سياسة الماعز والخروف....!!
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين ، ... وبعد ،،،،
كما يقال....! الأمثال تضرب ولا تقاس ، وهنا نتطرق لأحد الأمثال القديمة الذي اختفى من قاموسنا مع التطور الزمني : ((الصخله تعيب على النعجة)) ، يتلخص هذا المثل في التالي: أنه عندما قفزت أحد النعاج من القطيع عابرة النهر ارتفع كفلها فانكشفت سوءتها ، وإذا بالصخلة تتمردغ وتتقهقه بصوت مرتفع ضاحكتا بأعلى صوتها ...!!! وهي تشير قائلة .... لقد انكشفت سوءتها أنظروا...أنظروا وهي تشير إلى النعجة.....!! ، واستمرت بهذه الوتيرة متمادية بضحكاتها المرتفعة وتعابيرها الساخرة ، وكذلك تعييرها على تصرف النعجة ، المؤسف انه غاب عنها أنها مكشوفة على الكل ، وبشكل كلي ولا تملك ما يسترها عن الناظر ، وتغاضت عن هذا كله ولم تنظر إليه وتحسب له حسابه ، بل نظرت لانكشاف الغير في هذه المدة المؤقتة والمحدودة التي لا تكاد تذكر.
وهذا تماما ما نحن فيه اليوم ، ننتقد سياسات الدول الديمقراطية المتقدمة ، والتي قطعت شوطا طويلا ومحترما في هذا المجال ، ونحلل أساليبها وبرامجها وطرقها المختلفة ، ونحن أبعد ما نكون عن الديمقراطية ، بل الديمقراطية تعتبر نهج غريب عن سياساتنا وحياتنا ، وهذه المنطقة لم تعي الديمقراطية في يوم من الأيام ، أو تراها حلما جميلا قادم لها ، يخافون من التعامل معها خوفا من نشر عدواها على شعوبهم ، فأصروا على تربية أجيالهم على نهج الرعب والخوف والسيطرة البيروقراطية ، وكذلك التعامل مع المعارضين لها بسلطة الحديد والسيف المسلط على رقابهم ، المعارض أو الإصلاحي في هذه المنطقة خارج على القانون ، لا يمكن التقرب منه أو القبول به أو الاستماع إليه ، وكأنه مصاب بداء معدي لا علاج له وعلاجه الوحيد هو الحجر ، وابسط التعامل معه سياسة اضرب... ثم أضرب... ثم اضرب... بعدين افتح نص اذنك لتسمع له ، أي بعد فوات الأوان وانهياره أو استسلامه بعد تخرجه من مدارس الحجر ، وهذا النهج المتخلف ما أعادنا سنين إلى الوراء......
الديمقراطية التي يسعى إليها الشعوب ويبحثوا عنها ليست ديمقراطية أميركا أو سياستها الظالمة ، تلك الديمقراطية التي أرادت وما زالت تخطط لتنصيب إسرائيل أميرا على المنطقة ، وأن بيدها العصا السحرية التي يمكن بها تركيع الشعوب واستعبادها ، وليست ديمقراطية الشاي كما حدث في حرب لبنان ، التي ظاهرها يخالف باطنها بالعكس تماما ، وهي السياسة الواقعية والسائدة في المنطقة ، وإنما يبحث الشعوب عن ديمقراطية إعطاء الحقوق الضائعة ، تمثيل حقوقهم القانونية في بلدانهم ، تمثيلهم السياسي حسب نسبهم في دولهم ، التعامل معهم كشعب وأبناء لوطنهم من دون التمييز بينهم وبين الآخرين وكأنهم أبناء ضره ، حرية مزاولة معتقداتهم بعيدا عن العجرفة التسلطية ، الاستماع إلى مطالبهم الإصلاحية بروح الأب لأبنائه ، التعامل مع علماء الدين والمفكرين بالاحترام والتوقير بدلا من ملاحقتهم وزجهم في السجون ، دعم آراء وأفكار المتطلعين لدور أفضل في تطوير مجتمعهم والرقي به.
تكررت هذه المقولة عند الكثير من المفكرين وهي قول (أن العرب لا يجيدون التفكير) ، بصراحة أخالف من يقول هذه المقالة ، وأقول أن العرب لديهم قدرة هائلة على التفكير والتغيير للواقع إن رغبوا في ذلك وتركوا العمالة والخنوع ، حتى لو كان التغيير مرا في واقعه كما نعيشه ، الغريب أن العرب ألزموا أنفسهم باتفاقات وتعهدات لدول أخرى جل مصلحتها ضدهم وتعود مصالحها لعدوهم وليس لهم ، التزموا بها وألزموا بها أنفسهم حتى مع علمهم بأنها بعيدة كل البعد عن تحقيق أدنى مصلحة لأوطانهم ومجتمعاتهم ، بهذا أجبرتهم هذه الاتفاقات مع استئناسهم على هذا الإجبار..! أو العمالة لهذا الإجبار على الاستمرار حتى لو كان معيبا عليهم ، من هنا نقول لو فكروا في ما مضى تفكيرا سليما ، وعملوا سياسيا ليتحرروا من هذه الالتزامات الغير نافعة ، واستحضروا الماضي وأخطاءه وعملوا على إصلاحها ، لارتقوا بهذا إلى صفوف المصلحين الحقيقتين الذين حفظهم التاريخ وذكرهم في صفحاته البيضاء ، وارتفعوا شأنا في نفوس شعوبهم ، وتعززوا بالفخر والثناء ، بدلا من الذلة والعار ، وحققوا الكثير الذي عجز عنه غيرهم.
الديمقراطية المقصودة والمطلوبة للمنطقة هي إصلاح شامل لسياسات دول المنطقة العربية مع شعوبها ومجتمعاتها أولا ، ومن ثم مع الدول المجاورة لها حتى تهنئ بحرية العيش مع بعضها البعض من دون هذه النعرات المذهبية والعنصرية ، وهذا النهج بذاته هو طريق مزدهر بنور الحرية للمنطقة بأكملها ، ثانيا: توحيد الفكر السياسي والعقائدي لمعرفة العدو الحقيقي المتربص بالمنطقة ، وعدم الاستخفاف بعقول شعوبهم وتظليلهم لتغطية الأخطاء الفاسدة والمفسدة المقصودة من الماضي والاستمرار عليها ، ثالثا : التعامل مع إسرائيل على أنه كيان غاصب .. محتل .. مجرم ويجب التعامل معه على هذا النحو ، وعدم دعمه على العرب واستعماله بعبع أو كابوس مخيف لتخويف الشعوب ، مع اتخاذه وسيلة لتمرير المخططات المشبوهة لضرب وإفشال المصالح العربية الموحدة ، وتشتيت الفكر العربي وإشغاله ببعض الفتن المذهبية والعنصرية والقومية.
اليوم بفضل الله وتوفيقه الخوف من هذا الكيان كعذر قد انتهى أمره ، الذي كان في يوم من الأيام رعبا وكابوسا مخيفا مسلطا على رقاب العرب ، قد انفضح بتوفيق الله سره وأمسى حديث الماضي ، وهو يعاني من هذا الإنهيار كل ذلك بفضل بضعة من المجاهدين البواسل الذين كسروا هذه الأسطورة التي لا تقهر وعروها على الملأ ، على العرب أن يفكروا مليا في هذا الحدث ثم يستفيدوا من هذه التجربة وأن يعمموها على شعوبهم لمواجه هذا المد الصهيوني الخبيث الذي إبعاده لا حدود لها ، وأخص جيران هذا الكيان ومن يعطيها الأولوية على شعبه وعروبته ، كي ترتدع في تصرفاتها المتعجرفة والمتغطرسة تجاه جيرانها والمنطقة.
صحيح أن المنطقة مرت وتمر بفترات عصيبة وغير متوازنة في مختلف اتجاهاتها ، لكن آن الوقت لأن تتصالح مع نفسها وشعوبها ، وتوحد سياساتها و صفوفها تجاه العدو الحقيقي المتغطرس وليس الوهمي الذي تريده أميركا ، واستخدام الهوية العربية مع التعددية الفكرية والعقائدية سياسيا ، والتعامل باحترام مع الرأي المخالف ، وعدم استخدام الفكر الأحادي المتغطرس الذي هو أساس ومصدر هذا القلق والتشتيت الذي نعيشه.
هذا والله ولي التوفيق