رجال حول السلاطين


إن أهم ما يواجهنا في حياتنا اليومية هو حاجة بعضنا لبعض فلا يوجد شخص لا يحتاج إلى الآخرين كائن من كان ولولا هذا الأمر لما أصبح التعايش مستمرا بيننا فقد تجبرنا الظروف في أي حال من الأحوال فيذهب المريض الى الطبيب والطالب الى المدرس وهكذا. وقد وردت روايات عن أهل بيت العصمة في قضاء حوائج الناس فقد روي عن الإمام الرضا أنّه قال :(أحرصوا على قضاء حوائج المؤمنين وإدخال السرور عليهم ,ودفع المكروه عنهم ,فإنه ليس شئ من الأعمال عند الله عز وجل بعد الفرائض ,أفضل من إدخال السرور على المؤمنين).وكذلك جعل الله تبارك وتعالى قضاء حوائج المؤمنين كفارة للعمل عند السلاطين أي أن هذا العمل بحد ذاته مكروه فالذي يضطر إلى العمل معهم ويريد التخلص من الكراهة عليه أن يقضي حوائج المؤمنين .قال الإمام الصادق :(كفارة عمل السلطان قضاء حوائج الإخوان).

وفي رواية يعطي الإمام الصادق القيمة المساوية لقضاء الحوائج حيث قال:(من قضى لأخيه المؤمن حاجة ,قضى الله له يوم القيامة مائة ألف حاجة ,من ذلك أولها الجنة ,ومن ذلك أن يدخل قرابته ومعارفه وإخوانه الجنة بعد أن لا يكونوا نصابا ).وفي الحديث أن الله تبارك وتعالى قد خلق خلقا ليقضوا حوائج المؤمنين ,ويثيبهم على ذلك الجنة .فقد روي عن الإمام الصادق أنه قال :(إن الله عز وجل خلق خلقا من خلقه إنتجبهم لقضاء حوائج فقراء شيعتنا ليثيبهم على ذلك الجنة ,فإن إستطعت أن تكون منهم فكن ,ثم قال :لنا والله رب نعبده لا نشرك به شيئا). وهذا الأمر ما أداه مؤمن آل فرعون الذي كان يكتم إيمانه،حيث كانت من مهامه حفظ حياة موسى  فقد كان يتظاهر بأنه من أتباع فرعون، لكنه كان يخبر موسى بما يجري في بلاطه ، وحينما همّ فرعون بقتل موسى   جاء هذا المؤمن وأخبره بذلك قال الله تعالى :(وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى قال يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين فخرج منها خائفا يترقبً) (القصص/20)، ولولا هذا الرجل المؤمن وكتمان إيمانه  لقتلوا موسى   ولم يستطع الهرب من قوم فرعون. ومن الرجال المؤمنين الذين كانوا يعملون مع السلاطين ومع الحكومات أحد رجالات الشيعة وهو يقطين كان في البداية من خصوم بني أمية، و يدعو الناس للثورة، وتعرّف من خلال ذلك على السفاح والمنصور العباسيين، ونشأت بينهم صداقة قوية. وبعد انتصار العباسيين تولّى يقطين مناصب مهمّةً في الدولة، وكان رجلاً مؤمناً صالحاً ، ينفق أمواله في وجوه البرّ والإحسان، كما كان عوناً للمؤمنين. وقد عيّنه المنصور قائماً بأعمال ديوانه. وكان ليقطين ابن اسمه علي، وكان كأبيه من خيرة أصحاب الإمام الكاظم ، يتردّد عليه في الخفاء، وبعد موت أبيه يقطين حلّ مكانه، ثم توصّل إلى الوزراة في قصر هارون الرشيد، وهارون لا يدري شيئاً عن ميوله.كان عليّ بن يقطين يؤدي خمس وزكاة أمواله إلى الإمام بصورةٍ سريةٍ، وفكّر مرة بترك عمله في قصر الرشيد، لكنّ الإمام أوصاه بالبقاء، ليكون عوناً للمؤمنين. كان الأئمة   يُشجعون أصحابهم ذوي الكفاءات من أجل أن يكون لهم دور في مساعدة الأمة لإصلاح ما يُمكن إصلاحه، وفي تخفيف الضغط على إخوانهم المؤمنين، يقول الإمام الكاظم   لعي بن يقطين: يا علي اضمن لي واحدة وأضمن لك ثلاث، إضمن لي أن لا يأتيك احد من موالينا في حاجة إلا قضيت حاجته، وأضمن لك أن لا يمس جسمك الحديد أبداً، ولا يدخل بيتك الفقر أبداً، ولا يظلك ظل سجن أبداً. وفي بحار الأنوار الجزء (72) من الطبعة الجديدة باب عنوانه: رفع الظلم عن المظلومين وإبلاغ حاجات المؤمنين إلى السلاطين، وهذه إحدى الروايات عن علي بن جعفر عن أخيه الإمام موسى بن جعفر قال: قال رسول الله :( أبلغوني حاجة من لا يستطيع إبلاغ حاجته فإنه من أبلغ سلطاناً حاجة من لا يستطيع إبلاغها ثبت الله قدميه على الصراط يوم القيامة) .وفي كتاب عقائد الشيعة للمظفر عنوان حول (عقيدتنا في الوظيفة في الدولة الظالمة )إذا كان معاونة الظالمين ولو بشق تمرة بل حب بقائهم ، من أشد ما حذر منه الأئمة   ، فما حال الاشتراك معهم في الحكم والدخول في وظائفهم وولاياتهم ، بل ما حال من يكون من جملة المؤسسين لدولتهم ، أو من كان من أركان سلطانهم والمنغمسين في تشييد حكمهم. وأكبر مثال على ذلك في تصوير حرمة معاونة الظالمين حديث صفوان الجمال مع الإمام موسى الكاظم   ، وقد كان من شيعته ورواة حديثه الموثقين قال - حسب رواية الكشي في رجاله بترجمة صفوان : دخلت عليه . فقال لي : يا صفوان كل شئ منك حسن جميل ، خلا شيئا واحدا قلت : جعلت فداك ! أي شئ ؟ قال : أكراك(ذاهِباً وجائِياً )جمالك من هذا الرجل " يعني هارون " . قلت : والله ما أكريته أشرا ولا بطرا ، ولا للصيد ، ولا للهو ، ولكن أكريته لهذا الطريق " يعني طريق مكة " ولا أتولاه بنفسي ولكن أبعث معه غلماني . قال : يا صفوان أيقع كراك عليهم ؟ قلت : نعم جعلت فداك . قال : أتحب بقاءهم حتى يخرج كراك ؟ قلت : نعم . قال : فمن أحب بقاءهم فهو منهم ، ومن كان منهم فهو كان ورد النار . قال صفوان : فذهبت وبعت جمالي عن آخرها . فإذا كان نفس حب حياة الظالمين وبقائهم بهذه المنزلة ، فكيف بمن يستعينون بهم على الظلم أو يؤيدهم في الجور ، وكيف حال من يدخل في زمرتهم أو يعمل بأعمالهم أو يواكب قافلتهم أو يأتمر بأمرهم ؟

إن بعض الأشخاص يتأفف من لجوء الناس إليهم لقضاء حوائجهم خاصة إذا كان ذا وجاهة أو سعة من المال أومنصب. ولا يدري أن هذا خير جلبه الله له للحصول على مرتبة في الدنيا أو لدفع قضاء مقدر عليه, فيهمشه أو يهمله ويضيع عليه فرصة كبيرة .فينبغي على كل رجالات الشيعة ذوو المناصب الرفيعة مساعدة إخوانهم الشيعة وعدم الخوف واستغلال المنصب الذي حصل عليه ويثق بنفسه ويتوكل على الله ولا يستصغر نفسه وأن يعمل جاهدا في مساعدة إخوانه المؤمنين و يعلم أن أجره لن يضيع أبدا ولكن في مثل هذه الأيام تتم المساعدة بأجر مادي والقليل الذي يثق بالله وينتظر أجره منه .قال تعالى : ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ الزلزلة(8,7).اللهم صلى على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين.