عيد الله الأكبر
الأعياد هي عبارة عن مظهر رمزي لتعظيم حدث ما يؤدي في واقعه إلى اهتمام بثقافة ما لدى أمة من الأمم سواءً على مستوى ديانة أو طائفة أو دولة أو حتى على مستوى ضيق كأسرة وما شابه ذلك، فلكل أمة من الأمم أيام لها احترام وتقدير تعبر عن تعظيمها لتلك الثقافة، فلو تأملنا في التاريخ الغابر والحاضر لوجدنا كثيراً من الأعياد لدى الناس فعلى مستوى الديانات تجد النصارى لهم أعياد كعيد ميلاد المسيح عليه السلام واليهود لهم أعياد، المجوس، الهندوس... إلخ فتجد أبناء هذه الديانات يحترمون هذه الأعياد و يعظمونها ويفرحون فيها بل تجد لها طقوس خاصة يمارسونها حسب معتقداتهم، إن هذا التعظيم مثلاً لميلاد المسيح لدى النصارى يكرس لديهم (حسب عقيدتهم) حب الديانة المسيحية والولاء لها في كل عام ويتربى أبناؤهم عليها جيلاً بعد جيل.
إن هذه الأعياد بلا شك ترسخ لدى أبناء تلك الديانات مجموعة من المبادئ والقيم وتذكرهم بها بغض النظر عن وجهة نظرنا كمسلمين.
كما أن الديانات لها أعياد كذلك الدول فنجد أن لكل دولة عيد أو عدة أعياد خاص بتلك دون غيرها يسمى بالعيد الوطني أو اليوم الوطني بغض النظر عن التسمية ويكون هذا اليوم عبارة عن حدث تأسيس هذه الدولة أو تلك تعطل فيه أجهزة والدولة وكافة القطاعات، والهدف من ذلك أن يرسخوا الولاء للوطن والحكومة، وأن يتربى الأجيال على الولاء لأوطانهم، وهناك أعياد خاصة ببعض الأسر كعيد الزواج حيث يحتفل الزوجين بذكرى زواجهما لأنه اليوم الذي بسببه رزقا ذرية صالحة وأكملا فيه نصف الدين، وهكذا على مستوى دولي يوجد عيد الأم...إلخ.
لو تأملنا في الحقيقة إلى الهدف من جعل الأعياد سواءً على مستوى الديانات والدول وغيرها نجد أنها تهدف بالدرجة الأولى إلى تعظيم مبدأ أو مجموعة مبادئ في المآل، وتعظيم المبادئ والقيم يؤدي إلى العمل بمقتضى تلك المبادئ والقيم وتحولها لسلوك فردي و اجتماعي.
كذلك في ديننا الإسلامي الحنيف يوجد أعياد أربعة وهي الجمعة، عيد الفطر، عيد الأضحى ، عيد الغدير وقد اختص به شيعة أهل البيت من بين سائر المسلمين فقد روي أنه سئل الصادق هل للمسلمين عيد غير الجمعة و الأضحى و الفطر؟ قال نعم أعظمها حرمة قال الراوي وأي عيد هو؟
قال اليوم الذي نصب فيه رسول الله أمير المؤمنين وقال من كنت مولاه فعلى مولاه، وهو يوم الثامن عشر من ذي الحجة.(1)
لماذا عيد الغدير أعظم أعياد المسلمين حرمةً؟
للإجابة على هذا السؤال لننظر إلى هذا اليوم وما تم فيه و أهمية الأمر الذي وقع فيه حتى نعرف حرمة و ضرورة تعظيمه ولنتأمل مزايا هذا اليوم الشريف.
الرواية الآنفة الذكر تبين لنا ما ذا حصل في هذا اليوم إنه اليوم الذي نصب فيه الرسول علياً أمير المؤمنين خليفة له على المسلمين بأمر الله سبحانه وتعالى وبايعه فيه المسلمين الحاضرين في موقع غدير خم بين مكة والمدينة وقد نقلت رواية الغدير بشكل متواتر لدى رواة المسلمين باختلاف مذاهبهم منها ما رواه النسائي في خصائص أمير المؤمنين " أخبرنا محمد بن المثنى قال: حدثني يحيى بن حماد قال حدثنا أبو عوانة عن سليمان قال حدثنا حبيب بن أبي ثابت عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم قال لما رجع رسول الله من حجة الوداع ونزل غدير خم أم بدوحات فقممن ثم قال كأني قد دعيت فأجبت إني تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله وأهل بيتي فانظروا كيف تخلفوني فيهما فإنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض ثم قال إن الله مولاي وأنا ولي كل مؤمن ثم أخذ بيد علي فقال من كنت وليه فهذا وليه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه" (2).
وقد ورد حديث الغدير بألفاظ مختلفة لكن المضمون واحد وهو تنصيب أمير المؤمنين علي ولياً وخليفة للمؤمنين.
من مزايا عيد الغدير
1- هو يوم إكمال الدين بنص القرآن الحكيم فقد قال تعالى "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا " آية(3) سورة المائدة فقد أخرج العلامة ( الحنفي) موفق أحمد الخوارزمي في (مقتله) بسنده المذكور عن أبي سعيد الخدري إن النبي يوم دعا الناس إلى علي في غدير خم أمر بما كانت تحت الشجرة من شوك فقم وذلك يوم الخميس ثم دعا الناس إلى علي فأخذ بضبعه ثم رفعه حتى نظر الناس إلى بياض إبطيهما ، ثم لم يتفرقا حتى نزلت هذه الآية " اليوم أكملت..."(3).
لذلك فإن اليوم الذي أكمل فيه الدين عامة فإنه أعظم حرمة من اليوم الذي فيه يفطر الصائم أو يكمل فيه النسك بلا شك و إن كانت تلك الأيام في غاية الفضل والشرف.
2- يوم البيعة فقد بايع المسلمون في ذلك اليوم علياً بإمرة المؤمنين لذلك فإن إحياء هذا اليوم يكون فيه التأكيد على صحة ثبات شيعة أهل البيت في تمسكهم بولاية علي وأبناء المعصومين فهم يستندون إلى صحة مذهبهم بهذا اليوم العظيم.
3- يوم الإمامة حيث أن منصب الإمام هو منصب رباني يقول تعالى "﴿وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلآ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ﴾ (7) سورة الرعد وقال تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾ (67) سورة المائدة الرسول بلغ الرسالة وأتمها على أحسن وجه لكن ما فائدة كل ذلك دون أن يكون للأمة هاد وراع للرسالة يعلم محتواها ويوصلها لجميع الناس حسب عقولهم.
لذلك فإن منصب الإمامة باق لأهل البيت وإن لم يتقلدوا الخلافة بمعنى الحكم، وإحياء هذا اليوم فيه تأكيد على مبدأ الإمامة الذي يستمر ما استمرت الدنيا حتى يظهر الله سبحانه وتعالى القائم المهدي المنتظر صلوات الله وسلامه عليه ليطهر الأرض ويظهر الدين.
إن ما ذكر في من مزايا لهذا اليوم الشريف العظيم تجعله يتبوء المرتبة الأولى في أعياد المسلمين ففيه كمال الدين وتمام النعمة، بإحيائنا لهذا اليوم نربي أبناءنا على حب وولاء أمير المؤمنين و أبنائه الأئمة المعصومين ونرسخ في نفوسهم تلك القيم والمبادئ التي ضحوا بنفوسهم من أجلها، نعم في يوم الغدير أتم الرب سبحانه على العباد نعمته بالإمامة بعد النبوة وتابع لطفه فما أعظم نعمته علينا وما أجل فضله و أكبر جوده.
نسأل الله جل وعلا أن يثبتنا على ولاية أمير المؤمنين وذريته الميامين فإنها النعمة الكبرى والفضيلة العظمى، وأن يحشرنا معهم ويوردنا حوضهم ويسقينا بكأسه الأوفى شربة لا نظمأ بعدها أبداً وصلى الله وسلم على محمد وآله الطاهري.