المرجع المدرسي: اسماء الله الحسنى تجليات الله في القران الكريم ..
ملخص تفسیر بینات من القرآن ال?ریم لليوم الخامس من شهر رمضان المبارك 1431ه
دعا سماحة المرجع الديني اية الله العظمى السيد محمد تقي المدرسي الى الاستفادة من اسماء الله الحسنى كوسيلة الى معرفة الله سبحانه وتعالى ، جاء ذلك خلال تدبراته في الاية الخامسة من سورة الروم والتي يلقيها على المئات من علماء الدين وطلبة العلوم الدينية في ليالي شهر رمضان المبارك.
وابتدأ سماحته حديثه بذكر الحديث الشريف "ان الله تجلى للناس في كتابه ولكن الناس لا يبصرون"
وقال: من اهم تجليات القران هي اسماء الله الحسنى، ففي الاية الخامسة من هذه السورة يقول ربنا (بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم ) فنحاول ان نبين عدة نقاط ونجيب على عدة تساؤلات:
اولاً: ما هو معنى الإسم، وماذا يعني اسماء الله؟
ثانياً: نجد ان كثيرا من الايات القرانية تنتهي باسماء الله الحسنى فكيف نستفيد من هذه الايات ومن الامثلة التي جاءت فيها من جهة، ومن الاسماء الحسنى من جهة اخرى.
ثالثا: ربنا يأمرنا ان ندعوه باسمائه الحسنى، فكيف يمكن ان ندعوه بها حتى يستجيب لنا؟
- معنى اسماء الله
في الاجابة على السؤال الاول نقول ان اللغة العربية هي اساس اللغات وهي لغة الهية – كما حققنا ذلك في مكان اخر- وكل اللغات انما هي تشعبات منها، وهي لغة اهل الجنة – كما جاء في الرواية – .
لكن العرب حينما كانوا يعيشون في الصحراء لم يحتك الواحد منهم الا بالاجواء القاسية وما يتعلق بها من الرمال والجمال و... لذلك نجد ان العرب كانوا يعبّرون ويفسّرون الكثير من الكلمات عبر جمالهم وابلهم لأنهم كانوا في احتكاك دائم معها وهي كانت راحلتهم في السفر وطعامهم في الحضر، فكانوا يهتمون بها اشد الاهتمام.
ومما يفسرون به عبر جملهم وابلهم مفردة الإسم. ففي سابق العهد ولكي لا تختلط الإبل المملوكة لاشخاص مختلفين كانوا يسمونها اوسمة أي يجعلون لها علامة. فالوسم هو علامة خاصة لكل فرد يميز عن طريقها ما يملك من الدواب اذا اختلط بغيره. ومن هنا جاءت كلمة الـ(الإسم). كذلك اسماء البشر والحيوانات هي بمثابة علائم خاصة يميز به كل شخص عن الاخر وكل حيوان عن نظيره .فالأصل هو (وَسَم) انقلبت الواو همزة، فالإسم بمعنى العلامة ، فما هو معنى العلامة؟
العلامة هي ما ترشدنا الى حقيقة معينة، فعلائم المرور ترشدنا الى المكان المعين، وعلائم المرض ترشدنا الى حقيقة وجود المرض ونوعه. واذا تمعنا النظر في هذا الكون الرحيب نجد ان لكل ظاهرة ولكل حدث علامة بل علائم تدل عليه وترشدنا الى حقيقته.
اذا عرفنا ذلك نرجع الى السؤال الأساسي (ما هو معنى اسماء الله؟)
للاجابة على هذا السؤال نقول أن لله سبحانه آيات و اسماء. فآيات الله هي افعال الله ومخلوقاته التي تدلان عليه ، فالشمس والقمر والليل والنهار و... كلها ايات الله (ان في خلق السماوات والارض واختلاف الليل والنهار لايات لقوم يوقنون)
أما اسماء الله فهي صفات تدل عليها الايات، فالــ(رحمن) صفة تدل عليه ايات الخلقة كلها والــ(عزيز) صفة تشاهد في كل ذرة من ذرات الخلقة و ... وهي – اي اسماء الله – كثيرة بحيث ان الله يخاطب نبيه قائلا ( قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل ان تنفذ كلمات ربي)
اما صفات الله فهي حقائق خلق الله بها الخلائق، فاذا نظرنا الى الخلق فوجدنا فيه جلالا و عظمة، عرفنا ان الله جليل وعظيم. واذا وجدنا فيه القدرة عرفنا ان الله قادر مقتدر و... فبرحمته خلق الكون وبقدرته فطره.
لكن بعد الاسماء فلا تستطيع عقولنا ان تفهمه. فعلمنا بالاشياء لا يكون الا عبر الوسائط، فالرؤية مثلا معناها ان يسقط الضوء على الجبل ثم ينعكس الى العين فنرى الجبل.. كذلك اللمس والشم والتذوق، كلها معرفة عبر واسطة، نعرف الامور عبر هذه الوسائط بعلائمها و صفاتها، اما ان نعرف حقيقة الامور وجوهرها فذلك بحث اخر، فنحن عبر العين المجردة لا يمكننا ان نعرف حقيقة الجبل، وان عرفنا صفاته الا ان الحقيقة شيء والصفات شيء اخر .
وهذا هو بالنسبة الى الله سبحانه وتعالى ، فاعظم ما نصل اليه من درجات المعرفة ان نعرف اسماء الله. فاذن لله آيات تدل عليه وعلى صفاته وهي اسماء الله.
- النبي واهل بيته اسماء الله
و من جانب اخر فان الرسول صلى الله عليه وآله واهل بيته عليهم السلام هم اسماء الله الحسنى. فلا يختلف ان تقول (اللهم اني اسألك برحمتك التي وسعت كل شيء) او تقول (اللهم اني اسألك بنبيك نبي الرحمة) فالنبي تجلٍ للرحمة الالهية وهو القائل (انما انا رحمة مهداة) ولذلك في ليلة القدر ندعو الله باسمائه الحسنى – عبر دعاء الجوشن الكبير – و ندعوه بالمعصومين عليهم السلام، فالأمر واحد.
- صلة الايات القرانية باسماء الله
اما للاجابة على السؤال الثاني لابد ان نقول ان القران الكريم حينما يريد ان يبين حقيقة معينة، فغالبا ما يبينها عبر مثال و قصة تاريخية، وهو ما نسميه في اللغة العربية (اعطاء الحُكم بالمثال).. و اكثر ابحاث القران امثال ووقائع تنتهي ببيان الاحكام والحقائق. فمثلا في سورة الشمس نقرأ (قد افلح من زكاها و قد خاب من دساها) ثم لبيان هذه الحقيقة و توضيحها يضرب لنا مثالا تاريخيا – و ان لم يذكر ذلك – قائلا (كذبت ثمود بطغواها ، اذ انبعث اشقاها ، فقال لهم رسول الله ناقة الله و سقياها ، فكذبوه فعقروها فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها ، ولا يخاف عقباها) فلبيان حقيقة (خاب من دساها) ذكر قصة عاقر ناقة صالح وقومه كيف دمدم عليهم ربهم العذاب و انهاهم.
و في غالبية الايات القرانية يضرب لنا الله سبحانه وتعالى مثلا ثم يذكر اسماً من اسماء الله في نهاية الاية، فكأن الاية والمثال تطبيق عملي ومثال واقعي وحكم لهذا الاسم الالهي. و مما اعتقد ان علينا ان نقرأ الايات قرائتين، تارة من اولها الى آخرها و تارة من آخرها الى أولها.. لأن الاسماء الالهية هي الغاية – او كما يسميها الفلاسفة : العلة الغائية- من الاية وهي الاساس.
و كمثال على هذا الامر ذكر سماحته حادثة تاريخية وهي ان اعرابيا سمع قارئا يقرا الاية المباركة (و السارق و السارقة فاقطعو ايديهما..) و انهى الاية بقوله والله غفور رحيم. فاستنكر الاعرابي – و هو الذي لم يكن يعرف من القران شيئا- هذه القراءة على الرجل، ليستذكر القارئ ان نهاية الاية (والله عزيز حكيم) . فقال الاعرابي : نعم ، بعزته اخذها وبحكمته قطعها. فاسماء الله جاءت متناغمة مع الاحكام المذكورة في الاية.
ودعا سماحته الى التأمل في خواتيم الايات قائلا "فحينما نقرأ الايات لابد ان ننتبه الى نهايات الآيات، فمحتوى الايات يُلخص في نهاياتها و في اسماء الله الحسنى."
(بنصر الله ينصر من يشاء و الله عزيز رحيم)
فالعزة قوة يستخدمها صاحبها، فالله عزيز لأنه لا يسمح بخسارة المؤمنين وهزيمتهم. و هو رحيم لرحمته بالمؤمنين، ومن جانب اخر لرحمته بالكافرين ايضا، فيمهلهم قليلا لكي يتوبوا الى الله ويرجعوا الى ربهم. فالله وعد الظالمين (و سيعلم الذين ظلموا اي منقلب ينقلبون) لكن بعد فترة.
- وظيفتنا تجاه الأسماء الحسنى
لكن ما هي وظيفتنا تجاه اسماء الله الحسنى؟
اولا: يجب ان نؤمن بجيمع اسمائه الحسنى، فبني امية صرفوا الاموال الطائلة – من بيت مال المسلمين- لكي يحذفوا اعظم اية في القران الكريم وهي (بسم الله الرحمن الرحيم) فهم والكفار من قبلهم اشكلوا على صفة الرحمانية (واذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن) فهم يرون ان الله – سبحانه وتعالى عن ذلك – لا يمتلك الا البطش و القوة، وانه يضرب بيد من حديد كل من يعارضه ولا يرحم. وفي الحقيقة فعلوا ذلك ونفوا صفة الرحمة عن الله لكي لا يطالبهم احد – و هم الملوك الظالمون – بالرحمة. كذلك اليهود ايضا تصوروا الله بهذه الصفة. ومع الاسف الشديد فان هذه المؤامرة نجحت قليلا والى يومنا هذا فان قسما من المسلمين لا يقرؤون هذه الاية العظيمة. لذلك امرنا الائمة عليهم السلام بأن نجهر بهذه الاية، فيقول الامام العسكري عليه السلام ان من علائم المؤمن (الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم).
ثانياً: طريق معرفة الله اسماؤه و اياته
فاسماء الله طريق اليه فعبر الدعاء و عبر التأمل في فقراته لابد ان نجد صفات الله وجدانا.
وفي ختام حديثه دعا سماحته المؤمنين الى الدعاء والتضرع من اجل خلاص المؤمنين في كل ارجاء العالم وخصوصا المسلمين في العراق وفي باكستان وان ينجي ايضا شباب المؤمنين المنحرفين عن طريق الحق ويهديهم الى صراطه المستقيم بمنه وفضله