في ذكرى آية الأمل

الشيرازي قدّم أفكاره بأسلوب السهل الممتنع

شبكة مزن الثقافية علي حسين

بذل آية الله السيد محمد رضا الشيرازي ما بوسعه من أجل الموازنة بين ثنائية اليأس والأمل لدى الإنسان  جُبل الإنسان منذ نشأته على التطلع إلى ما هو أفضل وفقا للكينونة التي تتشكل منها شخصيته، وقد تولّد عن هذه التطلعات الفردية والجمعية أنواع شتى من الصراعات التي قد تصل إلى الحروب الطاحنة أحيانا، كما ينبئنا التاريخ بذلك.

 من هنا كان لابد أن تكون هناك ضوابط شرعية وعرفية ووضعية لمراقبة سلوك الإنسان من اجل الحد من التجاوز على حقوق الغير استنادا الى الطبيعة الدافعة للإنسان نحو التملّك وسواه من الصفات والغرائز التي تقف وراءها سمتان أساسيتان هما (اليأس والأمل).

وقد بذل آية الله السيد محمد رضا الشيرازي (رحمه الله) ما بوسعه في هذا المجال، فوظف جل أفكاره في بحوثه ومحاضراته القيّمة من أجل الموازنة بين ثنائية اليأس والأمل، بحيث لا يصل اليأس بالإنسان الى حد العزلة والتوقف عن الانتاج المادي والمعنوي ولا يدفعه الأمل لكي ينسى حقوق الآخرين عليه فيذهب بعيدا في طمعه وتطلعاته.

إن الفقيه الشيرازي يحذرنا بقوة من اليأس بل ويطالبنا دائما أن لا نقطع الأمل بالله تعالى أبدا ويأتي لقرائه ومستمعيه بعشرات الأمثال التي تهدف إلى تعميق إيمان الإنسان وتطويره والسمو به إلى أعلى المراتب والدرجات، فقد ورد في كثير من طروحات الفقيه المقدس أن الإنسان يجب أن لا ييأس من رحمة الله حتى لو كان في أشد المواقف صعوبة، بل وقد أكد بأن الأحاديث الصحيحة والمتفق عليها تؤكد أن الإنسان ينبغي أن لا يقطع الأمل بالله تعالى حتى لو كان في جهنم نفسها.

ولعل الهدف من هذا التركيز المتواصل على وجوب ديمومة الأمل لدى الإنسان هو القضاء كليا على مطاوي اليأس التي قد تلم بالمؤمن أحيانا فتذهب به إلى الجانب المظلم من الحياة وتدفع به إلى العزلة القاتلة واليأس التام فيتحول بذلك إلى عبء على نفسه وعلى غيره أيضا بدلا من أن يكون عنصرا فاعلا ومنتجا بما يقدم العون والمساعدة للنفس وللآخرين في آن واحد.

كما أن الموازنة بين الأمل واليأس ينبغي أن تكون حاضرة ومتحكمة في سلوك الإنسان حيث تؤكد بحوث الفقيه الشيرازي ومحاضراته القيّمة على عدم الإيغال في كلا الطرفين واعتماد مبدأ الاعتدال، وعدم الخلط بين الأمل بالله تعالى والأمل بالإنسان العادي بمعنى ينبغي أن لا يكون أملك بالشخص الفلاني صاحب النفوذ والجاه والمال وما شابه، لأن الإنسان مهما علا نفوذه وكثرت أمواله وثروته وتضخّم جاهه يبقى تحت القدرة الإلهية لأنها هي التي هيّأت له مستلزمات ومتطلبات الغنى والنفوذ وما شابه.

أي أن مصدر جميع القوى والامتيازات هو الله تعالى فلا ينبغي للمؤمن أن ينساق وراء أوهامه أو تطلعاته التي تجعل من الإنسان العادي معتمده ورجاءه بسبب حصوله على النفوذ والقوة والمال وما شابه، إذ قد يظن بعضهم أحيانا بأن الشخص الفلاني هو الذي يتفضل عليه بالرزق والنعيم والجاه الاجتماعي وما شابه لكن هذا التصور خاطئ، بل هو خلط خطير وغير صحيح بين القدرات الإلهية غير المحدودة وبين قدرات الإنسان المحدودة مهما كانت واسعة وكبيرة ومتنوعة، لأنها دائما تبقى تحت القدرة الإلهية اللامحدودة.

فحتى الحكام الجبابرة الذين أعماهم الأمل الطاغي وسلب منهم الرؤية المتوازنة هم تحت قدرة الله تعالى، لهذا لا يمكن أن يكونوا مصدرا للقوة والجاه لأن الأساس يكمن في القدرة الإلهية، لهذا يؤكد الفقيه الشيرازي أهمية أن يعي الانسان بأن مصدر جميع القدرات البشرية هو الله تعالى، ويحث الجميع على عدم الارتكان والخضوع إلى اليأس قط.

لأن الإنسان اليائس يفقد إيمانه في الغالب وهذه هي أخطر درجات اليأس إذ يؤكد (رحمه الله) بأن اليأس

هكذا يكون العلماء
هكذا يكون العلماء

قد ينتهي بالإنسان إلى سلسلة من الذنوب يكون في غنى عنها في حالة تمسكه بالأمل بالله تعالى ورسوله وآل بيته الأطهار عليهم السلام.

ومن الواضح أشد الوضوح أن الفقيه الشيرازي يقدّم أفكاره في بحوثه ومحاضراته بأسلوب السهل الممتنع، بمعنى أنه يقدم هذه الأفكار بأساليب وصيغ مبسطة وبالغة الوضوح لكي يستوعبها الناس جميعا بغض النظر عن مستوياتهم الفكرية، فتصل بذلك إلى جميع العقول ويستفيد منها الجميع أيضا.

وبهذا يكون الأمل بالله تعالى سمة من سمات الإنسان الناجح كما أن نبذ اليأس والابتعاد عنه سمة أخرى من سمات النجاح أيضا، لهذا كان تركيزه في هذا المجال كبيرا وواضحا من أجل خدمة المسلمين وتعميق وعيهم وقدرتهم على التعامل الصحيح مع ثنائية اليأس والأمل.

  • تقرير

في صبيحة 26يوم جمادى الأولى من سنة 1429 هجرية الموافق 1/6/2008، فجعت الأمة الإسلامية بانتقال آية الله السيد محمد رضا الحسيني الشيرازي (رضوان الله عليه) في قم المقدسة إلى رحمة الله تعالى على اثر نوبة قلبية. تاركا خلفه تراثاً ضخما من محاضرات علمية وأخلاقية عديدة تبث عبر شاشة عدد من الفضائيات الدينية.
كما ترك كتبا علمية منها كتاب (الترتب) وهو بحث أصولي معمق كتبه للعلماء والمجتهدين. وقد نال بسببه عدة إجازات اجتهاد وله مؤلفات أخرى في مجال العقيدة والقرآن والأخلاق.
والفقيد هو النجل الأكبر للمرجع الديني الراحل الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي