لا يوم كيومك يا حسين
لا يوم كيومك يا أبا عبد الله... نعم لا يوم كيومك... فيومك يا سيدي أبكى الكون كله، بكت السماوات والأرضون... والأنبياء والصديقون والشهداء والصالحون ... وحق لمن أراد أن يبكيك أن يقول: لأَبْكِيَنَّ عَلَيْكَ بَدَلَ الدُّمُوعِ دَما.
يومك يا سيدي هو عنوان نهضتنا، ومشعل هدايتنا، ورمز قضيتنا، وبه وفيه ومنه تتشكل هويتنا، وإذا كان من المستحيل أن نصل إلى يومك بأجسادنا فإننا قد وصلنا بعقولنا وقلوبنا فها نحن نخاطبك سيدي ومولاي وكأننا معك على أرض كربلاء: لَبَّيْكَ دَاعِيَ اللَّهِ إِنْ كَانَ لَمْ يُجِبْكَ بَدَنِي فَقَدْ أَجَابَكَ قَلْبِي وَشَعْرِي وَبَشَرِي وَرَأْيِي وَهَوَايَ عَلَى التَّسْلِيمِ لِخَلَفِ النَّبِيِّ الْمُرْسَلِ وَالسِّبْطِ الْمُنْتَجَبِ وَالدَّلِيلِ الْعَالِمِ وَالأَمِينِ الْمُسْتَخْزَنِ وَالْمُوصِيَ الْبَلِيغَ وَالْمَظْلُومَ الْمُهْتَضَم.
يومك ياسيدي هو يوم الله و" قَدْ بَلَّغْتَ عَنِ اللَّهِ مَا أُمِرْتَ بِهِ وَوَفَيْتَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَتَمَّتْ بِكَ كَلِمَاتُهُ وَجَاهَدْتَ فِي سَبِيلِهِ حَتَّى أَتَاكَ الْيَقِين" فظفرت بالحسنيين الشهادة والنصر، وأنا ياسيدي "أَشْهَدُ أَنَّ لَكَ مِنَ اللَّهِ مَا وَعَدَكَ مِنَ النَّصْرِ وَالْفَتْحِ وَأَنَّ لَكَ مِنَ اللَّهِ الْوَعْدَ الْحَقَّ فِي هَلاَكِ عَدُوِّكَ وَتَمَامَ مَوْعِدِهِ إِيَّاك".
وفي يومك هذا من كل عام ترتفع رايتك فوق كل الرايات في جموع المؤمنين فيلتف حولها الموالون يذرفون العَبرة ويتفكرون بالعِبرة فتشفى صدورهم من أغلال الشياطين ووساوسهم، وتنقى عقولهم من الأفكار والثقافات الدخيلة، وتصلح سلوكهم من الانحراف والرذيلة.
إننا وفي يومك العظيم نعقد المجالس وننصب المئاتم ونقيم العزاء لكي نتذاكر ما حدث في كربلاء ولكن لا لكي نبكي لما جرى فحسب بل وأيضا لكي نستل منها ما يعالج واقعنا ويصحح مسيرتنا ويمنع فرقتنا ويشد من أزرنا أمام التحديات الكبرى التي تطل علينا من كل حدب وصوب.
أيها المؤمنون: إن السهام التي صوبت نحو الحسين وخيامه وعياله ما زالت تصوب على أمة جده وشيعته ومحبيه، وإن السيوف التي مزقت جسد الإمام الحسين وأصحابه ما زالت موجودة وهي تعمل ليل نهار لتمزق جسد هذه الأمة ولن تتردد في استخدام السهم المثلث لانتزاع روح وريح هذه الأمة.
وهنا ينبغي علينا أن نتذكر في هذا اليوم العظيم الآتي:
- أولا: التعدد والتكامل
يمتاز المجتمع الهادف الذي يحمل تطلعات نحو التقدم والازدهار عن غيره من المجتمعات بالحيوية والأمل، والنشاط والعمل بل واتقانه، مما يعطيه وفرة في الإنتاج ويسهل له السبيل نحو مقاصده، وهذا لا يكون إلا على أرضية التعدد المؤطر بالوحدة، فالتعدد يفرض حالة التنافس والتسابق في إنجاز المزيد من الأعمال كما وكيفا مما يقود إلى التقدم والازدهار، بينما الوحدة هو الإطار الذي ينظم العلاقة بين الفرقاء ويمنع من التصادم بينهم، والأهم من ذلك كله هو أن الوحدة توفر الأرضية المناسبة والمناخ الملائم بين مختلف المشاريع والأعمال بل والنظريات والأفكار لعلاقات إيجابييه تسير نحو التعاون والتكامل.
ومعنى التكامل هو: أن يقوم كل واحد أو مجموعة أو تيار بما يراه – في إطار الدين – ولكنه يفترض أن يكون ذلك مكملا للآخرين، وكذلك نظرته لما يقوم به الآخر حيث ينبغي أن يفترض فيها أنها مكملة لما يحمل من أهداف وما يتبنى من أعمال.
وبناء على هذا المعنى يكون من الخطأ الكبير أن يتصور أحد ما - شخص، أو مذهب، أو تيار، ومهما أوتو من قوة أو جاه أو مال – أنه الوحيد في ساحة العمل، وأنه الوحيد القادر على صنع المعجزات في الوسط الاجتماعي.
ثانيا: بين الشكل والمضمون
عاشوراء مناسبة يجتمع فيها الجميع بمختلف أطيافهم وفي بعض المجتمعات بمختلف مذاهبهم بل وأديانهم أيضا فهي مناسبة للم الشمل وتوحيد المظهر، وهذا أمر طيب ومطلوب ولكن الاكتفاء بهذا القدر يبتعد عن الأهداف المرجوة من إحياء هذه المناسبة العظيمة.
إننا نتطلع إلى الانتقال من المظهر إلى الجوهر ومن الشكل إلى المضمون والبحث في مفاعيل كل منها، ولا يكون ذلك بالخطب الرنانة والتلاوم وتعبئة الجمهور ضد المخالف لنا في الرأي بل بالعمل الجاد على ابتكار الأطر القادرة على مواجهة التحديات وتجاوز العقبات التي تقف أمام تنمية المجتمع وتقدمه وازدهاره.
أيها الأخوة المؤمنون: لا يجوز لنا أن نخرج من هذا اليوم ونحن كما كنا قبل هذا اليوم بل ينبغي أن نخرج بمشروع أو إطار، وهذه المسئولية ملقاة أولا وبالذات على رجال الدين ورجال الفكر والثقافة وعدول المؤمنين فهم الأمل وعلى أيديهم يكون العمل الخير إنشاء الله.
- ثالثا: فلنقلع الأشواك عن طريقنا
لقد أذاب السبط الشهيد بدمه الطاهر كل الفوارق وأزال كل المنغصات واقتلع كل الأشواك من طريق الموالين ونحن مدعوون اليوم للتصدي لزارعي الفرقة ومثيري الفتن ومؤججي الصراعات.
إن مجتمعنا والحمد لله تجاوز الكثير الكثير من المنغصات فالطائفية والقبلية والفئوية كلها أصبحت من الماضي وعلينا أن نمنع عودتها إلينا. إن من حق أبنائنا أن يعيشوا في بيئة سليمة بعيدة عن التشنجات، ومن حقهم أن يحصلوا على تربية لا ازدواجية فيها وهذا لا يكون إلا إذا التئمت المراكز التربوية والتعليمية، فالمدرسة والمنزل والمسجد والحسينية وغيرهم مراكز تبث النور والهدى وتعلم الخير والفضيلة وتربي على القيم والنبل والسلوك القويم، فلا مجال للظلمة والظلام في هذه المراكز، ولا يجوز بحال التناقض بينها بل المطلوب التعاون والتكامل.