صور للفاجعة "الجهرة" ليست للنشر!!

علي آل غراش *

نار..نار..نار هي الكلمة الوحيدة التي تخترق الآذان وتثير الرعب في القلوب، أصوات ترتفع، صراخ..، تدافع..، اصطدام..، تعثر..، سقوط على الأرض، دهس بالأحذية المدببة وبالأقدام الحافية..، استغاثة..، ضلوع تتحطم وعظام تتكسر..، دماء وقتلى، هذه تنادي أمي وهذه تنادي ابني.. بنتي، وهذه تنادي أختي. النار تلتهم الثياب الأنيقة المزينة المزركشة السريعة الاشتعال فتلتصق الثياب بالأجساد الرقيقة الناعمة بشكل سريع جدا فيشتد الصراخ من شدة الألم، فتحاول الفتاة أن تنزع الثوب فتحترق يدها المزينة بالحناء فيزداد الصراخ من الوجع، تبحث الضحية عن مخرج لا ترى سوى النار يملأ كل مكان، بل السماء بدأت تمطر نارا ومواد اشد حرارة من النار انها مادة النايلون (المادة الأساسية للخيمة) التي بدأت بالذوبان والسقوط على أجساد الضحايا من النساء والأطفال، نساء استطعن الخروج سالمات من الخيمة المحترقة ولكنهن عدن بسرعة لأنهن سافرات بزينتهن وجمالهن فأكلتهن النار، في زاوية من الخيمة هناك جسد متفحم يغطي جسدا صغيرا انها محاولة لأم لحماية طفلها الصغير من النار، كيف تحملت الأم آلام النار وهي تشم رائحة شي الأجساد؟! تصرخ ولكنها تقول «ولدي ولدي» فماتت وهي تحمي ابنها الذي فارق الحياة بين يديها، طفلة صغيرة رضيعة سقطت على قدميها الصغيرتين قطعة من النار فأخذت تأكل في قدميها الناعمتين وهي تصرخ من شدة الألم ولكن لا من مجيب فالأم بقربها ممدة متفحمة، وبالقرب منها شابة عاشقة للحياة والجمال ممدة بكامل زينتها فاقدة للوعي والنار تشوي أطرافها، أشلاء تتساقط وتتناثر أثناء عملية الإنقاذ لأنها لحوم مستوية، البيوت المزينة بالمصابيح والزينة أصبحت مليئة بالصراخ والألم والفجيعة، وخالية من الأحبة، الأم، الأخوات، الأطفال، انها محاولة لتصوير ما حدث داخل خيمة الزفاف في الجهراء وما حدث بعدها، التي كررت حادثة عرس القديح الدامي سنة 1999م.


ما حدث في خيمة الزفاف في الجهراء يذكرني باللحظات الأليمة المفجعة التي عشتها في حادثة القديح بالقطيف، والشيء الذي يؤلمني كثيرا ويفتح جروح المصيبة من جديد، رؤية بعض الشباب الذين كانوا أطفالا أثناء وقوع الحادثة وكتبت لهم الحياة ولكن بأي حال هم الآن، بعضهم بدون أطراف حيث النار أكلتهم في الحادثة، والبعض بدون أم!.


ليس هناك أكثر ألما ورهبة وآثارا سلبية من النار، ولهذا اتخذها الله عز وجل وسيلة لتحذير العباد، ولزرع الردع والخوف والرهبة في قلوب من يفكر بالاعتداء، ووسيلة لمعاقبة المعتدين والمجرمين والظالمين يوم القيامة.


لم تنته الفاجعة بإخماد النار، وإنما بدأت معها مرحلة اكتشاف المصاب والفاجعة، ومع نقل الضحايا والمصابين للمستشفيات بدأت معاناة المرضى والأهالي والتعايش مع حالات لا يمكن شفاؤها، ولهذا ينبغي في هذه اللحظات التعامل مع الحادث والمصاب بأنه حادث الجميع، وان يقف الجميع مع أهالي المصاب والتخفيف عن المرضى، وإعطاء البعد الإنساني للحادثة والأولوية وعدم الانشغال بالأمور الأخرى واستغلال الوضع، فمن مات فهو قد ذهب إلى رحمة الله الواسعة، ولكن هناك حالات تموت في كل لحظة، حروق من الدرجات العالية أطراف احترقت صعب أن تعوض، وحالات نفسية صعبة لمن شاهد الحادثة، وبالخصوص الأمهات اللاتي شاهدن رؤية أطفالهن يموتون حرقا، أطفال سيخرجون من هذه الحادثة أيتاما بذكريات أليمة، أهالي الضحايا منذ وقوع الحادثة وهم يعيشون أوضاعا سيئة جدا ومنهم من لم يستطع النوم، هذه الأمور تحتاج إلى الاهتمام.


بعد التفكير وإنهاء الحالة الإنسانية لا بد من محاسبة المسؤولين من جميع الجهات، فما حدث كارثة إنسانية، وهناك تقصير، فمن المؤلم أن يحدث هذا الحادث في دولة تنعم بالخير الكثير، اذن من المسؤول عن نقص الثقافة والوعي بالسلامة لدى شريحة كبيرة من المواطنين، اين دور الجهات المسؤولة عن السلامة في استخدام الخيام ومنع استخدام المواد القابلة للاحتراق، لماذا لم تتم الاستفادة من تجارب الآخرين من الحوادث المفجعة التي حدثت في الدول المجاورة. هل ننتظر حدوث الكوارث وسقوط القتلى في بلادنا كي نضع الخطط المناسبة؟.


نتقدم بأحر التعازي والمواساة إلى أهالي الضحايا والمصابين ولجميع الشعب الكويتي، سائلين العلي القدير أن يتغمد الموتى بواسع رحمته، وان يشفي المصابين. (إنا لله وإنا إليه راجعون).

كاتب سعودي