لسماحة العلامة الشيخ عبد اللطيف الشبيب أعلى الله مقامه
كتاب الصوم أدابه وأحكامه
تمهيد العلامة الشبيب أعلى الله مقامه
للطبعة الأولى من كتاب الصوم آدابه واحكامه
بناءاً على ما قرّره الفقهاء في علمي الكلام والأصول فإن الله سبحانه وتعالى حينما يأمر بشيء أو ينهى عن آخر فإن ذلك كاشف عن مصلحة في نفس الفعل أو الترك تعود على المكلّف ، وهو ما عبّر عنه الفقهاء بتبعية الأحكام للمصالح والمفاسد ، وذلك نابع من عقيدتنا في أن الله ـ جل وعلا ـ هو الغني المطلق الذي لا يحتاج إلى طاعة مطيع ولا تضرّه معصية عاصٍ ، وقد قال أمير المؤمنين ( إن الله خلق الخلق حين خلقهم غنيّاً عن طاعتهم آمناً من معصيتهم ، لأنه لا تضرّه معصية من عصاه ولا تنـفعه طاعة من أطاعه ) فحين يأمر الله بفعل أو ينهى عن آخر فإن ذلك يعود لنفع العباد ومصلحتهم رحمةً من الله لهم ولذلك خلقهم .
كما أن من مظاهر رحمة الله وكمال إعتناءه بعباده أن أرسل إليهم رُسُلاً وشرع شرائع تنفع العباد في حياتهم الدنيا ثم يثيبهم عليها في آخرتهم تفضلاً منه وكرما .
بيد أن تعامل المكلّفين مع الأوامر والنواهي الشرعية تارةً يكون أداءاً لمجرد إسقاط الواجب دون إعتناء لما وراء ذلك ، وأخرى لإدراك المصلحة ، إعتقاداً من المكلّف بالنفع العائد عليه من هذا الفعل ، فلو أخذنا الصلاة المأمور بها شرعاً ـ كمثال ـ نجد أن النص القرآني يأمر بالصلاة لأنها تنهى عن الفحشاء والمنكر ، فيكون الانتهاء عن الفحشاء غايةً وهدفاً من وراء الأمر بالصلاة ، في حين ينقسم المكلّفون تجاه هذا الأمر إلى قسمين ، فقسم يؤدي صلاته أداءاً إستخفافياً ـ كنقر الغراب ـ من أجل التخلص من عبء الواجب فقط ، مع ملاحظة أن صلاته قد تكون تامة الأجزاء والشرائط ، محكومة بالصحة من ناحية فقهية إلاّ أن الحكم بالصحة شيء وقبول العمل شيء آخر ، فليس هناك تلازم بين الصحة والقبول .
بينما يؤدي القسم الآخر صلاته ملتفتاً إلى الغاية المرجوّة منها حرصاً منه على قبولها من جهة ، وإدراكاً للغاية المرجوّة من الأمر بها من جهة أخرى .
من هنا كان تعامل النمط الأوّل مع الواجب تعامل من يتصور الواجب ثقلاً على كاهله يود التخلص منه بأي طريقة ، بل ويبحث جاهداً عن الطرق الالتفافية لإسقاط الواجب ، في حين أن تعامل النمط الآخر يعتمد على فهم المقصد الشرعي وإدارك المصلحة والمكلّف فيه يبحث عن أحوط الطرق بل وأعسرها في الإيصال إلى المطلوب .
والملاحظ لسيرة النبي وأهل بيته يدرك أن تعاملهم مع الأوامر الإلهية يرتقي إلى خطٍ أسمى من الخط الثاني ، هو خط الأولياء والصدّيقين العارفين مقام عبوديتهم المدركين لمقام ربهم ، فهذا رسول الله يقوم الليل حتى تتورم قدماه وينزل عليه الوحي ﴿طه ، ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ﴾ وحين يسأله البعض عن سبب إلتزامه المشقة والنصب في أداء الأمر الإلهي وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، يجيب قائلاً : أفلا أكون عبداً شكورا .
نعم فتلك عبادة الأحرار الذين يعبدون الله سبحانه وتعالى لأنه أهل للعبادة وبغض النظر عن وجود الثواب والعقاب ، وهي عبادة أرقى من عبادة التجار الذين يعبدون الله طمعاً في ثوابه وعبادة العبيد الذين يعبدون الله خوفاً من عقابه فهي من هذه الزاوية تختلف عن عبادة القسم الثاني الذين يؤدون الواجب لإدراك المصلحة العائدة عليهم من وراءه .
وحين نتحدث عن صيام شهر رمضان كواجب إلهي لا يخرج الحديث عن الإطار المتقدم ، فتارةً يصوم الإنسان من أجل إسقاط واجب الصوم إعادةً وقضاءاً وثانية يصوم لكي يدرك الغاية المترتبة على الصوم في قوله تعالى ﴿يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كُتِبَ عَلَى الذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ وثالثة يصوم صوم الأولياء إمتثالاً لأمر الله وكفى .
وإذا لم يستطع الإنسان منا الإرتقاء بنفسه إلى المقام الثالث فليحاول جاهداً الإلتزام بالنمط الثاني في أداءه لواجب الصوم ، ونعني بذلك أن يصوم مدركاً للغاية التي من أجلها شُرّع الصوم وليحاول الخروج من هذا الشهر بنفس تقية ، وقلب طاهر من الآثام والموبقات ، لا أن يصوم لمجرد التخلص من ثقل الواجب ، إذ لا يناله ـ حينذاك ـ من صيامه سوى الجوع والعطش .
ويبقى شهر رمضان باباً من أبواب الرحمة الإلهية فتحه الله لعباده وقد ورد في الروايات أن الله سبحانه وتعالى يعتق في كل يوم منه ألف ألف رقبة من النار ، فهو محطة من محطات التزود بتقوى الله إلاّ أن ذلك يعتمد على نوع التعامل مع هذا الواجب
عزيزي القارئ الكريم بين يديك الطبعة الثانية من كتاب الصوم أدابه واحكامه بعد إضافة رأي
سماحة آية الله العظمى السيد محمد تقي المدرسي دام ظله وسماحة آية العظمى السيد صادق الشيرازي دام ظله .
يمكن الحصول على نسخة الكترونية من الكتاب عبر مكتبة مزن
( كتاب الصوم )