دين لا يخالط الحياة
قبل 8 أيام عدت من سفر تخلله توقف (ترانزيت) في دولة ماليزيا ذات الشعب الصديق والطبيعة الخلابة..
ذات مساء كنت أهم بالخروج من الفندق فسألني أحد الشباب الصوماليين الطيبين - وكان يعمل بالفندق - إلى أين؟ قلت له لشارع العرب سأتجول هناك واصلي المغرب في الجامع ثم أرى, فسألني إن كنت ارغب في صحبته لي، فهو سينتهي من عمله بعد ربع ساعة فقط, فأجبته بالإيجاب.
خرجنا سوياً وتمشينا، وحين أردنا الصلاة اتجهنا للجامع، وعلى باب الجامع شاهد رفيقي احد أصحابه هاماً بالخروج بعد أن انتهى من صلاته, فأمره أن ينتظر حتى نفرغ من الصلاة ليتحدث معه.
انتهينا من الصلاة وتوجه صاحبنا إلى رفيقه الذي كان يقرأ القرآن, ولمدة خمس دقائق كنت معهما وهما في كلام طيب وحنون, أين أصبحت؟ أين تتواجد؟ كيف أمورك؟ ما أخبارك؟ وهكذا.
حين خرجت مع رفيقي قلت له : ما عمل صديقك؟ قال خدمات سيّاح قلت له وما تقصد؟ قال كل شيء يريده السيّاح من وإلى, قلت له : أيعقل أن يقوم بذلك هذا المصلي الذي لم يفوت وقته منتظراً لنا بل اخذ يقرأ القرآن الكريم؟ قال بلى, ثم قال : اغلبنا نحن الشباب هنا من صوماليين وغير صوماليين ننتظر الموسم لنسترزق منه, وكل فينا يسترزق على طريقته, ثم قال لي, أنت اشتريت مني شريحة للجوال بما يعادل 9 ريالات, وقبل بيعك بساعة بعت مثلها تماماً لسائح كويتي بـ 35 ريالا.
قلت له وهل تستحل ذلك؟ فقال هذا موسم واغلبنا يحاول الحصول على قوت سنته بمساعدة هذه الأشهر الثلاثة.
قلت له ولكنك تصلي, فأجابني الصلاة شيء والعمل والكسب شيء آخر.
هذه القصة شبيهة لقصة أخرى نقلها لي احد الشيوخ الأعزاء يوم الأربعاء المنصرم, يقول سئلت عن احد العاملين معي في لجان القرآن الكريم، وكان نشطا ديناً, فقلت فيه لأهل الفتاة التي تقدم لخطبتها كل خير أعرفه عن ظاهره, لكن تصرّم الأيام لم يمهلني أكثر من أشهر معدودة حتى سمعت ما يشين ويندى له الجبين من سوء تعامله مع زوجته وإيذائه الشديد لها.
ترى كيف سيكون حالنا لو أخذنا صلاتنا معنا واستحضرناها في تفاصيل حياتنا؟ وكيف ستتحرك مشاعرنا وهواجسنا وحواسنا إذا تذكرنا قولنا في الصلاة ﴿ اهدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ ﴾.
الانفصال الحاصل بين عباداتنا وسلوكنا, بين ديننا وحركة حياتنا جعلنا نرى اغلب بلاد المسلمين بصورة غير حسنة, صورة مؤداها أنك ترى المسلمين ولا ترى الإسلام ترى هوية المسلم لكنك لا تتلمس سلوك الإسلام في حياته.
لنتأمل في تفاصيل حياتنا وتصرفاتنا ومواقفنا ولنسأل أنفسنا هل نحن في ذلك كله مسلمون مع أولادنا ومع عوائلنا ومع مجتمعنا ومع كل من وما له ربط وتأثر بسلوكنا أم أن الإسلام هو علاقة مثالية بين العبد وخالقه ولا انعكاس له على الحياة وعلى أرض الواقع.
أصبحنا بدين أو تدين لا يخالط الحياة ولا يتقاطع معها، ولا يوجهها، دين أو تدين مفصول عن كل شيء وعن كل زمن إلا لحظات العبادة بين الإنسان وربه، فأصبح إيماننا في واد وعملنا في واد آخر.