شيخ العلماء وأسد الحجاز المجاهد العمري - في ذمة الله.
غيب الموت الذي لابد منه، شيخ علماء مدينة الرسول الأعظم وأسد الحجاز، وابرز علماء الوطن، وأكثر شخصية دينية في الوطن تحظى بشعبية جارفة لدى كل من يزور مدينة الحبيب المصطفى من الداخل والخارج، انه آية الله الشيخ محمد علي بن احمد العمري (رحمه الله)، بعد قرن من الزمن قضاها في العلم والعمل والعطاء والتصدي لخدمة الدين والمجتمع، رغم التحديات وألام المرض.
(إذا مات العالم ثلم في الإسلام ثلمة لا يسدها شيء)، ورحيل آية الله الشيخ محمد علي بن احمد العمري (قدس) خسارة فادحة للدين والعلم والعلماء والأمة والوطن وللمواطنين، وبالخصوص لأهل مدينة الرسول الأعظم المدينة المنورة، الذين شعروا بألم الرحيل الأخير وباليتم، لما للفقيد العزيز من مكانة لديهم، فهو الوالد والقائد والزعيم للكبير والصغير رجال ونساء، فالجميع تربوا بين يديه وفي ظل رعايته وعنايته. ولهذا فلمثل الفقيد فلتبكي عيون المحبين له دما. وما العجب والفقيد الراحل له الفضل بعد الله سبحانه في المحافظة على وحدة المجتمع المدني الموالي لأهل البيت ، وقيادته إلى بر الامان في أحلك الظروف، وجعل المدينة مركزا هاما وفعالا ونبراسا ينبض بأفكار مدرسة أهل البيت، بفضل ما يتمتع به من صفات قيادية جذابة ومؤثرة سحرت قلوب وعقول أهل المدينة والحجاز بل وكل من زاره وشاهده وتعرف عليه واستمع لحديثه، فهو مدرسة في الأخلاق الفاضلة - قمة في التواضع والكرم، وفي فنون العلاقات والتعايش والتسامح والسلام مع الآخرين- ، ومدرسة في فنون الجهاد والتصدي وتحمل المسؤولية والإصرار على التمسك بمبادئ مدرسة أهل البيت، والحرص على إقامة الشعائر رغم الظروف والتغيرات، كما انه الملاذ لزوار الرسول الأكرم من داخل الوطن وخارجه، والمتنفس للفكر المحمدي العلوي الفاطمي الحسني الحسيني فكر أهل البيت الأصيل، وهو كعبة لكبار الشخصيات الخارجية التي تزور الوطن من خلال استقباله لهم في بيته العامر ومزرعته العمري المباركة المشهورة.
لقد كان لي برفقة مجموعة من الأخوان شرف زيارة الرسول الأعظم محمد وأهل بيته ، والتشرف بزيارة شيخ العلماء آية الله العمري، وذلك قبل اقل من عام من رحيله، أي في فترة مرضه وكبر سنه 100 عام، والملفت ان الشيخ خلال الزيارة أصر على الوقوف على قدميه للسلام على جميع الأخوان وهو مبتسما للتعبير عن مدى فرحته وترحيبه بالضيوف، وبعد ذلك ألقى كلمة على الحضور تنبض بالمحبة والود وتحتوي على التأكيد على أهمية التقوى والأخلاق والتمسك بمدرسة أهل البيت -عليهم السلام- والعمل في سبيل المجتمع والدفاع عن المظلومين.
حياة الفقيد العزيز آية الله العمري (رحمه الله) التي امتدت نحو قرن من الزمن مليئة بدروس العطاء والجهاد والتصدي وتحمل المسؤولية، فلقد كرس حياته في خدمة الدين والعلم والدفاع عن الحق والعدالة وخدمة المجتمع، وتحمل نتيجة ذلك الموقف البطولي كل ما تعنيه كلمات التضييق والسجن والإبعاد بسبب تمسكه بمبادئ مدرسة آل البيت وعدم المساومة على حرية الممارسة التعبدية، ولقد كان يواجه كل ذلك بالثبات والصمود والتوكل على الله.
آية الله العمري رحمه الله شخصية مميزة بل وعلامة فارقة بين علماء الوطن وخارجه، فقد تميز بالهيبة رغم التواضع الشديد، وبالعلم والمعرفة وبالحضور الذهني والتركيز والذاكرة والهمة العالية ونفسية الثائر والمجاهد إلى آخر أيام حياته، وبالشخصية القيادية لأهل المدينة بشكل خاص وأهل الحجاز بشكل عام، وتميز بالشجاعة على صعيد اتخاذ القرار في قضايا دينية حساسة كتحديد بداية ونهاية شهر رمضان، اما على الصعيد الاقتصادي فالشيخ (قدس سره) يملك عقلية اقتصادية متميزة، اما على الصعيد الخدماتي والاجتماعي فالشيخ مدرسة في ذلك المجال وأعماله الخيرية كثيرة، اما على الصعيد العلاقاتي فحدث ولا حرج فمزرعته عامرة في كل الأوقات بالضيوف من داخل الوطن وخارجه، ويحرص على الترحيب بهم وخدمتهم، كما للفقيد أفكار ومواقف خاصة في الشأن السياسي.
غياب العظماء فجيعة كبرى، وآية الله العمري من العظماء في بلادنا، وشكل رحيله فجيعة كبرى لمحبيه، وترك فراغا من الصعب أن يسد، وترك مسؤولية كبرى على من بعده، وهو بالتالي حجة على المتصدين في المجتمع بضرورة العمل والتضحية والشجاعة وإنشاء المشاريع الخدماتية. والشخصيات العظيمة مثل الشيخ العمري لا تموت فهي ساكنة في قلوب الناس، لأنها تركت من بعدها ما يؤكد على بقائها، العمل الصالح الملموس وخدمة الناس.
نتقدم بأحر التعازي والمواساة إلى عائلة الفقيد العزيز آية الله الشيخ محمد علي العمري (رحمه الله)، وبالخصوص لسماحة الشيخ كاظم العمري، والى أهل المدينة والحجاز والوطن ومحبي الفقيد الغالي في كل مكان في العالم، ونسأل الله العلي القدير أن يحشره في زمرة محمد وال محمد الطيبين الطاهرين، وأن يجعل قبره روضة من رياض الجنة. وان يلهم أهله الصبر والسلوان. قال تعالى:(يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي). و(إنا لله وإنا إليه راجعون).