سماحة المرجع الشيرازي خلال كلمته ليلة 11محرّم الحرام:

أنصح المتعاملين سلبيّاً مع القضية الحسينية وشعائرها بأن يعتبروا من عاقبة يزيد

شبكة مزن الثقافية

عظّم الله أجورنا وأجوركم بمصابنا بسيدنا الإمام الحسين صلوات الله عليه، وجعلنا الله تعالى من الطالبين بثاره مع وليّه الإمام المهدي من آل محمّد عجّل الله تعالى فرجه الشريف.

إن عاشوراء نعمة كبرى، وهذه النعمة يدركها حقّ قدرها من كان حيّاً في عاشوراء السنة الماضية وشارك أو قدّم الخدمة في إحياء عاشوراء، فهو الآن في عالم الآخرة يحظى بثواب وأجر تلك الخدمة، ولو كان بمقدوره أن يتحدّث معنا لقال لنا هنيئاً لكم ولكل من يخدم عاشوراء، فإن عاشوراء نعمة كبرى وأنتم لا تعلمون ما لمن يخدم عاشوراء من الأجر العظيم الذي لا نظير له.

نشكر الله سبحانه على أن أبقانا أحياء لندرك عاشوراء آخر ونحظى بتوفيق إحيائه. وهنا أرى من الواجب عليّ بصفتي أحد الموالين لأهل البيت صلوات الله عليهم أن أشكر كل الذين قدّموا الخدمات في العشرة الأولى من المحرّم وتحمّلوا الأذى وتعرّضوا للمشاكل وهم يحيون ذكرى عاشوراء. فأشكركم أنتم أيها الحاضرون وأشكر كل الموالين في أرجاء المعمورة وأشكر حتى غير الموالين الذين وفّقوا لتقديم الخدمة في عشرة محرّم.

كما إني قد دعوت في سحر هذا اليوم لجميع الذين أقاموا الشعائر الحسينية وأحيوها وذلك اقتداء بالمعصومين، فهم صلوات الله عليهم قد دعوا ويدعون لمحيي أمرهم وبالأخصّ لمقيمي الشعائر الحسينية ومحييها. فعمل المعصوم صلوات الله عليه حجّة كما صرّحت الروايات الشريفة، ودعاء المعصوم للذين يحيون أمرهم هو من المستحبّات.

وأشار سماحته إلى درجات محيي أمر أهل البيت صلوات الله عليهم وقال: ذكرت الروايات الشريفة أن: «ميثم التمّار رضوان الله تعالى عليه حجّ في السنة التي قُتل فيها (الإمام الحسين صلوات الله عليه) فدخل على أم سلمة، فقالت: من أنت؟ فقال: أنا ميثم. فقالت: والله لربما سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يوصي بك عليّاً في جوف الليل. فسألها عن الحسين صلوات الله عليه ...»(1).

هذه الرواية تبيّن أن ميثم التمّار لخدماته وتفانيه في سبيل أهل البيت صلوات الله عليه قد حظي بدعاء النبي صلى الله عليه وآله وهذا توفيق عظيم ومقام رفيع. فالذين رفعوا علماً للحسين صلوات الله عليه في أية بقعة من العالم والذين قدّموا الخدمة في سبيل إحياء عاشوراء سيشملهم دعاء الإمام صاحب العصر والزمان عجّل الله تعالى فرجه الشريف بنسبة ما قدّموا وبمقدار ما خدموا.

وعن الذين يعرقلون الشعائر الحسينية أو يصدّون عنها أو يثيرون الشكوك والشبهات حولها قال سماحته: ورد في الروايات الشريفة أن رسول الله صلى الله عليه وآله أخبر أم سلمة ـ وكانت من زوجاته الصالحات ـ بما سيجري على سبطه الإمام الحسين صلوات الله عليه، وأخبرها أيضاً بالأجر العظيم والمقام الرفيع الذي سيناله العاملون في سبيل القضية الحسينية والمحيّون لشعائر الإمام الحسين صلوات الله عليه، وأخبرها أيضاً بمنشأ محاولات الذين يسعون إلى الصدّ عن إحياء عاشوراء فقال صلى الله عليه وآله: «إن إبليس لعنه الله في ذلك اليوم (يوم مقتل الإمام الحسين صلوات الله عليه) يطير فرحاً، فيجول الأرض كلها بشياطينه وعفاريته فيقول يامعاشر الشياطين ... فاجعلوا شغلكم بتشكيك الناس فيهم وحملهم على عداوتهم وإغرائهم بهم وأوليائهم حتى تستحكموا ضلالة الخلق وكفرهم»(2). فحسب قول النبي صلى الله عليه وآله إن المشكّك بالشعائر الحسينية قد يكون بالظاهر إنساناً ولكن هو في الواقع شيطان. هذا أولاً.

ثانياً: إن ما يجدر بنا أن نقوم به تجاه الذين يتعاملون بالسلب مع الشعائر الحسينية سواء كان تعاملهم عن سهو أو عن عمد، وعن قصد أو عن غير قصد، وعن جهل أو عن علم بذلك، هو أن ننصحهم ونقول لهم: أليس من المؤسف أن تقوموا بمثل هذه الأمور التي لا تعدّ لعباً بالنار بل هي تلاعب بالتاريخ، ومن يتلاعب بالتاريخ يسحقه التاريخ و يفنيه دنياً وآخرة.

فكما إني أشكر كل الذين خدموا وشاركوا في إحياء عاشوراء وكل الذين شجّعوا الآخرين على الخدمة، وكل الذين تبرّعوا بالأموال أو جمعوا الأموال في سبيل إحياء عاشوراء، كذلك أنصح الذين يتعاملون بالسلب مع الشعائر الحسينية أن يحذروا عواقب تعاملهم وإن كان بمقدار كلمة واحدة، لأن مصيرهم أو حالهم سيكون كمصير وحال أحد الذين اصطفوا في جيش يزيد، وهو ما جاء في الرواية التالية: «روى ابن رياح قال: رأيت رجلاً مكفوفاً قد شهد قتل الحسين سلام الله عليه فسُئل عن ذهاب بصره؟ فقال: كنت شهدت قتله عاشر عشرة غير أني لم أضرب ولم أرم، فلما قتل سلام الله عليه رجعت إلى منزلي وصلّيت العشاء الأخيرة ونمت فأتاني آت في منامي فقال: أجب رسول الله صلى الله عليه، فإنه يدعوك. فقلت: ما لي وله؟ فأخذ بتلبيبي وجرّني إليه فإذا النبي صلى الله عليه وآله جالس في صحراء، حاسر عن ذراعيه، آخذ بحربة، ومَلَك قائم بين يديه، وفي يده سيف من نار، فقتل أصحابي التسعة، فكلما ضرب ضربة التهبت أنفسهم ناراً، فدنوت منه وجثوت بين يديه وقلت: السلام عليك يارسول الله، فلم يردّ عليّ ومكث طويلاً ثم رفع رأسه وقال: ياعدو الله انتهكت حرمتي وقتلت عترتي ولم ترع حقّي وفعلت ما فعلت؟ فقلت: والله يارسول الله ما ضربت بسيف ولا طعنت برمح ولا رميت بسهم. قال: صدقت ولكنك كثّرت السواد، ادن منّي، فدنوت منه فإذا طست مملو دماً، فقال لي: هذا دم ولدي الحسين سلام الله عليه، فكحّلني من ذلك الدم، فانتبهت حتى الساعة لا أبصر شيئاً»(3).

وعقّب سماحته: إن الذين ينفقون أموالهم في سبيل خدمة القضية الحسينية ينالون أجر ما أنفقوا، سواء أنفقوا ديناراً واحداً أو الملايين من الدنانير.

كما إن الذين يتعاملون بالسلب مع القضية الحسينية وشعائرها ينالون عقاب تعاملهم السلبي في الدنيا قبل الآخرة، سواء كان ذلك التعامل السلبي بمقدار كلمة واحدة، أو بلافتة يكتبون عليها (عاشوراء يوم الفرح والسرور) كما فعل مؤخراً بعض الذين يدّعون بأنهم مسلمون في إحدى دول الجوار.

وخاطب سماحته الذين يتعاملون سلبياً مع القضية الحسينية المقدسة وقال:

إن الذي حلّ بالإمام الحسين صلوات الله عليه في كربلاء هي فاجعة عظمى ورزية كبرى، وإن عاشوراء مصيبة عظمى وكبرى حلّت على الكون وما فيه وليس على الأرض وأهلها فحسب وهذا ما صرّحت به الروايات الشريفة، ومنها:

قال الإمام الصادق صلوات الله عليه: «لمَّا كَانَ مِنْ أَمْرِ الْحُسَيْنِ سلام الله عليه مَا كَانَ ضَجَّتِ الْمَلائِكَةُ إِلَى اللَّهِ بِالْبُكَاءِ وَقَالَتْ: يُفْعَلُ هَذَا بِالْحُسَيْنِ صَفِيِّكَ وَابْنِ نَبِيِّكَ؟ قَالَ: فَأَقَامَ اللَّهُ لَهُمْ ظِلَّ الْقَائِمِ عجّل الله تعالى فرجه الشريف وقَالَ: بِهَذَا أَنْتَقِمُ لِهَذَا»(4).

وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: «والذي بعثني بالحقّ نبيّاً إن الحسين بن علي في السماء أكبر منه في الأرض»(5). فأقول للذين اتخذوا أو يتخذون عاشوراء يوم فرح وسرور: إن يزيد هو الذي اتخذ عاشوراء يوم عيد وسرور، فما الذي جنى يزيد من اتخاذه عاشوراء يوم عيد؟ فانظروا إلى يزيد واعتبروا بمصيره وعاقبته.

كما إني أنصح الذين يتعاملون بالسلب مع القضية الحسينية بأن يقرأوا التاريخ ويعتبروا من مصير الذين قاتلوا الإمام الحسين صلوات الله عليه وحاربوه ومن الذين اصطفوا في جيش يزيد، وأنصحهم أيضاً بالتوبة إلى الله تعالى، مع إني لا أعلم هل يفتح الله تعالى أبواب التوبة لهم ولأمثالهم؟ وهل يوفّقون للتوبة؟ فهذا لا يعلمه إلاّ الله ورسوله وأهل البيت صلوات الله عليهم أجمعين.

وأردف سماحته: إن الكثير ممن كانوا غير مسلمين ونواصب كالخليعي الشاعر المعروف اهتدوا إلى الحقّ بفضل الإمام الحسين صلوات الله عليه وماتوا سعداء وفازوا بنعيم الآخرة، إذن أليس من المؤسف حقّاً أن يصدر من المسلم تجاه القضية الحسينية ما يؤدي به إلى الذل والهوان في الدنيا ودخول النار في الآخرة؟

وأكّد دام ظله مخاطباً المؤمنين والموالين لأهل البيت صلوات الله عليهم: إن الله تعالى هو الذي جعل عاشوراء يوم الحزن والعزاء والبكاء، وهو سبحانه جعل مصيبة الإمام الحسين صلوات الله عليه مصيبة عظمى إلى يوم القيامة، فدعوا الذين يقولون بأن عاشوراء يوم الفرح والسرور، وليتخذوا عاشوراء يوم عيد وسرور، فإن هذه المحاولات وأمثالها والأكبر منها وغيرها من المحاولات لها نتيجتان:

الأولى: إن هذه المحاولات لا تقلّل من عظمة مقام الإمام الحسين ولا من عظمة قضيته ومصيبته صلوات الله عليه، بل كما وعد رسول الله صلى الله عليه وآله بقوله: «وليجتهدنّ أئمة الكفر وأشياع الضلالة في محوه وتطميسه، فلا يزداد أثره إلاّ ظهوراً، وأمره إلاّ علوّاً»(6). فهذه مجالس إحياء عاشوراء والحزن والعزاء على ما حلّ بالإمام الحسين صلوات الله عليه تزداد سنة بعد سنة في العالم كلّه.

الثانية: قال الإمام الرضا صلوات الله عليه: «إن إبراهيم عليه وعلى نبيّنا وآله أفضل الصلاة والسلام لما وُضع في كفة المنجنيق غضب جبرئيل، فأوحى الله عزّ وجلّ إليه: ما يغضبك ياجبرئيل؟ قال: ياربّ خليلك ليس من يعبدك على وجه الأرض غيره سلّطت عليه عدوّك وعدوّه؟ فأوحى الله عزّ وجلّ إليه: إنما يعجل العبد الذي يخاف الفوت مثلك، فأما أنا فإنه عبدي آخذه إذا شئت. قال: فطابت نفس جبرئيل عليه السلام»(7). وهذا معناه إن الله تعالى هو الذي ينتقم من أعداء أوليائه وقتلتهم. والإمام الحسين صلوات هو من أفضل أولياء الله تعالى، فأين يفرّ من الله من يتعامل بالسلب مع الإمام الحسين ومع قضيته صلوات الله عليه؟

وختم سماحته كلمته القيّمة مخاطباً الشباب بقوله:

أوصي الشباب الأعزاء بأمرين:

الأول: إن عاشوراء عَبرة. ومعنى عَبرة هو: إن عاشوراء يوم المصيبة والبكاء والجزع واللطم على الرؤوس، فيجب إحياء عاشوراء بما يناسب شأنها، مع الابتعاد عن المحرّمات التي يشخّصها الفقهاء الأعلام ومراجع التقليد.

الثاني: وإن عاشوراء عِبرة. ومعناها إن عاشوراء ثقافة ومدرسة، فيجب أن تستوحوا منها الدروس. ومما يستوحى من عاشوراء الاقتداء والتأسّي بسيدنا عليّ الأكبر سلام الله عليه. فعليّ الأكبر سلام الله عليه ذو مقام عظيم، وصاحب عصمة كبرى، ولكن عصمته أقلّ رتبة من عصمة المعصومين الأربعة عشر صلوات الله عليهم، فقد خاطبه الإمام الصادق صلوات الله عليه في إحدى زياراته للإمام الحسين صلوات الله عليه: «وجعلك الله من الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً كما يجدر بالآباء أن يكونوا في مقام التربية، لا في مقام الرئيس، حسب ما ذكره القرآن الكريم والروايات والأحاديث الشريفة..

أسأل الله تبارك وتعالى أن يوفّقنا وإيّاكم بأن نكون دوماً من الساعين إلى إحياء وتعظيم القضية الحسينية وشعائرها. وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين.