شعائر الإنقاذ في ذكرى الحسين(ع)

أحمد عبد الرحيم الحي *

فاز الحسين إذ خرج من هذه الدنيا شهيدًا طاهرًا نقيًا، فلماذا نحيي ذكراه كل عام بالحزن والبكاء؟

لمَ هذه الدموع والآهات؟ لم كل هذه الشعارات الحماسية والمسيرات المليونية رغم مرور أكثر من 1300 عام على قتله؟

بالإضافة إلى قدسية مكانة الحسين وعظم الفاجعة من الناحية الإنسانية، فإننا نجدد الحزن كل عام لأن "أمة سقطت" وعلينا العمل على إنقاذها.

إن منابر ومواكب وزيارة الحسين وكلمات وشعارات وشعائر عاشوراء ما هي إلا رسائل إنقاذ للعالَم الذي يعي جوهرها. قبل أكثر من 13 قرنًا بلغت الأمة منتهى السقوط إذ قتل الحسين بيدها وبين ظهرانيها فسكتت على ذلك مع ما له من المقام الذي لم تعرفه حق المعرفة، وليس يومها بأفضل من أمسها، ولا ينقذها من سقوطها ويوقظها من سباتها إلا تفاعلها مع دم الحسين الطاهر وإدراكها لقيم نهضته الإصلاحية.

اليوم وبينما تنعدم في أمتنا ثقافة وعي الحياة، وتبلغ نسبة الأمية –على أقل التقادير- 40% من مجموع السكان، تذكرنا منابر الحسين وشعارات عاشوراء أنه بذل مهجته ليستنقذ العباد من "الجهالة" وحيرة "الضلالة"(1). تلك الضلالة الناشئة عن الجهل في الدين والوقوع في حفر الأفكار والتيارات المنحرفة والتي من أبرز تجلياتها اليوم خلايا الإرهاب النشطة في بلادنا العربية والإسلامية، بينما هدَت حركة الحسين غير المسلمين فضلاً عن المنحرفين داخل المحيط الإسلامي إلا من تولى وطغى.

في دول تحكم القبضة على سدة الحكم في غالبيتها الأنظمة الديكتاتورية الظالمة والمستبدة.. دول يستعبد شعوبها الطغاة المحليون، ويبتزها الطامعون الأجانب، ويعذب في ظلمات معتقلاتها الأبرياء بأبشع صنوف التعذيب الرهيب الذي ليس أقساه ضرب المسامير في الآذان والألسن والذي كان مثالاً بسيطًا على فصوله البشعة الشريط المصور الذي نشرته قناة أي بي سي نيوز شهر أبريل الماضي (2010م) فاضحًا تعذيب حاكم دبي لرجل أفغاني.. في هذه الدول وغيرها تخرج المواكب المليونية رافعة رايات الحرية والعدالة متحدية طلقات الرصاص وانفجارات القذائف والمفخخات لتردد صرخة الحسين: "هيهات منا الذلة"، ويقطع الزوار قفارها وبحارها وأجواءها مرددين دعوة الحسين: "كونوا أحرارًا في دنياكم".

وبينما لا زلنا نعاني من التمييز بين الناس على أساس ما يمتلكونه من أموال أو مناصب أو لأنسابهم وأحسابهم وأعراقهم كالأحكام القضائية -المثيرة للسخرية- الآمرة بالتفريق بين الأزواج لـ "عدم تكافؤ النسب"، تلهمنا ذكرى الحسين دروس المساواة بين البشر حين وضع سبط رسول الله وابن أمير المؤمنين وابن سيدة نساء العالمين سيد شباب أهل الجنة خده على خد العبد جون تمامًا كما وضع خده على خد ابنه علي الأكبر حين سقطا على الأرض صريعين!

في عالم يهمش دور المرأة ويلغي دور الطفل، لا نحتاج لبذل مزيد جهد لمعرفة الدور الكبير الذي قامت به المرأة وقام به الأطفال في إنجاح الثورة الحسينية وإيصال أهدافها وتخليد ذكراها إلى يوم الناس هذا.

وفي مجتمعات تنخرها الجرائم والانحرافات الأخلاقية خلاف ظاهرها الملائكي اللماع، نرى قمة الطهر والتورع والأدب عند أصغر طفل من أطفال تلك النهضة المقدسة.

فهل عرفتم أيها السادة لِمَ نحيي ذكرى الحسين بالحزن كل عام؟

وهل تمتلكون بديلاً آخر يحرك الملايين ويثير الجماهير كل عام لمواجهة هذه المعضلات والمآسي القاتلة لإرادة الأمة؟ 

17/2/1431هـ

 


(1) كما ورد في زيارة الأربعين: "وبذل مهجته فيك ليستنقذ عبادك من الجهالة وحيرة الضلالة".
صفوى