الإمام الشيرازي : على المؤمنين أن يجعلوا القضية الفاطمية قضية عالمية

شبكة مزن الثقافية موسسة الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله الثقافية


بمناسبة حلول الأيام الفاطميّة، وذكرى استشهاد بضعة رسول الله صلى الله عليه وآله، الصديقة الكبرى مولاتنا فاطمة الزهراء صلوات الله عليها، وكالسنوات السابقة، قام بزيارة المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله جمع من المحبّين والموالين لأهل البيت الأطهار صلوات الله عليهم أعضاء (الهيئة الفاطمية الدينية) القادمين من مدينة أصفهان بمعيّة آية الله السيد موحّد حجّت اﻷبطحي دامت بركاته، وذلك في بيته المكرّم بمدينة قم المقدسة، يوم الجمعة الموافق لغرّة شهر جمادى الأولى 1431 للهجرة، واستمعوا إلى توجيهات سماحته القيّمة، التي جاء فيها:

إن ما يستفاد من القرآن الكريم، تأويلاً وغير ذلك، وكذلك المستفاد من الروايات الشريفة عن أهل البيت الأطهار، أي عن رسول الله وعن الإمام أمير المؤمنين وعن مولاتنا الزهراء وعن أبنائها المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين، هو:

إن سيدتنا فاطمة الزهراء صلوات الله عليها سرّ إلهي، وليس فقط أنها ذات سرّ مستودع.

وقال سماحته: إن كلمة السرّ تطلق على الأمر المهم جدّاً، وهذا السرّ يكون له موقع حسّاس، ومكان حسّاس، وزمان حسّاس. والسرّ لا يعلم به ولا يطلع عليه إلاّ من كان لائقاً بمعرفته ومن كان مودعاً عنده. فالقرآن ليس سرّاً، ونبوّة النبي صلى الله عليه وآله ليست سرّاً، وإمامة الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه ليست سرّاً، وهكذا إمامة باقي الأئمة صلوات الله عليهم. لكن مولاتنا فاطمة الزهراء صلوات الله عليها بذاتها وكلّها سرّاً، وهكذا ظهور مولانا الإمام بقية الله الأعظم عجّل الله تعالى فرجه الشريف هو سرّ أيضاً.

وأضاف سماحته: لقد كان ينبغي أن يكون زمن استشهاد سيدتنا فاطمة الزهراء صلوات الله عليها غير معلوم، فقسم من الروايات المعتبرة بهذا الخصوص تقول إن استشهادها صلوات الله عليها كان بعد خمس وسبعين يوماً بعد استشهاد رسول الله صلى الله عليه وآله، وقسم تقول بعد خمس وتسعين يوماً، ولكلا القسمين من الروايات قرآئن في ذلك. وهكذا كان ينبغي أن يكون مرقدها الطاهر سرّاً، فمن المقرّر أن لا نعلم نحن ذلك وأن لا تعرفه الدنيا. بل إن قسماً من الروايات الشريفة تقول بأن حتى الإمام المهدي المنتظر عجّل الله تعالى فرجه الشريف لا يعلن عن مرقدها الطاهر في زمن ظهوره الشريف، فإن ذلك ينبغي أن يكون مخفيّاً إلى قيام الساعة.

وأردف سماحته: لقد كان مرقد الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه مخفيّاً عن الناس ما يقارب مائة سنة إلاّ عن الأئمة صلوات الله عليهم وعن بعض الخواص من أصحابهم، ولكن بعد ذلك عُلم مرقده الطاهر، والدنيا اليوم تعرف مكان المرقد الطاهر للإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه. وكذلك أخفي المرقد الطاهر للإمام الحسين صلوات الله عليه لسنين إلاّ عن الأئمة صلوات الله عليهم وعن بعض الخواص من أصحابهم، ولكن علم مكانه بعد ذلك.

إن المعصومين الأربعة عشر صلوات الله عليهم هم محور الكون والكائنات بإرادة الله تعالى،

أما المرقد الطاهر لسيدتنا فاطمة الزهراء صلوات الله عليها فهو مخفيّ، ويجب أن يكون مخفيّاً، وإن الحكمة من ذلك هو: لإن الله تبارك وتعالى جعل سيدتنا فاطمة الزهراء صلوات الله عليها سرّاً.

وتساءل سماحته: إن من لا يعرف هذا السرّ، ومن ليس لائقاً به أن يعرفه وأن لايفكّر به ماذا يتوجّب عليه تجاه هذا السرّ؟

فأجاب سماحته موضّحاً: كل واحد منّا وعلى قدر ما أوتي من العلم عليه أن يتمسّك بهذا السرّ الإلهي وأن يتوجّه إلى الله تعالى بهذا السرّ، ومن يعمل بذلك سيحصل على أمور مفيدة كثيرة، ولا يعرف قدر هذه الفوائد إلاّ من يحصّلها.

وخاطب سماحته الحضور الكرام بقوله: أنتم وأمثالكم من سائر المؤمنين حيث تعانون من مختلف المشاكل والأزمات، قد تركتم كل ذلك وراء ظهوركم، وتقومون بإحياء الشعائر الفاطمية، وهذا يدلّ على مدى ارتباطكم بهذا السرّ الإلهي الذي فيه بركات كثيرة، وستعلمون بعد حين إن أنفع ما حصلتم عليه في دنياكم هو ما قد بذلتموه في سبيل الارتباط بهذا السرّ الإلهي.

وفي سياق حديثه تطرّق سماحة المرجع الشيرازي دام ظله إلى بيان جوانب من المقامات الرفيعة لمولاتنا فاطمة الزهراء صلوات الله عليها، وقال:

إن المعصومين الأربعة عشر صلوات الله عليهم هم محور الكون والكائنات بإرادة الله تعالى، وهم صلوات الله عليهم قطب دائرة الإمكان ومركز رحى الوجود إذ عليهم تدور القرون والأزمان والخلق والإيجاد بشكل مطلق.. وأما سيدتنا فاطمة الزهراء صلوات الله عليها فهي المحور لهذا المحور والمركز لهذا المركز، ففي حديث الكساء الشريف نقرأ أنه عندما سأل الملائكة المقرّبون، ومنهم الأمين جبرائيل عليه السلام، من الله تعالى: «ومن تحت الكساء؟» عرّفهم الله بقوله تبارك وتعالى: «هم فاطمة وأبوها وبعلها وبنوها». فالله سبحانه عرّف رسوله الأكرم والإمام أمير المؤمنين والإمامين الحسن والحسين صلوات الله عليهم، عرّفهم بمولاتنا فاطمة الزهراء صلوات الله عليها. وهذا الأسلوب من التعريف الإلهي لا نجد له نظيراً أبداً في تاريخ الأديان الإلهية ولا في تاريخ أنبياء الله تعالى من آدم عليه السلام وإلى خاتمهم صلى الله عليه وآله، ومعنى هذا إن الزهراء صلوات الله عليها سرّ إلهي.

وشدّد سماحته قائلاً: إن من يريد أن ينتفع من هذا السرّ الإلهي عليه أن يلتزم بأمرين، هما:

إن سيدتنا فاطمة الزهراء صلوات الله عليها سرّ إلهي، وليس فقط أنها ذات سرّ مستودع.

الأول: التوجّه إلى الله والتوسّل به تبارك وتعالى بهذا السرّ قدر ما يتمكن.
الثاني: الالتزام بالحلم والعفو عن الآخرين قدر ما يستطيع.

ونقل سماحته قصة عن بعض العلماء من السلف الصالح، ونيلهم المراتب العالية من التوفيق بسبب ارتباطهم بهذا السرّ الإلهي، وقال:
ثلاثة إخوة كانوا من العلماء، وأنا رأيت أحدهم، وسمعت عن أحوالهم من المرحوم السيد المرعشي النجفي ومن السيد الوالد قدّس سرّهما. وكان هؤلاء العلماء أصحاب مقام رفيع في العلم والتقوى، وكانوا موفّقين في جهات عديدة، ولكن وبعد سنين حاز أحدهم على درجة عالية وسامية من التوفيق ما يعادل أضعاف وأضعاف ما ناله أخواه، وكان سبب ذلك هو تمسّكه وارتباطه الخاص بهذا السرّ الإلهي الذي لا يعرف حدوده أحد.

وعقّب سماحته مشيراً إلى مدى تمسّك المؤمنين بمولاتنا الزهراء صلوات الله عليها، وقال: عندما يقع أحدنا في أصعب المشاكل فكم يتوسّل إلى الله ويتوجّه إليه تعالى بالزهراء صلوات الله عليها؟ وكم يطلب من الزهراء أن تعينه على حلّها؟ وكم يشكرها إذا قضت له حاجاته؟ وكم يشكرها حتى إذا لم تقضيها له لمصلحة تعلم بها هي صلوات الله عليها ويغفل عنها السائل وصاحب الحاجة؟ وكم نصرف من وقتنا ومن فكرنا ومن أموالنا في سبيل الزهراء، وفي سبيل الدفاع عن قضيتها صلوات الله عليها؟

وأكّد دام ظله: كلما كثر توسّلنا وتوجهنا إلى الله تعالى بالزهراء صلوات الله عليها، وكلما كثر سعينا وبذلنا المزيد من الجهود في سبيل القضية الفاطمية المقدسة، كثر قربنا من هذا السرّ الإلهي. وقربنا من هذا السرّ الإلهي نافع لنا في الدنيا والآخرة، بل إن ذلك أهم وأغلى ثروة يحصّلها الإنسان في الدارين. فاسعوا أن توسّعوا من نشاطاتكم وفعالياتكم في سبيل إحياء الشعائر الفاطمية في كل نقطة من نقاط العالم، ولا تقصروا ذلك على مدنكم وبلدكم فقط، أي اسعوا أن تجعلوا القضية الفاطمية قضية عالمية، كي تنالوا يوم القيامة المرتبة العالية من مراتب الفائزين.