العلامة سماحة الشيخ علي المرهون
عالم الدين ... أرقى موقعية
كيف يصنع الإنسان موقعيتة في مجتمعه ؟
هل عبر ثروته الطائلة، أم من خلال موقعية عائلته في المجتمع ؟
إننا نجد البعض في المجتمع لا يشكلون إلا هوامش المجتمع، فليس لهم دور حيوي في قيادة وتحريك المجتمع فهم أفراد إستهلاكيون، ليس لهم أية إنتاجية تذكر!!
إن موقعية الإنسان هي صناعة يده فمن أراد أن تكون له موقعية عالية فعليه أن يستثمر تلك الطاقة المودعة فيه ويخرج من إطار النظريات إلى جوهر العمل، وبهذه الصورة يرسم الإنسان لنفسه أعلى المواقع.
- موقعية علماء الدين
عندما نريد أن نتحدث عن موقعية علماء الدين فإن القرآن يضعهم في أعلى المراتب حيث يقول تعالى : ( إنما يخشى الله من عباده العلماء ) وكما يقول الإمام الشيرازي (قدس سره ) في هذا الجانب : ( حصر الله سبحانه الخشية في أعلى مراتبها بالعلماء، لأنهم العارفون بأصول العبادة وأنواعها الصحيحة الموصلة لله عز وجل، فعلمهم هو الذي زادهم خشية من الله تعالى ).
أما رسول الله فيتحدث عن هذه الموقعية بقوله : ( إن مثل العلماء في الأرض كمثل النجوم في السماء يهتدي بها في ظلمات البر والبحر، فإذا انطمست أوشك ان تضلّ الهداة) وعنه : ( علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل ) وعنه : ( العالم أمين الله سبحانه في الأرض ).
من هنا يمكن القول أن عالم الدين له مكانة رفيعة، ويقوم بدور في غاية الأهمية، فهو إمتداد لخط الرسالة، وهو حامل مشعل الهداية، وهو قائد في هذه الأمة، وبه تتضح معالم الحياة.
- كيف يصنع عالم الدين أرقى الموقعية ؟
هناك ثمة أمور تصنع موقعية عالم الدين إضافة على ما تم ذكره منها :
1 ) الغزارة في العلم : كلما بلغ الإنسان مرتبة في العلم فإنه يبلغ مرتبة عالية في التفكير والقدرة على العطاء.
2 ) الجماهيرية أي معاشرة الناس بالحسنى، لأنه بمجرد الإنفصال عن الناس فإن عالم الدين يضع حاجزاً سميكاً لا يمكن لأحد أن يتخطاه وبالتالي تظل موقعيته في تلك الأطر الضيقة جداً.
3 ) كثرة التضحيات، ولا نعني بها التضحيات الجسدية بل التضحيات بالراحة والتضحيات بالمال، والتضحيات لأجل إسعاد المجتمع، والتضحيات لأجل رفع الحيف عن المجتمع، والتضحيات بكل اشكالها، فمن يضحي فإنه يرتقي .
- الشيخ علي المرهون ... نموذجاً
من عاصر الشيخ علي المرهون فإنه يجد فيه هذه الصفة ( الموقعية ) فقد أرتقى موقعية في المجتمع القطيفي من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه، وسأنقل لكم بعض الشواهد وما شاهدته من الشيخ في فترة كان الشيخ يبلغ من العمر سبعين عاماً، ولك أن تتصور معي هذا العمر وكيفية عطاء الإنسان في هذه الفترة!!
أولاً : الفاعلية في إحياء مناسبات أهل البيت
امتاز الشيخ بحبه الشديد لأهل البيت ولهذا كان حريصاً على إحياء المناسبات ( وفيات ، مواليد ) وما أريد أن أرمي إليه هو أن الشيخ كان لا يكتفي بمجلس واحد فقط، بل كان يتنقل من حسينية إلى أخرى ومن قرية إلى أخرى، فكان فاعلاً في العطاء الحسيني.
وكان يشوق الحضور لمجلسه فحينما يقرأ في مسجد ( المسعودية ) كان يترك بقية الحديث للمجلس الآخر الذي كان سيقرأه في فترة العصر، وكان الحضور يتفاعل مع هذه الحركة من الشيخ ويحضر مجلس العصر متشوقاً لبقية الحديث أو القصة.
كما أن مجلسه وحديثه تستأنس له جميع الطبقات الاجتماعية لأنه يحمل بين طياته كلمات صادقة تخاطب الروح والوجدان، وما قصيدة ( نور علي ظاهر يلمع ) ببعيدة عن الأذهان حيث يتفاعل معها جميع من يسمعها من الشيخ، وهذا ديدن من يتفاعل مع أهل البيت .
ثانياً : المحبة في قلوب الناس
إنه لمن سعادة المرء أن يجد له مكانة في قلوب الناس، ومغبوط ذلك الإنسان الذي يُسعد الناس بلقياه. وهكذا كان الشيخ علي المرهون الذي دخل في قلب كل فرد من أفراد المجتمع، وإليك بعض الشواهد:
كان الشيخ كثير السفر إلى العراق ويبقى فيها ما يقارب الأربعة أشهر، وفي فترة غيابه تظل منطقة الشويكة تفتقر إلى نور ما، تفتقر إلى صاحب القلب الكبير والأب الحنون، ولشوق الناس للشيخ فإنه عند عودته يجد القلوب منفتحة لاستقباله أيما استقبال، فما أن يسمع الناس بمقدمه حتى يتهافتون للسلام عليه إما في منزله أو قبيل وبعد الصلاة، فأية محبة يكنها الناس لهذا الشيخ الجليل ولكنها حقيقة فمن ( يحب الناس، يحبه الناس) .
وذات يوم سمع الناس عن مرض الشيخ أثناء ذهابه للحج مما دعا مسئولي الحملة إلى سرعة نقله للبلد، وما أن سمع الناس عن هذه الحادثة حتى سادهم الحزن وتغيرت ملامح البلد وصار الناس يدعون له بالشفاء العاجل، وقد رأيت جموعاً من الناس تجتمع أمام منزله بالشويكة وهم مهمومون لمرض الشيخ.
ثالثاً : الفكاهة عند الشيخ
كان دائم البسمة فـ ( بشره في وجهه ) وكان في بعض المناسبات يلطف الجو ويعطر المكان ببعض الفكاهات أذكر لكم بعضاً منها :
في ليلة القدر والتي كان الشيخ يحيها بصورة بريئة وبصورة مشوقة لدرجة أن المسجد لا يتسع للمصلين ولذا يتم فرش الطرقات، في هذه الليلة المباركة وبعد أن يقرأ الشيخ السور القرآنية ينادي على قيوم المسجد بضرورة إحضار (قهوة ) للمصلين وبأسلوب يزيل كل آثار التعب من المصلين ويتعمد الشيخ فعل هذا الأمر تنشيطاً للمصلين بعد إدخال السرور في نفوسهم.
وفي ليلة العيد يطلب الشيخ من المصلين بصعود سطح المسجد لرؤية الهلال ويقول : ( من يرى الهلال ويخبرني سأعطيه خمسون ريال ) فيسارع الناس لصعود السطح بكل أريحية وكل سرور.
رابعاً : الشيخ علي المرهون مؤلفاً
ربما يكتب البعض مجلدات ولكنها لا تجد لها ذلك الصدى المتوقع، بينما يكتب البعض كراساً وإذا به ينتشر في ربوع المجتمع بصورة مذهلة، وهذا ما وجدناه لمؤلفات الشيخ علي المرهون، ومثال ذلك كتابي أعمال شهر رمضان، وأعمال الحرمين.
فما أن يقبل شهر رمضان حتى تجد الحسينيات والمساجد والبيوت تخرج كتاب أعمال شهر رمضان وتلازمه طيلة شهر كامل، وتدعو للشيخ بطول العمر ودوام الصحة والعافية.
وكذلك ما أن يعقد البعض العزم لزيارة بيت الله الحرام أو قبر الرسول الأكرم حتى يصطحب معه كتاب أعمال الحرمين.
وما يميز كتابات الشيخ أنها تلامس احتياجات المجتمع، وتخاطبهم بلغة بسيطة سهلة للجميع وهذا ما يشجع الناس لاقتناء كتب الشيخ والتي منها لقمان الحكيم وقصص القرآن اللذان طبعا أخيراً بصورة جميلة.
خامساً : المشاركات الاجتماعية
كان للشيخ حضوراً بارزاً في المناسبات الاجتماعية كحفلات الزواج مثلاً فما أن يسمع أن أحدهم قد تزوج حتى يبادر بحضور حفل الزواج مما يدخل السرور في نفس العريس ويفتخر بقوله أن الشيخ علي قد بارك له في زواجه.
وكما كان الشيخ مشاركاً في الأفراح فهو كذلك مواسياً في الأتراح، فما أن يتوفى أحدهم حتى تكون للشيخ مشاركة في تشيع الجنازة أو قراءة مجلس العزاء.
ولأنه كان مشاركاً للجميع في مناسباتهم شاركه الجميع في مناسبة حفل التكريم الذي أقامته لجنة الإمام الحسن بالشويكة في نهاية شهر رمضان 1425هـ . ولأنه كان محباً للجميع شاركه الجميع في تشيع الجثمان الطاهر إلى مثواه الأخير...
نعم هكذا هو الشيخ علي المرهون حفظه الله تعالى نموذجاً لعالم الدين الذي قام بدوره خير قيام واحتل موقعية في قلوب الناس بتواضعه وبساطته وبسمته وبقلبه المفتوح للجميع.
إن من عاصره ولازمه يستطيع كتابة الكثير الكثير وما تم كتابته بهذا القلم المتواضع إنما هو غيض من فيض، مما شاهدته من تلك السيرة الناصعة، والصفحة المشرقة،رحم الله العلامة سماحة الشيخ علي المرهون بواسع رحمته وأسكنه الفسيح من جنته مع النبي وأهل بيته الأطهار.