في ضيافة رجل عابر للحدود
نلتقي هذه الليلة في ضيافة رجل تعود على العطاء العابر للقارات، رجل أمضى عمره الشريف متمحضا لله، يرى الخلق عيال الله، وإن أحبهم إليه أنفعهم لخلقه، وأحسنهم صنيعا إلى عياله، فأعطى من وقته وجهده وعلمه وفقهه وأخلاقه ما أعطى.
لقد كان بالفعل أمة في حركته ونشاطه وحضوره وفاعليته، كان بالفعل أمة لأنه لم يكن يفكر في أمة واحدة، بل كان يفكر في خلاص العالم كله، يقول في كتابه الصياغة الجديدة:
هذا الاجتماع الذي نعيش فيه يمرّ الآن بحالة الاحتراق، فهناك حروب، هناك ثورات، هناك جنون التسابق إلى التسلّح، هناك اللف والدوران والمكر والخداع والغش والاحتكار، والرأسمالية المنحرفة، والشيوعية الجنونية، هناك تمايز طبقات إلى حد أن بطوناً تتخم وبطونا تحرم، قسم يذهبون إلى القبور بسبب التخمة، وقسم يذهبون إلى القبور بسبب الفقر والجوع، هذا واقع الاجتماع الآن..
أما المستقبل فالاجتماع آخذ في طريق الوصول إلى نقطة النهاية والتحطم، حيث تفنى الحضارة التي وصل إليها الإنسان منذ قرون وقرون.. أليس ذلك دليلاً على انحراف الاجتماع وعدم تعقله، أليس هذا الواقع يلحُّ على عقلاء العالم للتفكير في كيفية العلاج والخلاص لكل العالم، لا لأمة خاصة أو مدينة خاصة أو جماعة خاصة أو ما أشبه؟..
هكذا كان هاجس الإمام الشيرازي إعادة صياغة العالم من جديد ليكون بحق عالم الإيمان والحرية والرفاه والسلام.
لقد كتب ثلاثيته التغييرية الهادفة إلى إعادة الإسلام المحمدي الأصيل إلى مسرح الحياة، فبدأ بالسبيل إلى إنهاض المسلمين وثنى بالصياغة الجديدة وثلث بطريق النجاة، كأنه مهندس بارع مشتغل بعمارة الإنسان لا عمارة البنيان.
كان أمة لأنه كان صاحب رؤية مختلفة، كان يدعو لطباعة ثلاثة مليار كتاب، ويعتبرها حيلة العاجز وأقل الإيمان لمن يريد إنقاذ المسلمين، وكان يرى أن الأرض – على خلاف ما يشيعه علماء الغرب والمؤمنون بنظرية مالتوس من ندرة الموارد وأنها أي الأرض بمواردها لا تتسع إلا لستة مليار فقط – فكان يرى أنها تتسع لتسعين مليار نسمة، وأن الحج يمكنه أن يستوعب خمسين مليون مسلما لا مليونين، وأن على العالم الإسلامي العمل على تحقيق حكومة الوحدة الإسلامية، حكومة ألف مليون مسلم.
كان بالفعل أمة لأنه خلف وراءه أمة من المؤلفات وأمة من المشاريع والمؤسسات وأمة من الفقهاء والعلماء والمفكرين والمثقفين.
إن علينا أن نطرح الإمام الشيرازي للعالم كأحد القادة الذين يفكرون ويسعون في خلاصه كله، ومن المجحف حقا أن نطرحه قائدا محليا لا يتجاوز حدود طائفته أو جماعته أو محلته.
فمع الرجل / الأمة نحيا هذه الليلة علنا نقتبس شيئا من نوره الذي سيغمرنا به من وراء الغيب، فهو حريص على الحضور معكم، كما كان حريصا عليكم طيلة حياته الشريفة.
أخيرا أتقدم باسم لجنة الذكرى السنوية بأم الحمام بخالص الشكر والتقدير لكم جميعا على حضوركم وتفاعلكم وعطائكم.