فكوا حصرة المواطن !
شهدت المجمعات التجارية في المنطقة ازدحاما كثيفا غير مسبوق في مثل هذه الفترة الزمنية والأحوال الجوية المصاحبة لهطول الأمطار، لاسيما انها أيام تصادف وسط الأسبوع - أي ما في إجازة - والازدحام الكثيف ليس من النساء اللاتي يعشقن التسوق في جميع الأوقات، بل من النساء والرجال والأطفال والشيوخ، أي العائلة بأكملها وبمتعلقاتها من الخدم والحشم والسائقين، واللافت في الأمر ان اغلب المحلات مغلقة إلا المطاعم، والناس كلها مجتمعة طوابير طويلة وباحترام كل فرد يرفع قدما ويضع الأخرى على غير العادة، ليس لان رجال الأمن ينظمون الطوابير، بل لان الكل محتاج للوصول للموقع.
والعجب العجاب ان كل هذا الازدحام والطوابير ليس للتسوق أو التسلية أو الهروب من الأمطار، وإنما لدخول دورات المياه «الحمامات» – وللقارئ المحترم غاية الكرامة والتقدير - والازدحام طال دورات المياه في المستشفيات العامة والخاصة!.
لا تستغرب ولا تهز رأسك فأنت في دول الخليج الغنية التي تعتبر حلما للكثير من العرب والعجم للحصول على وظيفة وحمل الأموال التي تفيض من كل مكان، وهم لا يعلمون بان مياه الأمطار والصرف الصحي تفيض وتطفح فيها من كل مكان، وربما تكون نهاية حياتهم مع هطول مطر لمدة ساعة أو خمس ساعات وتجرفهم السيول ويكونون في خبر كان، كما حدث في مدينة جدة عروس الفساد والنسيان!.
للأسف الشديد ان اغلب دول الخليج ورغم ما انعم الله عليها من خير كبير، تعاني من أزمات ومشاكل عديدة، بسبب الفساد المتجذر، الذي أدى إلى ترهل الوطن وضياع حقوق المواطن وهدر المال العام وضعف البنية التحتية بل افتقادها، فأغلب الخليجيين الطيبين الذين يتعطرون بالعطور الفرنسية وبأفضل أنواع العود والبخور، ويصرفون أموالا طائلة لشراء الأرض وبناء حلم السكن، يسكنون في مناطق تفتقد للكرامة الإنسانية ومنها الصرف الصحي وتصريف الإمطار، وأحوالهم أحوال، وهناك أحياء لها أكثر من ثلاثين عاما على هذه الحال.
أحياء بعضها قام بقدرة قادر في وسط الأودية، وأحياء سمح للناس بالبناء بدون بنية تحتية..، عندما تسقط الأمطار تتحول تلك الأحياء إلى مستنقعات، وصناديق المجاري الداخلية في المنزل تتحول إلى نوافير تفوح منها الروائح الكريهة، ودورات مياه المنزل تتحول إلى طفح تفيض منها المياه وغيرها، يصعب دخولها واستخدامها لأنها تحولت عكس ما حدد لها.
البيارات امتلأت، وويتات الشفط مشغولة بشفط المياه من الأنفاق التي تحولت إلى برك سباحة الداخل فيها مفقود، ومن الطرق الرئيسية التي تحولت إلى بحيرات تعوم فيها السيارات.
لا تحزن ولا تضحك كل هذا ببركة التخطيط السليم والعلمي، لإنشاء مدن متطورة عصرية، والرعاية الكبيرة التي يحظى بها المواطن البسيط.
يا جماعة الخير، إن ما يقع في بلداننا مثل هذه الأمور شيء مخجل غير لائق لا دينيا ولا وطنيا ولا صحيا بل هو مشوه. الا يستحق المواطن الخليجي البسيط المحصور في زاوية ضيقة جدا يعاني بسببها من أزمات عديدة سياسية واقتصادية واجتماعية، أن ينعم بحياة أفضل تتناسب مع ما يملكه البلد من إيرادات وأموال طائلة، ومع ما يصرف من ميزانية على أساس إقامة مشاريع ضخمة، ولكن للأسف لا تشيد أو تشيد بمواصفات رديئة بسب الفساد الإداري والرقابة.
لا تلوموا الناس البسطاء المحصورين عندما يتزاحمون على دورات المياه في المجمعات والمستشفيات في طوابير منتظمة، لان الحاجة لها اكبر من الحرج لأنهم محصورون. يا سادة يا كرام- أيها المسؤولون- فكوا حصرة وحسرة المواطن على جميع الأصعدة، وأنقذوه من روائح الفساد والتهميش والحرمان القاتلة، واجعلوه يشعر بأنه أسعد إنسانا من حقه أن يعيش في وطنه محترما يحظى بكامل الحقوق، وان يكون شريكا فعالا في البناء.