إغواء قصصي: "زوجة أخرى" لآل حمادة أنموذجاً
أكيد أن القصص تحتاج إلى القرّاء، ومن يتجرأ على قراءة قصة "زوجة أخرى" عليه أن لا يكون لديه أي حساسية ضد الفانتازيا الأدبية، ثم إن كل قصة تطلب قارئاً خاصاً، لأنه ليس كل ما يقرأ يفهم، وتبقى القصة ذلك الأسلوب الأدبي الرائع الذي يترجم الثقافات ويعرض الأحداث ويفصح عن الألغاز من خلال اللغة الناطقة عن الذات والحياة.
القصة لا تحتاج لجواز سفر أو تأشيرة حتى تدخل الدول، إنها كينونة إنسانية عابرة للمحظور فاتحة للمغلق، معبرة عن الواقع خارج حدود المقدس والمدنس، الخيال فيها ثورة على السجان، فقراتها مربكة للاستبداد، مثيرة للعقول، كانت و لا تزال القصة أسلوباً أدبياً ممتعاً يجمع بين ألوان الأدب، يستوحي من الفلسفة والدين والسياسة والجد والهزل والحكمة والغباء والماضي والحاضر، ويؤثث كلماته بالطبيعة والهوى والوجدان والمال والجاه، في القصة تنتعش المخيلة وتنفتح السريرة وتثار البديهة، لكن ليست كل قصة بهذا الوزن المفعم بالمتناقضات، هناك القصة الهادفة وأخرى مهلكة وثالثة واهية، ثلاثية فيها أفكار حية قاتلة وميتة، حيث قد تكون القصة مزيج من دم الحزن وماء الفرح وكآبة الظلم وربيع العدل، هي بيت من الكلمات والمعاني والمشاعر والتصورات ليولد ضمير القارئ أو يقتل أو يبقى ميتاً، هي الحياة في أدق صورها اختزالاً.
ثم إن القصة إبداع لإنسان عانق الطبيعة، عشق الحياة، تابع المجهول سأل عن المغزى، إنه القاص المهووس
بكثرة الأحداث، الخارج عن الأنظمة، الهارب من الفوضى بقلمه، متوجه لأداء نشاط استثنائي أدبي، زئبقي لا تثبت إدانته للجلاد السياسي أو الرقيب الثقافي ولا تعيقه فتوى المستبد، إنه الإنسان النازع للحرية في كل أبعادها من خلال المزج بين الأزمنة الثلاثة وبين الحق والباطل في جل تمظهراته الرمزية والافتراضية والواقعية والتاريخية، ويستمر القاص، يسقي الحياة بنمنمات أدبية تعطي الفكر والوجدان إرهاصات ذات روعة خاصة...
هذه السطور جاءت تفاعلاً مع آخر قصة قرأتها، عنوانهاً "زوجة أخرى"، للكاتب والإعلامي السعودي الأستاذ حسن آل حمادة، الصادرة مؤخراً عن مؤسسة البلاغ ببيروت، حيث منذ بدأت قراءتها ولجت في آفاقها الخاصة، وشدتني نصوصها المتنقلة بين مراحل الإنسان من الطفولة إلى المراهقة وصولاً للأبوة حتى لا أقول الكهولة، ممزوجة بنكهات الواقع المر وصور الماضي البسيطة وحاجات المستقبل المطلوبة، والرومانسيات التي تبدعها المرأة، ثم فيها هموم العرب والمسلمين ونكهة السياسة النتنة وعطر الثقافة المزيف ومرهم الفساد المستشري في أرجائنا، لقد استطاعت أن تختزل الأحداث المهمة في واقعنا بتعبير البطيخة الثملة، حيث بدأت بوسيم المتعطش للثقافة وعبرت عبر وسوسة الشيطان ومحنة الحب وحساسية الرقيب، حتى وصلت للكاتب والناصح والواعظ والشاعرة الشقراء؛ لتختصر لعبة البكاء في دموع طفلته وسليم والمجروحة تحت وقع صفعة المعلم، باعثة الصخب بصرخة الطفل ونحنحة الخطيب وازدواجية الأستاذ، ثم تنتهي أسئلة الضياع، وتسقط الألقاب المجانية، لتجانب المستنقع، وتثبت براءة المتهم، وينتهي درس الحرية مع بحث الأم عن زوجة أخرى لإبنها البار، ويستمر صدى الغوغاء قي قبال معادلة القمر يتكون، بِسِرْ المسمار وحكمة قصة "بتول" الفراشة تأكل الفيل.
بصراحة: نصوص قصة الأستاذ آل حمادة تتحدث عن مشاعر القلق والحب والحرية والحياة، تستند لحقائق حية تعبر عن سيرة ذاتية زاخرة بالمتناقض، لأن "زوجة أخرى" ليست جزيرة من السعادة الخالصة وإنما تقع وسط تيار من التغيرات... لا أحرم القارئ (ة) الكريم (ة) حظ الإطلالة على قصة "زوجة أخرى"، ليودع الببغاء المسالم في الزمن العنيف بعبارة: "خذني إليك... إن الحب نور وهلك من ليس له حبيب يرشده، إلى أن من ملك استأثر".. تحية طيبة لأخي المخلص حسن وتبقى زوجة واحدة كافية إذا تفوقت في الكتابة وكانت شاعرة شقراء وبجمال ناريمان ولم يضحك زوجها عليها في سره... والله من وراء القصد.