن الخروج وأحكامه؛ لأنها ليست خروجاً، ومن أدخلها في هذا الباب فقد أخطأ خطأً بيّناً.

وشدّد سماحته على أن المظاهرات السلمية إنما هي وسيلة من وسائل التعبير عن الرأي، ومن وسائل التغيير، ومن وسائل الضغط على الحاكم للرضوخ لرغبة الشعب. فإن كان الرأيُ صواباً، والتغييرُ للأصلح، ورغبةُ الشعب مشروعةً كانت المظاهرةُ حلالاً.

وإلا فإنّ من يذهب إلى القول بالتحريم يقف أمام معضلة تاريخية كبرى حيث فسّر خروج الصحابة يوم الجمل -وكانوا ألوفاً- بأنه خروج مبرر، ولا يندرج تحت طائلة الخروج على الحاكم الشرعي، مع ما ترتب على هذا الحدَث من مفسدة كبرى .

فالأصل في حكم المظاهرات السلمية الإباحة ، ولا تكون محرمة إلاّ إذا ترتبت عليها مفسدة أعظم من مصلحتها. بل قد تكون (المظاهرات) واجبة : وذلك إذا لم يُمكن إصلاحُ المفاسد إلاّ بها ، دون أن يترتب عليها مفسدة أكبر. وإطلاق القول بتحريمها في كل حال، ووصفها بأنها دائماً تؤدي لمفاسد أكبر من مصالحها شيءٌ لا يدل عليه النقل ولا العقل ولا الواقع :

- فلا هناك نصٌّ خاص من نصوص الوحي (القرآن أو السنة) يدل على تحريم المظاهرات ، فيلزم المسلمين التعبُّد بالرضوخ له .

- ولا يرفضها العقل مطلقاً ؛ لعدم جريان العادة التي لا تتخلف بكونها مُفسدةً .

- والواقع يشهد بأنّ من المظاهرات ما أصلح ونفع وأفاد، ومنها ما هو بخلاف ذلك. فلا يصحّ ادّعاءُ أنّ واقعها يدل على تحريمها.

وقد استغرب الشيخ المصطفى ممن يتذرع بمختلف الذرائع لصياغة موقف ديني -هنا أو هناك- أن يسوّغ لنفسه هذه الطريقة من العنف الدّامي والبطش المتواصل، وبهذا الأسلوب من الإجرام المتصاعد الذي ووجه به الشَعب المسالم في البحرين، والذي رفع مطالبه بطريقة سلميَّة وحضاريَّة.

وقال سماحته بأننا كنّا ننتظر، كما الجميع، أن تطرح السلطة هناك ما في جعبتها في الحوار الذي تحدّثت عنه، فإذا بحوار الطائرات والمدرّعات والرّصاص المطاطيّ والحيّ هو الذي يفرض نفسه في كلّ هذه الفوضى الدامية التي تحوّلت فيها الشرطة وقوّات "درع الجزيرة"، إلى قوّات بطشٍ تلاحق النّاس في بيوتهم ومدنهم وقراهم وشوارعهم.

لقد انقلبت جيوش الخليج العربي من حامية لشعوب ودول مجلس التعاون الخليجي إلى جيوش تعمل لضرب المواطنين وترويعهم والاعتداء عليهم بصورة تتنافى مع جميع ما جاءت به الشرائع السماوية وأقرته المعاهدات الدولية والحقوقية والإنسانية، بل هي خطوة مخالفة للمعاهدات القائمة بين دول المجلس ذاتها التي تنص على استخدام قوة درع الجزيرة في الدفاع عن دول المجلس وشعوبه عندما تتعرض لاعتداءات خارجية فقط.

يأتي ذلك في زمن تتعاضد فيه الأمم لتكريس المبادئ الديمقراطية وتعزيز القيم الإنسانية والحقوقية وتكون فيه روح المواطنة الدستورية هي المهيمنة، وكأنّ بعض دول الخليج العربي غير معنية بتلك المبادئ والقيم التي سبق أن وقعت على الالتزام بها في المعاهدات الدولية، وكأنّ شعوب الخليج غير مؤهلة للحصول على حقوقها في التعبير عن رأيها ورفع صوتها رغم ما تعانيه بعضها من حقوق مسلوبة وغياب للمساواة بين المواطنين.

إنّنا وفي الوقت الذي نؤكّد ضرورة أن تتحمّل المنظّمات والجهات الإنسانية والدوليّة والعربيّة والإسلاميّة مسؤوليّتها، ندعو إلى أوسع حملة تضامنٍ مع الشّعب المسالم في البحرين، لينطلق الصوت واحداً على مستوى الأمّة كلّها في رفض الظّلم والدّعوة لإحقاق الحقّ.

واختتم سماحة الشيخ المصطفى خطبته بتقديم التعازي لعوائل الشهداء الأبرار داعياً بشفاء الجرحى ، وأن يفرّج عن أهالي البحرين كربهم ويجمع شملهم ويعينهم على إصلاح أمورهم ويبعد الشر وكيد الأعداء عنهم إنه جواد كريم .