دروس سويسرية مجانية

أ . بدر الشبيب *

صوت 57,5 في المئة من السويسريين يوم الأحد الماضي 29/11/2009 م لصالح حظر بناء المآذن في بلادهم، هذا التصويت أحدث خيبة أمل للكثير من المراقبين الذين كانوا يحسنون الظن بالساعة السويسرية وأن عقاربها لا تعود للوراء أبدا.

الدرس الأول: الخوف من أسلمة البلاد أو ما يسمى ( الإسلاموفوبيا) كان السبب الرئيس وراء هذا التصويت؛ مما يعني أن الرسائل التطمينية للمجتمعات الغربية بشأن الإسلام غير كافية أصلا، أو أن الرسائل المضادة كانت أكثر عددا وأبلغ أثرا. لا يكفي أن نقول للغربي إن الإسلام دين التسامح، بينما يشاهد أمام عينيه تفجيرات نيويورك ولندن ومدريد يقف وراءها مسلمون. ولا يكفي أن نتحدث له عن الحضارة الإسلامية وهو يرى واقعنا الإسلامي في غاية التخلف السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي.

الدرس الثاني: صحيح أن ما حدث يعتبر نكسة لحرية العقيدة والتعبير ولمبدأ التسامح وقبول الآخر في سويسرا؛ إلا أنه تم بطرق ديمقراطية وليس بمزاج حاكم أو مسؤول كما يحصل في بلدان العالم الثالث، حيث أطلق هذه المبادرة أعضاء في حزب الشعب السويسري اليميني المتشدد وحزب الاتحاد الديمقراطي وهم من المسيحيين الإنجيليين، تمكنوا من تجميع أكثر من مائة ألف توقيع ما سمح - حسب الدستور الفدرالي - بعرض المبادرة للاستفتاء الشعبي.

وهذا يكشف أن الدستور السويسري لا يشكل ضمانة كافية لحماية الأقليات، إذ قد تكون هذه الخطوة مقدمة لخطوات تالية، وهو ما أفصح  عنه بالفعل أحد نواب حزب الشعب قائلا: إن حزبه سيرفع من درجة الضغط داخل البرلمان لاتخاذ مزيد من الإجراءات لمواجهة ما وصفها بـ "الأسلمة الزاحفة" على المجتمع السويسري، معتبرا أن الزواج بالإكراه وختان الإناث وارتداء البرقع وغيرها على رأس قائمة الضغط، كما إن حزبه يفكر في العمل على حظر مقابر المسلمين.

إن التصدي لهذا لا يتم بالصراخ والعويل، بل بالطرق الدستورية أيضا عبر محامين دستوريين ومنظمات حقوق الإنسان، بالموازاة مع عمل علاقاتي وإعلامي ودبلوماسي مكثف يبعث رسائل تطمين قوية ومعبرة للشعب السويسري.

الدرس الثالث: هناك جانب إيجابي ينبغي التركيز عليه: فقد خرجت أصوات معارضة للمبادرة من خارج العالم الإسلامي أكثر منها من داخله، حيث حدثت معارضة شديدة من الحكومة السويسرية نفسها التي تتخوف من تأثير ذلك على التعايش السلمي وعلى الاتفاقيات الدولية التي وقعتها سويسرا مع المنظمات الدولية.

كما عارضتها معظم الأحزاب السياسية واتحاد رجال الأعمال، واتحاد الشركات، إضافة إلى معارضة من يسمون بمندوبي الاندماج باعتبارها تنتهك الحريات العامة وحقوق الإنسان.

وفي خطوة لافتة، أيد الفاتيكان إعلان الأساقفة السويسريين الذين اعتبروا تصويت مواطنيهم لصالح حظر بناء المآذن في بلادهم "ضربة قاسية لحرية المعتقد".

كما وصفت نافي بيلاي مسؤولة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان نتيجة التصويت بأنها "تمييزية"، مضيفة  أنها تضع سويسرا في حالة تصادم مع القانون الدولي، وأعربت منظمة العفو الدولية عن أسفها لنتيجة التصويت مشيرة إلى أن منع المآذن يمثل انتهاكا لالتزام سويسرا بحرية التعبير عن العقيدة.

كل هذا التعاطف الإيجابي ينطلق – كما نرى – من الإيمان بحرية المعتقد، وهو ما ينبغي البناء عليه للتصدي لنتائج التصويت، كما ينبغي أن يكون نموذجا يستفيد منه علماء الأمة ومثقفوها وإعلاميوها في اتخاذ مواقف مشابهة في أوطانهم حين تتعرض حرية المعتقد لطائفة من الطوائف للانتهاك، لا أن يقفوا موقف المتفرج.

الدرس الرابع: الاندماج الإيجابي الفاعل للجاليات الإسلامية في المجتمعات الغربية هو الطريق الذي يمكنه أن يسمح للآخرين بالاقتراب من واقع تلك الجاليات والتعرف عليها دون وسيط؛ أما العزلة خوفا من الذوبان فهي توفر أرضية خصبة للشكوك والهواجس والعلاقات الباردة أو المتوترة مع الآخر.

وكما ندعو المسلمين في الغرب للتواصل مع غيرهم، كذلك ندعو المسلمين جميعا، وفي أوطانهم، أن يؤسسوا للغة الحوار والتواصل فيما بينهم كي يكتشف كل منهم الآخر مباشرة ويتعرف على تطلعاته وهمومه.

انتهى الدرس يا ذكي..

أديب وكاتب وباحث في علوم اهل البيت عليهم السلام