الصديق المهجور


أينما تذهب تجد الكثير من المكتبات المليئة بأصناف الكتب التي تحتوي على جميع أنواع العلوم.فقد تجدها في البيوت و المساجد والمدارس و الحوزات والكليات والجامعات وبعض أماكن العمل والمكتبات العامة فضلا عن المكتبات الإلكترونية وقد بذل العاملون عليها الكثير من الوقت والجهد والمال فنجد التقصيرمنا  في زيارتها وعدم الإستفادة منها فكما إننا نحتاج لجميع أصناف الطعام لتغذي أجسامنا فكذلك عقولنا تحتاج لجميع أنواع العلوم  أيضا  .فينبغي أن نخصص لنا وقت في اليوم لنرتاد هذه المكتبات ونتزود منها مايغذي عقولنا فالقراءة رياضة العقل .لقد حث القرآن الكريم على القراءة لما فيها من توسع لمدارك التفكير فالأمة التي تقرأ تنعكس القراءة على تصرفاتها سواء كان الكتاب ديني أودنيوي , وإن من أهم  أسباب  تقدم الغرب هو القراءة لأن فيها التعرف على حضارات  وأفكار وعلوم الآخرين وكذلك حث الرسول الأعظم على القراءة حيث تجلى ذلك بعد انتهاء غزوة بدر حينما أسر المسلمون مجموعة من الكفار فشرط الرسول على الأسرى أن يعلموا المسلمين القراءة والكتابة مقابل فك أسرهم وكذلك في عصر الأئمة  كان المسلمون يترجمون كتب الغرب وخاصة في زمن الإمامين الباقر و الصادق عليهما السلام عندما تدفقت علوم و فكر أهل البيت حيث خاف العباسيون منه وأقروا المذهب الرسمي الحنفي وعندما بدأ تلامذة أهل البيت برواية العلوم خاف المأمون فلم بكن هناك حل إلا الترجمة حتى تكون مضادة لفكر أهل البيت . لقد فاق المسلمون الغرب آن ذاك وفي عصرنا الحالي عندما تقدم الغرب تجدهم ركزوا على القراءة والعلم والعمل وجعلوها من أولوياتهم  فعندما يسافر الشخص الغربي تجده يحمل كتابا  حتى يستغل مقدار وصوله الى المكان الذي يريد فيقرأه, لدرجة أنه أصبح عندهم سباق للقراءة وينقل المتخصصون في دورات القراءة أنه  يبلغ متوسط سرعة القراءة للإنسان العادي 200 كلمة في الدقيقة، لكن الرئيس الأمريكي السابق جون كينيدي على سبيل المثال كان يقرأ بسرعة تفوق الألف كلمة في الدقيقة!، كما يقول مدرب دورة القراءة السريعة يورغن هامبه، والذي يؤكد أن المرء "يتعلم القراءة من جديد للمرة الثانية" من خلال دورته التدريبية .

وتكشف لنا  الإحصاءات عن أن الطفل الأميركي يقرأ نحو 6 دقائق في اليوم، بينما يقرأ الطفل العربي 7 دقائق في السنة! إنها مفارقة مرعبة لا تحتاج إلى التدليل على مخاطرها لأنها تتحدث عن نفسها و تظهر سبب تقدم أجيال في مقابل تراجع أجيال أخرى.

ولأن القراءة دليل على تحضرالأمم وتطورها الفكري والثقافي الجماعي والفردي اذ تشير الدراسات الحديثة أن نحو %70 مما يتعلمه المرء يأتي عن طريق القراءة . إلا أن نصيب الفرد العربي من القراءة حسبما تشير إليه بعض الإحصاءات في السنة هو ربع صفحة . هذا في حين أن متوسط ما يقرؤه الأمريكي مثلا 11 كتابا ، والبريطاني 7 كتب .

وطبعاً لا يغيب عن البال أن أكثر ما يكتب ويتابع إما مواضيع الطبخ أو الفنانين والفنانات واللاعبين واللاعبات الأحياء منهم والأموات أي أنهـا قراءات هزيلة وسطحية لا تسمن ولا تغني من جوع.

  • وبعد هذا نتساءل ما هي  أسباب ابتعادنا عن القراءة ؟

1- اللائمة تعود بداية على الوالدين اللذين لا يوفران الكتب في البيت ويتدرجان بالقراءة لأطفالهما، كتقديم الكتب المصورة التي تناسب اهتماماتهم، مثلا عن الشخصيات الكارتونية التي يحبونها.

2- أن سبب ابتعاد الصغار في السن عن القراءة يعود إلى المناهج التعليمية التي لا تحض على القراءة بل تركز على المادة العلمية فقط. وإن أساليب تنمية مهارة القراءة في جميع المراحل لا تتغير حتى المرحلة الثانوية وتدعو إلى الملل وعزوف الطفل عن القراءة.

3- أن أغلب أمناء المكتبات في الدول العربية غير متخصصين في تهيئة البيئة الجاذبة للقراء على عكس ما نلاحظه في العالم الغربي, ، بل ربما لا يحبون القراءة أصلا وأن أمين المكتبة في المدارس الخاصة الناجحة يدرك ما يسمى بشجرة الكتب، والتي تعرض تصنيف الكتب وفق ما يتناسب بناؤها اللغوي مع عمر الطفل، حيث يختار أفضلها للطفل ويشجعه على الاطلاع بطرق إبداعية.

  • أما كيف نعود أنفسنا على القراءة ؟

1- أتخاذعادة القراءة قبل النوم فعلى الآباء تعويد أبنائهم على القراءة وإنشاء جو مناسب في البيت.

2- مجالسة أهل العلم و المثقفين والمفكرين والأدباء المؤمنين.

3- تنظيم الوقت وعدم إهداره واختيار أماكن مناسبة للقراءة كالمسجد وبعد صلاة الصبح فهو وافر العطاء .

4- أنشاء نوادي للقراءة مثل نادي أنيس وهو نادٍ للقارئ الصغير أنشِئَ من قبل الصندوق الوقفي للثقافة والفكر في الأمانة العامة للأوقاف بدولة الكويت. وتقوم فكرة النادي على وضع صندوق جميل على منزل المشتركين الأطفال من سن 7 حتى 10 سنوات يشبه صندوق الصحف، يجد فيه كتابا جديدا يناسب عمره واهتماماته. ومنذ انطلاق المشروع، صار يلقى اهتماما كبيرا من قبل الأطفال، وهو الأول من نوعه في الوطن العربي، وفي حال تعميمه في 22 دولة عربية يتوقع المثقفون و المربون أن تتخرج أجيال ينطبق عليها الشعار الجميل للنادي: «رواد الغد قراء اليوم»

5- اقامة مسابقات للقراءة  كالتي أقامها مجموعة من الشباب في موسم من مواسم الحج حيث وضعت مجموعة من الكتب تحت شعار أقرأ كتاب وأمتلكه فبادر الشباب بالقراءة الجادة والتنافسية.

ويرى البعض أن الحل لا يكمن في صرف الأطفال عن التلفزيون والفيديو والكومبيوتر وإنما في إيجاد التوازن بين الكتاب وهؤلاء المنافسين، مؤكدين على أن تحقيق هذا الهدف يستوجب أن يقدم الكتاب العربي بطريقة إبداعية جاذبة لعين الطفل وقلبه.

وفي الختام نستشهد بقول أمير الشعراء أحمد شوقي:

وخير جليس في الزمان كتاب *** تسلو به إن خانك الأصحاب

وقال أيضا :

أنا ممن بدل بالكتب الصحاب *** فلم أجد وفيا إلا الكتاب