التزود في الحج
حينما يريد الإنسان السفر ويكون للجهة التي يقصدها عدّة طرق فإنه يختار الطريق الأسهل و الآمن من حيث السعة و القرب و كثرة محطات الوقود إلى غير ذلك ، كذاك حياتنا الدنيا فما هي إلا طريق سفر للآخرة و الدار الأبدية ، و من رحمة الله تعالى بنا أن جعل طريقنا للآخرة مزوّد بمحطات كثيرة نتزود فيها و نتذكّر ، في مقابل إبليس لعنة الله عليه ، ﴿قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴾ فرجب محطة إيمانية ثم شعبان ثم المحطة الرئيسية شهر رمضان ثم بعدها الحج ﴿فالعشر الأوائل من أيام شهر ذي الحجة هي الأيام المعلومات المذكورة في القرآن الكريم و هي أيام فاضلة غاية الفضل، و قد روي عن الني ما من أيام العمل فيها أحب إلى الله عز وجل من أيام هذه العشر﴾[1] ومن وفق في هذه الأيام لحج بيت الله الحرام فطوبى له ، فالحجاج هم وفد الرحمان و في ضيافته فلنستمع بعض ما يقوله المعصومون في شأنهم قال رسول الله (وفد الله ثلاثة : الحاج و المعتمر و الغازي ، دعاهم الله فأجابوه ، و سألوه فأعطاهم ) . وقال الإمام الصادق : ﴿ الحاج و المعتر وفد الله ، وحق على الله تعالى أن يُكرم وفده ويحبوه بالمغفرة ﴾[2] و عن أمير المؤمنين علي :﴿ و قد نظر إلى قطار جمال للحجيج فقال : لا ترفع خفاً إلاّ كتبت لهم حسنة ، و لا تضع خفاً إلا محيت عنهم سيئة ، و إذا قضوا مناسكهم قيل لهم بنيتم بناءً فلا تهدموه ، و كفيتم ما مضى فأحسنوا فيما تستقبلون ﴾[3] وقال علي بن الحسن : ﴿ حجوا و اعتمروا تصح أبدانكم ، وتتسع أرزاقكم ، وتكفون مؤونات عيالكم ﴾[4] و في وصية أمير المؤمنين حين وفاته ﴿ الله الله في حج بيت ربكم ، فلا يخلونّ منكم، فإنه إن يخلو منكم لم تناظروا ﴾و عن أبي عبد الله قال: ﴿و إن الله ليدفع بمن يحج من شيعتنا عمّن لا يحج منهم ولو أجمعوا على ترك الحج لهلكوا﴾[5]
وأقل ما يرجع به الحاج هو أن يحفظ في أهله و ماله فعنى معاوية بن عمار قال: قال أبي عبد الله الصادق : ﴿ الحاج يصدرون على ثلاثة أصناف ، صنف يعتق من النار ، وصنف يخرج من ذنوبه كهيئة يوم ولدته أمه ، وصنف يحفظ في أهله وماله ، فذلك أدنى ما يرجع به الحاج ﴾.
وفي عرفة الفرصة الإلهية العظمى بعد ليلة القدر ففي الرواية ﴿ من لم يغفر له في شهر رمضان لم يغفر له إلى قابل إلا أن يشهد عرفة ﴾ .
و عن أبي عبد الله قال : قلت : أي أهل عرفات أعظم جرماً ؟ قال : المنصرف من عرفات و هو يظن أن الله لم يغفر له ﴾6 لكن ينبغي للحاج أن يعقد العزم على التوجه إلى الله بنية خالصة ويترك سفاسف الأمور في مثل هذه الأماكن فمن حديث الإمام الصادق عن عرفة : ﴿ و تعوَّذ بالله من الشيطان فإن الشيطان لن يذهلك في موضع أحب إليه من أن يذهلك في ذلك الموضع ، و إياك أن تشتغل بالنظر إلى الناس و أقبل قِبَلَ نفسك ﴾7 فالشيطان في ذلك اليوم ضعيف حقير فعن النبي أنه قال : ﴿ مارئي الشيطان في يوم أصغر ( و لا أدحر ) و لا أحقر ولا أغيظ منه (في) عرفة ﴾8
لكن ليحصل الحاج على أفضل النتائج ويرجع بأكبر غنيمة فلا بد من تهيئة بعض الأمور و المقدمات قبل الحج :
1- طهَّر أمواك من حقوق الناس عليك ، وردّ إلى من تعرف منهم أن له عليك حقاً ما يستحقه، فإن لم تكن تعرفه فتصدق عنه بما
في ذمتك له .
2- أنظر هل في ذمتك من حقوق الله شيء ﴿ زكاة أو خمساً أو نذراً ﴾ فأدَّ حقوق الله لمستحقيها قبل أن تزور بيته و تبتغي مرضاته
وقبول توبتك إليه .
3- ابحث عن أفضل الرفاق للسفر ، فانتخب أحسنهم خلقاً وأتمّهم فقهاً و أتقاهم عملاً .
4- تفقه في أحكام الحج و تعرف على فضيلة البيت الحرام والمسجد النبوي الشريف وآداب السفر إليها لكي تكون على بصيرة
تامة بها .
وفي الحج من المحتمل أن تكون على الحاج صلوات قضاء فائتة في طول حياته ، فعليه أن يبادر إلى إقامتها في رحاب البيت، و ليعلم أن الركعة الواحدة في المسجد النبوي تعادل ألف في غيره وفي المسجد الحرام بمأة ألف ، فلا يفوته هذا الثواب العظيم ﴾9 قال الإمام الصادق : ﴿ الحاج لا يزال عليه نور الله مالم يلم بذنب ﴾ 10
أما من لم يوفَّق للحج فلكي يشارك الحجاج في ثوابهم ﴿ يصلي بين فرضتي المغرب والعشاء في كل ليلة من ليالي العشر الأولى من ذي الحجة ركعتين يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب و التوحيد مرة واحدة و هذه الآية (﴿وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ﴾ 142 سورة الأعراف
اسأل الله أن يوفقنا للتوبة و أن يقبل توبتنا و يرزقنا
ثواب الحجاج إنه على كل شيء قدير .