الشيخ محمد العمري قرنٌ ونيفٌ مِن العطاء
هنا حيث طيبة الطيبة مهوى قلوب المؤمنين مِن أصقاع الأرض.. كان إلى جانب معالمها وَمشاهدها الخالدة عَلمٌ ما اقترنَ اسم أحدٍ من العلماء كما اقترن هو بها!؛ فأضحى جزءاً لا يتجزأ من معالمها، ومجلسه مزاراً لمن ينشد عبق الولاء مِن أهلها.
تودع ساحتنا- وما تزال الأرض تُنقصُ مِن أطرافها- رمزاً من رموزها المرموقين، وعلماً من أعلامها البارزين الخشية ديدنه ﴿إنما يخشى الله مِن عباده العلماء﴾ فاطر: 28، والخشوع سمته، والذّكرُ ورده..بقية سلف الرعيل الأول الذي أفنى زهرة شبابه، وأهلك سِنيَّ عمرهِ في حفظ ورعايتة جذوة النور مِن أنْ تنطفئ، وروح الإيمان من أن يزول، في مدينة تمثل نبع الإسلام الدافق، ومشعل الهداية المضيء، ومهد الوحي.. فيا لمفارقات زماننا الرديء، ويا لسخرية القدر!!.
إننا أمام قامة سامقة تمثل قرناً ونيفاً من الزمن.. وإنْ كانت الأعمار لا تقاس بما حصدناه من سنين بل بما قدمناه من عطاء، فقيمة العمر بما نعطي فيه لا بما أخذنا منه!، ولكن ماذا لو اجتمع العمر المديد بالعطاء الرشيد والموقف السديد؟!.
الحياة تجارب، والتجارب خبرات، والخبرة مهارة وعلم، وَ (في التجارب علمٌ مستأنف), وَ (رأيُّ الشيخِ أحبُّ إليَّ مِن جلد الغلام) كما يقول سيد البلغاء عليه السلام.
كثيراً ما تأخذنا حماسة التغيير، ورغبة التجديد لانتقاد الوضع الراهن، اسقاط الملامة على غيرنا، وتحميلُ رموزنا كامل المسؤولية لهذا الواقع المتردي في أكثر من جانب وآخر، وكأننا لسنا معنيين بالتغيير.. ونغمض أعيننا عن تلك الأجواء الإيمانية، والبيئة الدينية التي أهلتنا لأن نفكر ونقول مثل هذا وذاك، وأنْ نتوهج ولاء وعشقاً لآل محمدٍ صلى الله عليه وآله وسلم.
مَن الذي مهدها ورعاها وتعهدها وؤرباها؟!
أليس هذا بذاته إنجازٌ لا ينكر وعطاءٌ لا يبخس حقه مِن التقدير والإجلال؟!، فكيف إذا كان ذلك في أشد الظروف حلكة، وأكثر الأوضاع تأزماً.. وفي هامشٍ لا يكاد يذكر من الحرية؟.
لا ينبغي أن نطالب مَن أضناه التعب، وأعيته الأيام، وأقعده الجهد بما نطالب به مَن تشتعل فيه حماسة الشباب والقوة والطاقة مِن عطاء ودور.
الحياة تكاملٌ، وليس بوسع أحدٌ كائناً مَن كان أن يمثل جميع الأدوار ويبدع فيها.
وإذا ما أردنا أن نؤبن هذا العلم الجليل فسنجد أنفسنا أمام:
- استحضار أدق المسائل الفقهية حتى آخر أيام عمره.
- الرعاية الأبوية
- صدق العاطفة
- كرم الضيافة
- المواقف الحازمة
- الصبر الجميل
- عزة النفس
- استقلال الشخصية
- الروحانية الشفيفة
- عمق الولاء
إننا أمام هذه السمات مجتمعة.. لا واحدة ولا اثنتين بل ما هو أكثر.
إننا إذ نودع أباً روحياً يذكرنا بأنصار رسول الله المخلصين، قاد سفينة الولاء في طوفان لا يكاد يهدأ من التحدي المرير لا يسعنا إلا أن نقف إجلالاً وننحني تقديراً لهذا البهاء السَّني، والعطاء المضيء، فنستحضر قوله تعالى: ﴿أمن هو قانت آناء الليل ساجداً وقائماً يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب﴾ الزمر: 9، وقوله جلَّ شأنه: ﴿يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات والله بما تعملون خبير﴾. المجادلة: 11.
ضارعين إلى الله تعالى أن يحشره مع مَن تولاهم محمد وآله المنتجبين.