العلامة المصطفى : المحبة في آفاق علي عليه السلام
ضمن فعاليات برنامج منقذ البشرية الثقافي لشهر رمضان المبارك لعام 1430هـ والمقام في مسجد الرسول الأعظم بالدخل المحدود افتتح سماحة الشيخ حسين المصطفى حديثه بقول الله سبحانه وتعالى : ﴿ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ .
وأشار إلى أن هذه الآية الكريمة تعتبر من روائع القرآن الكريم ، حيث حدّدت أهمّ معالم الرسالة ، بل حدّدت أهم شي في الإسلام بل أهم شي عند الإنسان ، بل حتى في الوجود ألا وهو المحبة .
وركّز سماحته في موضوعه على المحبة ، وقال : بأن المحبة بروافدها الخيِّرة التي كتبها الله سبحانه وتعالى على نفسه عهداً منه لعباده حيث يقول سبحانه ﴿ كَتَبَ عَلَىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ﴾ ، وكررها سبحانه في آية أخرى ﴿ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ﴾ ، والذي يستوقف النظر حول هذا النص هو تفضّل الخالق لعباده بالرحمة الذي كتبها على نفسه بمحض إرادة وبمحض مشيئة .
ثم ذكر سماحته موقف النبي عندما يقف ليعلّم الأمة المحبة والرحمة حيث أنه لم يحدها بحد معين ، فقد علم الرسول إن هذه المحبة والرحمة وسعت كل شي ﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ ﴾ .
مشيراً إلى أن شعور الإنسان بهذه المعرفة تسكب في قلب المؤمن الطمأنينة إلى ربه ، وأن هذه الطمأنينة الموجودة في قلب الإنسان توقفه موقف الثبات والصبر والرجاء والأمل والهدوء ، وأن هذا الإنسان عندما يمرُّ بمرحلة الابتلاء وهو متيقن أن الرحمة تستوقفه في كل لحظة من لحظات حياته .
وتطرَّق سماحته إلى الحضارة الإنسانية التي تهيمن عليها الحضارة الغربية والمفاهيم الغربية في مفهوم الحب ، وقد أصبح ذلك المفهوم مفهوماً غريباً مجرداً من معانيه السامية ، أما علي حيث يأخذنا إلى مفهوم آخر للحب ، فيقول " فليكن أحب الذخائر إليك ذخيرة العمل الصالح " .
كما أكّد سماحته على أنه يجب علينا نزع الشر من صدورنا بل من مجتمعنا ، مستشهداً بقول الإمام " انزع الشر من غيرك بنزعه منك أومن صدرك " ، إذا أردت أن تنزع الشر من غيرك لا تقابله بالإساءة ، بل قابله بالحوار وبالكلمة الطيبة .
• قيمة المحبة :
أشار سماحة الشيخ المصطفى إلى أن الحب قيمةٌ أصيلة ، وهي من أعظم القيم التي تركها لنا الله سبحانه ، وهي ذخيرة من ذخائره تبارك وتعالى التي كتبها على نفسه ، فهي وحدها التي تقوّي روح التواصل ولحمة التضامن ، وتعطي بعداً وجدانياً لعملية التبادل .
فالتبادل الإنساني حينما يحب الفقير ، فإن عملية التبادل بينه وبين الغني تعتبر من أسمى رقي المحبة ، وهكذا أهل البيت فحينما نقرأ في سيرة الإمام الحسين أنه كان يختبئ وراء الحائط حتى لا يرى ذلّ السؤال على وجه الفقير ، لأن هذه المحبة في الله عزَّ وجل .
• المحبة في الديانات :
أشار سماحته إلى أن الديانات السماوية الثلاث بل حتى الديانات الوضعية الأرضية لا تخلو من إحدى إشارات المحبة :
• محبة الخالق لخلقه .
• محبة الخلق لخالقه .
• محبة البشر بعضهم لبعض .
فقد كانت الديانة المسيحية بما جاء به المسيح لها اعتباراتها القيمة في إشاراتها للمحبة ، حيث يقول الدين المحبة ، أو الله محبّه ،كما ورد في الإنجيل ، فقد شهد لهم بذلك الوحي المعصوم في كتابه الكريم ﴿ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ﴾ .
• المحبة في القران الكريم :
استشهد سماحته بقول الله سبحانه ﴿ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ﴾ وقال بأن هذا دليل على إثبات الحب ، وتتعلق بحب الإتباع ولها نظرية أخرى .
وفي أية أخرى يقول سبحانه وتعالى ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ ﴾ ، فهذا هو الحبّ القلبي الذي له المكانة السامية والدرجة الرفيعة بحيث يطوي صاحبه مقامات السلوك ، والسير إلى الله سبحانه طياً يروي قلوب العاشقين والمحبين .
ثم ذكر سماحته أمثلة على ذلك , فهذا جابر بن عبد الله الأنصاري حينما توجه إلى قبر الحسين فوقف على قبره قائلاً ، والذي بعث محمداً بالحق نبياً ، لقد شاركناكم فيما دخلتم فيه ، فيسأله عطية العوفي : كيف ولم نهبط وادياً ولم نعلُ جبلاً ولم نضرب بسيفٍ ، والقوم قد فُرِّق بين رؤوسهم وأبدانهم .., إلى آخر كلامه ، الشاهد أن جابر قال له : لقد سمعت حبيبي رسول الله يقول " من أحبَّ قوماً كان معهم ومن أحبَّ عمل قوم أشرِك في عملهم ، والذي بعث محمداً نبياً إن نيتي ونية أصحابي على ما مضى عليه الحسين وأصحابه " .
• أنواع الحب :
- الحب العمودي : حب الخالق لخلقه وحب المخلوق لخالقه .
- الحب الأفقي : محبة الإنسان لأخيه الإنسان .
النوع الأول الحب العمودي : حبُّ الخالق لخلقه وحب المخلوق لخالقه .
وأوضح سماحته في هذا الجانب عدة أمور :
- إن الله سبحانه وتعالى حينما خاطب نبيه محمدا ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ﴾ ، يريد أن يترجم هذا المعنى العملي للصلاة على محمد وآل محمد ، لماذا ؟ لأنها صلاةُ محبةٍ ، وليست مختصة بالإنسان ، بل محبة للكون جميعا .
- إن التسبيح حينما ينسجم مع الإنسان يكون تسبيحاً كونياً ، ألم يخاطب الله سبحانه داوود من خلال تسبيحه ﴿ يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ ﴾ حتى الجبال والطير تسبح بتسبيح الإنسان .
- إن التعصب في قلب المؤمن الخالي من المحبة قد يكون مؤمناً بالله ، ولكنه لم يعمر قلبه بالمحبة الله ، لأن التعصب ما هو إلا شقاءٌ إنساني .
- وصل الأمر بالمسلم أن تكون محبته لنفسه مشوَّهة ، بحيث يتصور أن ما يقوم به من نكران الذات بأن يقول : "لا أفهم شيء ..لا .. " بأن يكرر هذه اللاءات حيث يتصور أنها من نكران الذات ، بل هذه انتكاسة تنعكس سلباً على الحياة .
- إن هناك فكرة شائعة وليست فكرة عقلية ، إن محبة الذات ومحبتنا لأنفسنا تعني الأنانية بينما الحقيقة هي عكس ذلك ، الأناني هو من يكره نفسه ، لأن الذي يحب نفسه من مصلحته أن يجعل الآخرين محبين له ، فالإمام علي يترجم ذلك في وصيته للإمام الحسن يقول له " يا بني اجعل نفسك ميزاناً فيما بينك وبين غيرك ميزان في أعمالك .. كيف ؟ فأحبب لغيرك ما تحب لنفسك .
- إذن المحب الحقيقي لذاته لابد أن يحب الآخرين ومن دون محبة الذات لا يمكن للإنسان أن يحب الحياة ، فالمحبة هي أساس المجتمع .
- إن الله سبحانه إذا أحب عبداً أمنه ، وهو القائل ﴿ يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَٰنِ وَفْدًا ﴾ فالله سبحانه وتعالى يجعل المتقي في الدنيا يعيش الأمن والطمأنينة ولا يعيش الخوف .
- الفرق بين المحبة والتملُّك ، أن المحبة حينما تصل إلى حد التملك تكون هذه المحبة غير منفتحة على البشر بشكل سوي ، فالذي يغار عليك ويبتغي إبقاؤك حكراً له لا يمكن أن يحبك بل يبتغي امتلاكك ، إذن من لديه محبة الإنسان عليه أن يحب الإنسان ليس من طرف واحد إنما يحب الإنسان ليجعل منه منهجاً ودعوة الطرف الآخر .
- من يحب عليا فقد أحبه الله وأحبه رسوله ، لأن عليا هو الذي أحب الله وأحب رسوله ، أما الذين أبغضوه ونكروه وابتعدوا عنه لم يلتقوا بالله عز وجل .
- كان الإمام علي على جلالة قدره ومكانته وعظيم خطر منزلته المتواضع لله ، فقد التقى ذات يوم قوماً مدحوه فقال " اللهم إنك أعلم مني من نفسي وأنا أعلم بنفسي منهم ، اللهم اجعلني خيراً مما يظنون واغفر لي ما لا يعلمون " وإن هذه الجوانب من شخصية الإمام حببت كثيراً من الأدباء والمفكرين المسيحيين وغيرهم .
• في الختام
أشار سماحته في ختام محاضرته أن أمير المؤمنين في آخر حياته جمع بنيه وأهل بيته وهو مسجى ، وأراد أن يختم حياته في آخر وصية لولديه ويذكرهم حيث قال " وأوصيكما وجميع ولدي وأهلي ومن بلغه كتابي بتقوى الله ونظم أمركم وصلاح بينكم فأني سمعت جدكما ( ص ) يقول " صلاح ذات البين أفضل من عامَّة الصلاة والصيام " الله في الأيتام فلا تغبُّوا أفواههم ولا يضيعوا في حضرتكم .. وذكر الكثير من الوصايا منوهاً بأن كل ذلك كان محبة في الله ومحبة في خلقه .