دعونا نختلف بمحبة.. يرحمكم الله


عندما نشرت مقالة: «البشوات والتقوى وابن اللبون»، كنت أتوقع أن تُثير جدلاً بدرجة ما. ولم يدر بخلدي أنها ستولّد مقالات وتعليقات تصفعها صفعًا، وتركلها ركلاً؛ لكتّاب ومثقفين يعيشون بين ظهرانينا. إضافة لمقالات وتعقيبات عديدة، في أكثر من شبكة إخبارية، لخفافيش لا يظهرون؛ إلاّ في العتمة. وقد نلتمس لهؤلاء العذر؛ لأنهم ربما لا يملكون الجرأة على طرح آرائهم بشجاعة، إلاّ أن يتحصنوا من وراء أقنعة، تخفي ضعفهم! لذا لا أهتم كثيرًا، لمن يمارس سلوك الخفافيش، بينما أهتم، بالآراء والكتابات التي تصلني من أحبة، قد أختلف معهم في بعض التفاصيل. لذا قلت للبعض: تكلّم كي أراك؛ فتكلموا يرحمكم الله. وباعتبار أن «المؤمن مرآة المؤمن»، فأنا أحب أن أطلّع على وجهات النظر الأخرى، وإن وجدت رؤية حسنة احتضنتها، كما يحتضن العاشق معشوقته وأكثر.

أسوق هذه المقدمة تمهيدًا، لجملة من النقاط التي أودُّ أن أسردها للأحبة، وهي على النحو التالي:

  • لا أخشى النقد:

عندما قرأت بعض الكتابات الغاضبة، اكتفيت بابتسامة هادئة، فللجميع أن يدلي بدلوه، في مسألة تخصنا جميعًا، إلا أنني وجدت الكثير من الردود يغلب عليها الانفعال والصراخ، فهذا الأخ العزيز الكاتب محمد حسن العبد الكريم يقول في مقالة «حسن حمادة وابن اللبون»، التي نشرتها له بعض الشبكات: «احترم نفسك يا استاذ حسن واحترم ابناء مجتمعك عندما تخاطب علماء ومشائخ البلد فمن أنت حتى تتهمهم باللا عقلانية واتباع سيء القول»؟ هكذا كتب! وقلت له معقبًا: «أخي العزيز الأستاذ محمد حسن العبد الكريم.. قرأت مقالتك، وأشكرك كثيراً.. لدّي كتاب سيصدر قريباً به بعض المقالات، وسأضع مقالتك ضمنه، بعد طلب الأذن منك.. دمت بخير ومحبة». إلاّ إنه رفض نشر المقالة في الكتاب، واحترمت وجهة نظره! واقترح أحد المعلقين وضحكته ملء شدقيه تغيير عنوان مقالة: «حسن حمادة.. بين نيل التقوى والسعادة»، لكاتبها: حسن حبيب؛ لتصبح: «حسن حمادة جاب الشهادة أبوه يحبه أمه زيادة»، وقد أصاب بكلامه كبد الحقيقة، جزاه الله خيرًا.

فَمِمَّ أخشى؟ فالناس تقرأ مقالتي وما كُتب حولها نقدًا وتأييدًا، ولها أن تحكم.

  • أرفض تسقيط الرموز وأطالب العلماء بالتقوى:

 لذا قلت في مقالتي البشتوية مخاطبًا المعمَّمين: «اتقوا الله في أنفسكم، وفي وحدة مجتمعكم. فنحن نؤيد بقوة أن يكون في الساحة أكثر من صوت، ونترقب تبعًا لذلك بيانات تجمعنا وتحيلنا كالجسد الواحد؛ لتعقبها مشاريع جادة تتباين في طريقة تنفيذها. ولكننا، لا نرتضي ممن يتحدثون على أعواد المنابر بلغة الورع والتقوى: قولاً وعملاً، في حين نراهم يتسابقون في كرنفال التخوين وكيل التهم الفارغة للخصوم».

فإن كان ولا بد من إصدار البيانات؛ فلتكن بيانات جامعة تجمعنا. ولا نريد بيانات تحيلنا كدقيق نُشِرَ في يومٍ عاصف، فليس بمقدور أحد أن يجمعنا حينئذٍ.

وعندما أقول لشخص: اتقِ الله، فلا يعني ذلك أنه متملص من التقوى، ولا يوجد من هو فوق أن يقال له: اتقِ الله؛ إلاّ أن يكون جبارًا أو معتوهًا. فهذا شيخهم عبد الملك بن مروان يقول مخاطبًا المسلمين: «من قال لي اتقِ الله ضربت عنقه»! ويبدو أن البعض يودُّ أن يسير على خُطاه!!

أخال إن الإخوة الذي أخذتهم الحميّة قد قرؤوا في القرآن الكريم قول الحق سبحانه وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ[التوبة:119]، والمؤمن هو الأولى بهذا الخطاب، والمعمَّم يدخل ضمن هذه الدائرة.. أليس كذلك؟

وها هو الإمام علي يقول: «ليس أحدًا يتوق أن يقال له اتق الله». والمعمَّم التقي -والمجتمع الواعي- يتقبل الموعظة برحابة صدر، ولا يقول لمن طالبه بالتقوى: من أنت، لتنصح العلماء؟ فهم ينصحوننا، ونحن ننصحهم، ولكل منّا دوره. فـ«كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته»، كما روي عن نبينا الأكرم .  
ولا أخفي أنني سررت سرورًا عظيمًا حينما قرأت في إحدى الشبكات الإخبارية خبرًا بعنوان: «آل حمادة يطالب أصحاب بيان الـ 52 بأن يتقوا الله»، فحمدت الله على ذلك! وقلت: هذا ما نريد بالفعل، وأكرِّرها مجددًا: اتقوا الله، يرحمكم الله.

  • لست وكيلاً عن الشيخ الصفّار أو غيره:

 حاول البعض أن يوهم الناس بأن كتاباتي جاءت وفق توجيهات من الشيخ حسن الصفّار، ولهؤلاء أقول: أنتم واهمون. فأنا وإن كنت مُحِبًّا لهذا الرجل؛ إلاّ أني قد أختلف معه في بعض التفاصيل كما اختلف مع أي رمز من رموز الساحة، ولا أجد نفسي -كما يحاول البعض بسذاجة- مضطرًا أن أُظهر اختلافي مع الشيخ بشتمه، أو التقليل من شأنه، أو نهشه في مجالس التعميرة والمعسل العلمائية! فهو صاحب مشروع، له ما له، وعليه ما عليه، والساحة مفتوحة لكل المشاريع، ولكننا نريد من يعمل، لا من يشتم.

 وبقول صريح: أناشد الأحبة من هذا المنبر، لكي يتحملوا مسؤولياتهم في الدفاع عن حقوق الطائفة -وما أكثرها- وتبني مشاريع جادة ترتقي بواقعنا، بدلاً من أن يكون همّ البعض عرقلة جهود الآخرين.. فحينما اتخذ الصفار خيار العودة للوطن انتقدته معظم القيادات وأتباعها الحركيون -ولعلّي كنت ممن انتقد المشروع في بداياته؛ فالنفس الثوري لا يزال يلتهب في صدورنا حينذاك- والغالبية الآن تنام في العسل، ولم نجد لها فاعلية أو دور، إلا التباكي على الحقوق المصادرة.

  فما هي مشاريع الإخوة الذين يختلفون مع الشيخ الصفّار من كل التيارات الموجودة في الساحة؟

 دائمًا يُثير البعض السؤال التالي: ماذا استفدنا من مشروع الصفّار، ومتى سيحقق نتائجه الملموسة؟ أليس هذا هو نفس منطق: ﴿‏فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاَ إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ[المائدة:24]؟

 ولماذا التعويل على مشروع الشيخ الصفّار؟ فأنتم لها ونحن بانتظار ما تجود به عقولكم ومشاريعكم ، ﴿قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِه[الإسراء:83].

 وفيما يخصُّ زيارة الشيخ سعد البريك للشيخ الصفّار، فأمرها، إن كنّا منصفين، لا يُقارن بتكريم القاضيين، فتكريم الجلَّاد أمرٌ نرفضه، جملة وتفصيلاً، لذا قلت في المقالة البشتوية: «فالعمامة مسؤولية عظيمة، ومطلوب من أصحابها أن يكونوا أكثر وعيًا ورشدًا، وكنّا نترقب منهم أن يمدوا أيديهم لينتشلوا من سقط في الوحل». فقد وصفت تكريم القضاة بالوحل، وهي عبارة واضحة الدلالة.

وفي الوقت الذي رفضنا فيه عملية الاستعراض الدعوية التي قام بها الشيخ البريك لمحاضرته التي أرادها تبشيرية في القطيف.. ولكن، نقول: لم يكن من الصواب محاولة خلط الأوراق، بين مسألة تكريم القضاة وزيارة الداعية السلفي للشيخ للصفّار، ومن تسنى له أن يطلِّع على ما دار من نقاش بين البريك ومن حضر من المشايخ والوجهاء يعلم أن الوليمة، لم تكن لتقديم تنازل عقدي أو مذهبي، وهو الإسفين الذي يدق عليه البعض بطريقة مفضوحة.

ولكيلا يُهرِّج علينا البعض ويقول أنتم ضد النقد، فأقول مكررًا: نعم للنقد الهادف، لا لعملية التسقيط القذرة، لأيِّ رمز من الرموز.. فنحن ضد كل هذا التهريج الذي ينشر ضد العلماء والنخب، ولم نرتضِ يومًا ما نُشر من إساءات لكل الرموز، بغير استثناء. ولقد أوصلنا صوتنا مرارًا وتكرارًا للمعنيين.

 لذا ليس من الصحيح أن أُحاسب –ككاتب ينشد نثر بدور المحبة- على ما نُشر في الشبكات من إساءات للرموز، فقد سقط في هذا الوحل الأكثرون، والمسؤولية تقتضي أن يُنتشل من سقط منهم. والمعني بالمحاسبة من مشى ولا يزال في هذا المستنقع! وسقوط البعض، لا ينبغي أن يدفعك للسقوط مجددًا، لترتكب الخطيئة نفسها!!

  • أستنير بتوجيهات الولي الفقيه.. ما المشكلة؟

 من باب أن الحكمة ضالة المؤمن؛ فأنا أُحاول الانفتاح على الطيف المؤمن وغيره! لذا أجد في توجيهات العلماء والكُتَّاب خير معين، وممن استفدت من فكره بدرجة ما، الإمام السيد علي الخامنئي، لذا قلت في المقالة البشتوية: «ومما يبعث على الأسف أن نجد واقع الجماعات الدينية، وهي تكتوي بنار التناحر والقطيعة والفرقة! فيما نجدها تجتمع أسبوعًا تحت عنوان «أسبوع الوحدة الإسلامية»، في كرنفال أشبه بأسبوع الشجرة برتابته المعتادة! فيا للعجب!. فهل مطلوب منّا أن ننهش بعضنا بعضًا طيلة عام كامل! ثم بقدرة قادر نُزَيِّنُ مساجدنا وحسينياتنا بشعارات الوحدة امتثالاً لأمر (الولي الفقيه)؟ فهل نفهم الوحدة الإسلامية على أنها (إستراتيجية) أم (تكتيك)؟ وأي وحدة هذه التي لا تجمعنا مع من سبحنا معه في (رحم) مجتمع واحد»؟

وعبارتي واضحة، كما أتصوّر، فهي تستنهض الجموع المؤمنة، لكي تعيش ثقافة وسلوك الوحدة مع أبناء المجتمع الشيعي الواحد بدرجة أولى، ومع الكل بدرجة ثانية، وهذا المعنى الذي غفل عنه الصديق العزيز الأستاذ أحمد قاسم آل بزرون في رده على مقالتي، فذهب بها عريضة وقال: «فالوحدة الإسلامية -خلاف ما تصوره الأستاذ حسن- تعني: الوحدة في المشتركات مع احترام سائر المعتقدات الخاصة لكل طرف من الأطراف من دون تلازم بين الوحدة والتنازل عن أي جهة من المبادئ والمعتقدات والثوابت فلا معنى لاعتراضه بأسلوبه المنفعل وطريقته التهكمية على من يتبنى مشروع الوحدة الإسلامية والتوقيع في البيان ضد الحدثين الأخيرين المتطاولين على مشاعر ومبادئ وقيم المجتمع بكل أطيافه المختلفة وفعالياته المتنوعة».

ولا أدري كيف فهم الصديق آل بزرون إن تأكيدنا على مسألة الوحدة الإسلامية، تعني تقديم التنازلات؟

ولا أدري لماذا توهّم البعض من مقاربتنا لرتابة أسبوع الشجرة برتابة أسبوع الوحدة فكرة السخرية أو الاستهزاء؟ فالهدف من ذلك تأكيد الحاجة للعمل الحقيقي الجاد، لا البهرجة الشكلية، كما هو حاصل الآن.

ختامًا أقول للجميع: لا تقبلوا لأنفسكم ممارسة دور من ينفخ نار الفتنة، وأخص بقولي هذا المناضلين القُدامى؛ فدعونا نختلف بمحبة، يرحمكم الله.

 

كاتب ومؤلف ( القطيف )