يا بني اخرج معنا (2)
أتمنى أحيانا لو أن أبنائي لم يشاركوني خروجي وتفسحي يوم الجمعة، فغالبا ما يسرعون بي للعودة إلى المنزل مرة أخرى وهم متبرمون (زهقنا، مللنا، طفشنا) إلى آخر كلماتهم التي تحرمني الاستمتاع والسعادة.
أسألهم : حين تعودون للمنزل ماذا ستصنعون؟ أليس الملل هناك أكثر؟ فيجيبوني : سنتصل بالنت ونتسلى ونلعب وسنشاهد التلفاز.
لا تختلف كلمات الأب المتبرمة عن كلمات ابن الثلاثة عشر ربيعا، الذي يصرح أنه لا يحب الذهاب مع والديه إلى البحرين، لأن مشوارهما ممل للغاية، إنهما يذهبان للمطعم ووجهتهما الأخرى هي (مركز جيان) للتسوق، ثم نعود أدراجنا للمنزل، وليس في ذلك أي متعة لي على الإطلاق.
نحن كآباء غالبا ما نخطط لخروجنا أيام العطل الأسبوعية، ولا نأخذ بعين الاعتبار رأي أولادنا في مشوار الخروج، نعم نقول اننا نُخرج أولادنا للتنزه وتغيير الروتين لكن جزءا آخر من الحقيقة هو أننا نرسم مخططا لخروجنا وليس خروجهم، وبين أذواقنا وأذواقهم بون شاسع.
أحيانا يكون المكان لا يناسبهم كما هي شكوى أحد الآباء الذي يعتب على أولاده لعدم مرافقته أسبوعيا للمقهى (كوفي شوب) للاستمتاع بالكوفي أو الشاي أو الآيس كريم.
وأحيانا يكون العيب في الخطة وبرنامج قضاء الوقت في ذلك المكان، لاحظ وأنت في حديقة عامة، أو على الساحل كيف يكون ولدك لابدا متململا وهو برفقتك ورفقة العائلة، يعد الدقائق على مضض منتظرا انتهاء الرحلة والعودة للمنزل، بينما يكون الأولاد الذين في عمره وقد جاءوا كأصدقاء مع بعضهم منشغلين باللعب والتسلية والضحك والمتعة، إنه الفرق بين عالم الآباء الذي تميل برامجه للهدوء والسكون والاسترخاء، وبين عالم الأبناء الممتلئ بالضجيج واللعب والحيوية.
رحلات الآباء غالبا ما تكون خالية من البرامج الترفيهية التي يحبها الأبناء، ومع ذلك يتصاعد عتبهم ويزداد بسبب نفور الأبناء منهم.
الآباء يتذرعون بأن صحبة الولد لوالديه هي من الإحسان والبر بهما ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾، وينظرون إلى نفورهم باعتباره تغيرا في أخلاق الجيل وسلوكياته تجاه والديه، بينما لسان حال الأبناء يقول : ارحمونا أيها الآباء فبعض برامجكم وتسليتكم ورفاهكم هي خنق لأنفاسنا، وسجن كبير لحيويتنا ومرحنا، واغتيال لسني صبانا ولعبنا.
هنا لا بد من التوفيق والمصالحة والتنازل من الطرفين أو أحدهما، ولكن أيهما أكبر عقلا كي يتنازل للآخر الآباء أم الأبناء؟ وأيهما أكثر إدراكا لضرورة التقارب والمصلحة المترتبة عليه الآباء أم الأبناء؟ وأيهما ينظر لخطر التباعد والتنافر بعين فاحصة ويقظة؟
لا شك أن الآباء هم الأوعى والأشد حرصا وتمسكا بأبنائهم، وقد سمعت من أحد الآباء كلاما جميلا مفاده، إنني لا أستطيع اللعب مع أولادي كما يريدون لكني بدأت أتصل بأقاربهم القريبين من أعمارهم وأدعوهم للتلاقي في مكان ما (على الكورنيش مثلا) وأحيانا أضطر للمرور بسيارتي على بعضهم ثم أتركهم يلعبون وأنا أشجعهم.
المبدأ هو أن نصر على التفاعل بيننا وبين أولادنا، أما كيف؟ فيمكن لكل واحد منا أن يفكر في الطريقة الأفضل.
ولنا في تعاليم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم نور وهداية فقد ورد عنه قوله : ((من كان له صبي فليتصاب له))، نعم لينزل وليتنازل وليحاول التوافق والانسجام معه في الترفيه واللعب واختيار مكان السياحة، وبرنامج السياحة، كل ذلك كي يبقى الأبناء برفقة الآباء دون نفور أو تبرم.