السلطان الخالد(الإمام الرضا) أنموذجا لفضح النظام الفاسد

علي آل غراش *

الإمام علي ابن موسى الرضا ، هو السلطان العظيم الخالد، الذي ما زال لغاية اليوم سلطانا عظيما مؤثرا يتسع نفوذه ويجذب المزيد من المحبين، رغم شهادته في عام 203 متأثرا بالسم. ومن أراد معرفة مدى قوة وعظمة هذا الإمام العظيم، أن يقوم بزيارته في مدينة مشهد المقدسة، ليشاهد كثافة عدد الزوار - المحبين له ولابائه وأبنائه وشيعته من أنحاء العالم - في كل الأوقات، ويرى عظمة صرحه السلطاني الشامخ، ويقف خاشعا أمام الضريح العظيم المستمد من عظمة هذا الإمام الغريب ومن دوره الرسالي المكمل لدور الأئمة - عليهم السلام - في تحمل المسؤولية والتصدي لإصلاح الأمة والثورة ضد الظلم والعدوان، وفضح النظام الحاكم الفاسد من الداخل.
 
فالإمام الرضا السلطان الخالد صاحب تجربة تاريخية فريدة في التعامل مع الحكومة وفضح النظام الفاسد المتمثل في ذلك الوقت بحكم المأمون العباسي، الذي وصل للحكم بعد محاربة أخيه غير الشقيق الأمين انتهى الأمر بقتل الأمين، وكان المأمون يشعر بالخوف والقلق من وجود الإمام الرضا الممثل للبيت العلوي وللرسالة المحمدية الحقيقية، والمعارض الأقوى والأخطر على حكم بني العباس، لاسيما إن الشارع الإسلامي يؤمن بان الإمام الرضا هو الزعيم الشرعي للأمة. وبما ان الإمام له شعبية في الشارع بعكس نظام المأمون العباسي، والمعارض الأقوى، عمل المأمون على اعتقال الإمام ونقله بالإكراه من مقره في المدينة المنورة إلى مدينة مشهد، ثم القيام بتنصيب الإمام الرضا في منصب صوري كولي للعهد للحصول على محبة الشعب، ولمنع الإمام من أي تحرك.
 
وقد قبل الإمام علي ابن موسى الرضا ،  بمنصب ولاية العهد مضطرا وبعد الاتفاق على شروط معينة حددها الإمام وقد عبر الإمام عن ذلك بدعائه لله:"اَللّهُمَّ اِنَّكَ تَعْلَمُ اَنّي مُكْرَهٌ مُضْطَرٌّ، فَلا تُؤاخِذْني، كَما لَمْ تُؤاخِذْ عَبْدَكَ وَ نَبِيَّكَ يُوسُفَ حينَ وَقَعَ إلى وِلايَةِ مِصْر"َ بعدما رفض ذلك العرض لعدة مرات بشدة، ولكن المأمون العباسي ـ المصر على تسلم الإمام الرضا الذي يشكل رأس حربة المعارضة لأهل البيت المنصب لتحقيق أهداف سياسية خاصة ـ هدد الإمام الرضا بالقتل..، فقبل الإمام في نهاية الأمر بولاية العهد بشروط، ـ وفي ذلك أهداف سياسية ـ ومن تلك الشروط كما جاء على لسان الإمام الرضا : "أنني لا آمر و لا أنهى و لا أفتي و لا أقضي و لا أولي و لا أعزل و لا أغير شيئا مما هو قائم فأجابه المأمون إلى ذلك كله".

 لماذا لم يوافق الإمام الرضا على ولاية العهد إلا بشروط محددة؟ حتما هناك أسباب كثيرة لدى الإمام ، ولكن بالتأكيد منها عدم إعطاء الشرعية للنظام الدكتاتوري الاستبدادي الظالم، وعدم السماح للنظام من استغلال وجود الإمام وتحميله أي مسؤولية في الحكومة الظالمة والفاسدة، والعمل على إرساء العدل.. حول ذلك يقول الإمام الرضا : "اللّهُمَّ لا عَهْدَ اِلاّ عَهْدُكَ وَ لا وِلايَةَ اِلاّ مِنْ قِبَلِكَ، فَوَفِّقْني لإقامَةِ دينِكَ وَ اِحْياءِ سُنَّةِ نَبِيِّك، فَاِنَّكَ اَنْتَ المَوْلى وَ النَّصيرُ، وَ نِعْمَ المَوْلى اَنْتَ وَ نِعْمَ النَّصير"ُ. إن الإمام علي ابن موسى الرضا أراد من خلال ذلك أن يقدم درسا ـ وبالذات للقيادات الشعبية القادمة ومنها الدينية ـ بعدم شرعية وصحة الدخول ومساعدة الحكومات الدكتاتورية الظالمة، ـ بدون اضطرار حقيقي، وبشرط عدم المشاركة في الظلم ـ مهما كانت التبريرات ولو كان ذلك عبر مناصب رفيعة، وان كان الشخص يملك الكفاءة، لان الحاكم غير العادل الذي يصل لكرسي الحكم بشكل غير شرعي وديمقراطي حقيقي وبدون تأييد الرعية لا ضمانة له، وانه سيستغل أي شخصية بما يخدم أهدافه ونظامه وسلطته. والحالة الوحيدة في التعامل تكون في حالة الإكراه والاضطرار والتعرض للأذى...، وبشرط عدم الظلم والمشاركة فيه، والعمل على رفع الأذى عن المظلومين، والعمل لفضح النظام الفاسد أمام الرعية بتقديم النموذج الأفضل في التعامل وخدمة المجتمع. وهذا لا يعني عدم إمكانية العمل مع الحكومات في المواقع التي تخدم الشعب، فهناك حالات تستدعي العمل مع الحكومات بشرط عدم الظلم، وتلك الحالات تعتمد على الحالة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية. وعلى المواطن مهما كان دينه ومذهبه وفكره، ومهما كان منصبه خارج الحكومة أو داخلها، أن يكون أداة تأثير بشكل ايجابي لخدمة عامة الناس والدفاع عن مصالح المظلومين والمستضعفين، وفضح النظام الفاسد، لا أداة ووسيلة بيد النظام!  وبلا شك إن الأئمة ومنهم الإمام الرضا يدعون الناس وبالخصوص شيعتهم ومحبيهم أن يكونوا دعاة إصلاح بإعمالهم لا بأقوالهم فقط، وبضرورة الدخول والمساهمة بالعمل في الحكومات العادلة القائمة على الديمقراطية الحقيقية - حسب المنهج الشرعي - وتمثل إرادة الشعب بشكل صحيح. وما أجمل أن نستفيد من مدرسة آل البيت وبالتحديد من مدرسة الإمام الرضا ومن تجربته الرائدة مع النظام الحاكم في الجانب السياسي التي تصادف هذه الأيام ذكرى وفاته وشهادته مسموما، على يد المأمون عبر الرمان المسموم. وقد لجأ المأمون للتخلص من الإمام بعد فشله الذريع من السيطرة على الإمام واستغلاله والحصول على دعم الامام لحكمه، وإنما الذي حدث هو العكس ازدادت شعبية الإمام لدى الشارع، والمزيد من الفضائح للنظام العباسي والحاكم الفاسد.السلام عليك أيها السلطان يا شمس الشموس، وأنيس النفوس، أيها المدفون بأرض طوس يا علي ابن موسى الرضا.

كاتب سعودي