الحبيل : ضرورة التخطيط للحياة وأهمية رسم الأهداف

شبكة مزن الثقافية

 ضمن فعاليات برنامج منقذ البشرية الثقافي الثالث لشهر محرم الحرام لعام 1431هـ كانت المحاضرة الثامنة بعنوان: ضرورة التخطيط للحياة وأهمية رسم الأهداف لسماحة الشيخ عبد الكريم الحبيل .

  • أبرز ما جاء في محاضرة الشيخ عبد الكريم الحبيل :

• يجب على المسلم الموالي لأهل البيت أن يضع له أهدافاً حقيقية ليس لدنياه فقط بل حتى لآخرته .
• كلنا يستطيع أن يحقق انجازاً في هذه  الحياة ، ولا بد من معرفة النفس معرفة حقيقية وصحيحة حتى نتمكن من بناء قدراتنا بناء صحيحاً .
• يجب على شبابنا أن يفهموا ما عندهم من مواهب وقدرات ، ويتعرفوا على أنفسهم جيداً وبعدها يبنوا تلك المواهب وتلك القدرات ليستطيعوا أن يصنعوا لأنفسهم ولمستقبلهم شيئاً .
• يجب على الشباب أن يجعلوا لهم  قمة سامقة وهمة عليا في الحياة ، وألا يكون هدفهم المنشود هو الشهادة العلمية فقط .
• في تجاوز الخوف من التغيير والخوف من الإخفاق تكمن الخطوة الأولى في طريق النجاح .
• إن نظرة الإنسان المهزوزة لنفسه وعدم ثقته بنفسه ، تقف عائقاً أمام رسم الأهداف وعدم التخطيط لها تخطيطاً صحيحاً ، فيجب أن تجعل نفسك كبيرة وهمتك عالية وثقتك بالنفس كبيرة وذلك لبناء مستقبل كبير و عظيم .

ابتدأ سماحة الشيخ محاضرته بالآية الكريمة ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ حيث ذكر أن شاهده من هذه الآية هي ﴿ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ  ، وقال أنه لا شك أن أظهر مصداق للغد هو حياة الخلود والكرامة , الحياة التي سمّاها القرآن الكريم بالحيوان , الحياة الآخرة هي دار الحياة الحقيقية , وأفضل ما يخطّط له الإنسان هو تلك الحياة الحقيقية الواقعية . فينبغي للمؤمن أن يجعل حياة خلوده هي حياة كرامة يتخلص فيها من كل العناء ليعيش حياة سعيدة في جوار الملك الحق , وتلك الحياة الآخرة تحتاج إلى تقوى كبير ومخافة من الله وورع .

وأشار سماحته إلى أننا نحن كمسلمون ننطلق من تلك المبادئ الإسلامية التي أدّبنا بها الإسلام ، وأمرنا أن نخطّط لحياتنا الدنيا ، ولحياتنا الأخرى على السواء , وقد روي عن الإمام الحسن ( ع ) ( اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً ، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً ) فلا بد من التخطيط ورسم أهداف صحيحة للحياة الدنيا كأنك تعيش فيها حياة الخلود , ويجب أيضا في المقابل التخطيط للحياة الآخرة وكأنك ستنتقل إليها غداً.

وذكر أنه لو ألقينا نظرة على العالم اليوم سواء الإسلامي أو غير الإسلامي لرأينا العالم الغربي المتقدم في الحضارة المادية ( غير الإسلامي ) يعيش أزمة حضارة ، بسبب افتقاره للوجهة والهدف الصحيح .

وتساءل سماحة الشيخ عن الوجهة الصحيحة والهدف السامي الذي يجب توفره ؟

وأجاب : نحن كمسلمون نعرف من أين أتينا ولماذا أتينا ولماذا نحن في هذه الحياة والى أين سننتهي. وقد قال تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ   نحن جئنا من الله وخلقنا الله لهدف وهو الاستخلاف في الأرض , قال تعالى ﴿ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً وبعدها نرحل إلى الحياة الآخرة والى لقاء الله .

أشار سماحة الشيخ إلى أن هذا الهدف مفقود في الحضارة الغربية لأنها لا تربي مجتمعاتها وأفرادها على هذه الوجهة والهدف . بعكس المسلمين فهم يملكون الوجهة والهدف الصحيح , ولكن هناك أزمة حقيقية يعيشها المسلمون , فما هي هذه الأزمة ؟

وقال سماحته أننا نعيش أزمة حركة فالعالم يسير ونحن وقوف , كما أننا نعيش أزمة شهود على العصر بمعنى أنه ليس لنا بصمات فاعلة في العصر والحضارة الإنسانية اليوم ، وأن المسلمين اليوم يتأثرون ولا يؤثّرون ويأخذون ولا يعطون , مشيراً إلى أنه قد تداعت علينا الأمم من كل حدب وصوب , بالإضافة إلى أننا لسنا المحرّك الرئيسي في المسيرة الإنسانية في الحياة ، ولكننا نتحرك مع السيل , وأن الكل يتأثر بالحضارة الغربية سواء الشباب أو المرأة أو الشيوخ أو الصغار وسواء في الثياب أو في الفكر أو في الأزياء أو في العادات والتقاليد .

ودعا سماحته الشيخ بأن نلقي نظرة على جميع ما وصلت إليه البشرية من معارف ونهضة حضارية ، ونوازن بين أنفسنا كمسلمين وبين ما وصلت إليه البشرية من حضارة ، ونقيس ما عندنا إلى ما عندهم , فمثلا نأتي إلى علم الفلك عند المسلمين وعند الغربيين , وهكذا الطب والتكنولوجيا وبقية العلوم في إشارة إلى تقدم الغرب في مختلف العلوم والأنشطة على المسلمين .

وبعد أن انتهى سماحة الشيخ من مقدمته ابتدأ موضوعه بتعريف التخطيط :

التخطيط : هو تصميم المستقبل المطلوب وتطوير الخطوات الفعالة لتحقيقه ، أو هو النشاط الذي ينقلك من وضعك الحالي إلى ما تطمح الوصول إليه ، عن طريق تحديد ما تريد ووضع البرامج الزمنية لتحقيق ذلك الهدف .

أو تحديد أهداف مستقبلية ووضعها في برنامج زمني قابل للتنفيذ في سبيل تحقيق تلك الأهداف .

وأشار سماحته إلى أن المسلم الموالي لأهل البيت ( ع ) يجب عليه أن يضع له أهدافاً حقيقية ليس لدنياه فقط بل حتى لآخرته وتساءل :
كيف نخطط للدنيا وكيف نخطط للآخرة ؟

ذكر سماحته بأن قوم قارون نصحوه لما طغى , قال تعالى ﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا    واستشهد سماحة الشيخ بروايات لأمير المؤمنين علي ( ع ) ( لقد سبق إلى جنات عدن أقوام ما كانوا أكثر الناس صلاة ولا صياماً ولا حجاً ولا اعتماراً ، ولكن عقلوا عن الله أمره فحسنت طاعتهم وصحّ ورعهم ، وكمل يقينهم ففاقوا غيرهم بالحظوة ورفيع المنزلة ) ، وأشار في بيان شرحه لهذا الحديث أن هؤلاء القوم عرفوا ما يريده الله منهم ، وعرفوا لماذا خلقهم الله في هذه الحياة الدنيا وهو الهدف من الخلق ، فقاموا وامتثلوا وطبّقوا أمر الله سبحانه وتعالى في تحقيق الهدف والغاية من وجودهم .

ذكر سماحته أن الإمام علي ( ع ) رسم لنا برنامجاً يومياً للحياة ، بالإضافة إلى أنه علينا حقوق تجاه الله وحقوق تجاه الأولاد والمجتمع و تجاه أنفسنا ، وعلينا أن نؤديها وأن نكون فاعلين في المجتمع وذلك من خلال أحاديثه ( ع )  .

فعلى الفرد المسلم أن يبني نفسه وذاته بطاعة الله ، وبالعلم والمعرفة والفضائل والابتعاد عن الرذائل , فإذا لم يكن قد خطّط يومه بما ذكره أمير المؤمنين ( ع ) فقد عقّ يومه ولم يؤد حقه .

لماذا نخطط وما حاجتنا له ؟

إن حاجتنا للتخطيط هي لكي نعيش حياة ذات معنى توصلنا إلى الغرض من وجودنا ، ونعيش حياة كريمة توصلنا إلى الغرض الذي خلقنا الله من أجله , مشيراً إلى أننا نعيش عاشوراء الحسين ( ع ) في هذه الأيام الذي رسم لنا حياة العزة والكرامة .

كيف نستطيع أن نخطط للحياة ؟

أولاً : الاستفادة من الموارد :

أشار سماحته إلى ضرورة الاستفادة من الموارد التي نتمتع بها ، والتي أعطانا الله إياها بالإضافة إلى بناء القدرات والاستفادة من المواهب وتطويرها , وأشار إلى أن الكل منا يستطيع أن يحقق انجازاً في هذه الحياة ، ولا بد من معرفة النفس معرفة حقيقية وصحيحة ، حتى نتمكن من بناء قدراتنا بناء صحيحاً ويجب عدم تشتيت الوجهة في الحياة كالذي يتخبّط ولا يدري أين يسير.

وشدّد على أنه يجب على شبابنا أن يدركوا ما عندهم من مواهب وقدرات ، ويتعرفوا على أنفسهم جيداً ، ثم يبنوا تلك المواهب والقدرات ليستطيعوا أن يصنعوا لأنفسهم ولمستقبلهم شيئاً.

ثانيا: ضرورة إدارة الوقت:

شدد سماحة الشيخ على ضرورة إدارة الوقت إدارة صحيحة ، وضرورة إدراك أهمية الزمن في حياتنا , وألا نضيّع فرصنا من الاستفادة من الوقت لما له من أهمية كبيرة في حياتنا العملية .

ثالثا : الوعي بالمستقبل :

أشار سماحته إلى أنه يجب علينا أن نعي المستقبل , وأن وعي المستقبل يكون من خلال ثلاث نقاط :
1) التعامل مع الحاضر تعاملاً سليماً صحيحاً .
2) الإعداد للمستقبل إعداداً صحيحا .
3) فهم العصر . 
وأكد على أنه يجب على شبابنا أن يفهموا العصر والزمان ، ففهمه ليس محصوراً على الفقهاء والعلماء فقط .
وذكر سماحة الشيخ عدة أمور في فهم العصر والتخطيط للمستقبل منها :
أولاً : لا بد أن نخطّط لمستقبلنا تخطيطا سليماً من خلال تحديد الأهداف ، وترتيب الأولويات وتقديم الأهم على المهم .
ثانياً : التحكّم في رسم المستقبل ورسم خارطة لذلك .
ثالثا: التخلّص من الضغوط والأزمات النفسية ومنها القلق .
وشدّد سماحته على ضرورة السعي إلى القمة دائماً , وقد روي عن علي ( ع ) وهو يوصي ابنه محمد بن الحنفية في حرب الجمل ( ألق ببصرك أقصى القوم ) فلا بد في هذه الحياة من الوصول إلى القمة , وأشار سماحة الشيخ إلى ما روي عن العلامة الحلي عندما سأل ابنه فخر المحققين , ماذا تريد أن تكون ؟ فقال :  أريد أن أكون مثلك يا أبي , فقال له : إذن لن تكون مثلي , فأنا ما كنت العلامة الحلي إلا بعد أن جعلت قمّتي وهدفي جعفر بن محمد ( ع )  فأصبحت العلامة الحلي .

ثم وجّه سماحة الشيخ نصيحته للشباب بأنه عليهم أن يجعلوا لأنفسهم قمّة سامقة وهمة عليا ، كما يجب عليهم ألا يكون هدفهم هو الشهادة العلمية فقط , بل يجب عليهم جعل هدف عالي في الحياة سواء علمي أو تجاري أو أدبي أو أي من المجالات المرموقة في الحياة .

ثم تساءل سماحته عن سبب عدم تخطيطنا للحياة ، وقال بأن هناك أموراً قد تقف أمامنا تعيق ذلك :

1- الخوف من الفشل : وأشار إلى أن هناك خوفان يمنعان الناس من تحقيق آمالهم : الخوف من التغيير  والخوف من الإخفاق ، وفي تجاوز هذين الأمرين تكمن الخطوة الأولى في طريق النجاح . روي عن رسول الله ( ص ) : ( خذ الأمر بالتدبير فان رأيت في عاقبته خيراً فامضِ ، وان خفت غيّاً فأمسك ) .
2- النظرة المهزوزة وعدم الثقة بالنفس : بأن نظرة الإنسان المهزوزة لنفسه وعدم ثقته بنفسه تقف عائقاً أمام رسم الأهداف وعدم التخطيط لها تخطيطا صحيحاً .
3- التخلص من حالة التسويف والتأجيل : لكي لا تضيع الفرص ولا يتأخر الإنسان في الحياة .
وأشار سماحة الشيخ في ختام محاضرته إلى أنه يجب علينا كمسلمين أن نعرف الهدف السامي الذي من أجله خلقنا ومن أجله جئنا إلى هذه الحياة ، وعلينا أن نسعى لأكرم حياة وأسعد حياة في الدنيا والآخرة .

وأشار إلى أن الإمام الحسين الذي انتصر نصراً كبيراً في الدنيا والآخرة ، استطاع أن يغيّر دنيانا وآخرتنا ، مشيراً إلى الكرامة الكبيرة للإمام الحسين من خلال دور الطاعة والعبادة التي تبنى باسم الله ، وفي مقابلها تبنى الحسينيات باسم الحسين .

" السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين "