استهلالُ عليٍ في الكعبة
الحديث عن الشخصيات التي لها بُعد معنوي في مستوى عالٍ ليس بالأمر السهل، إذ أنّ هذا النحو من البُعد اللا مادي يأخذ طابع الثبات في شخصية المتصف به من جهة وعنصر التأثير فيمن يتعرف على تلك الشخصية من جهة أخرى، وهذا التأثير شمولي، يستوعب العقل والمشاعر، فتقف مبهوراً أمام ذلك الإنسان الكامل في العلم والعمل، الذي كان إماماً وعلياً، فالله نصَّ على إمامته ليرفعه مكاناً علياً، وهو باستعداده وأخلاقه وسلوكه ارتفع عالياً فاجتمع الوصف والموصوف في شخصه، ليتشكل إنساناً كاملاً، يُبهر العقول ويأخذ بالمشاعر، من يحاول جاهداً التعرف عليه، أول ما يُلقى في روعه هو أن يتوجه تلقاء نهج البلاغة، عسى أن يتعرف على صاحبه، فيشحذ همته متنقلاً بين كلماته وخطبه وتوجيهاته، ليحاط بماء اللفظ فيغرق فيه قبل أن يصل إلى المعنى، وإن وصل إلى بعض المعاني أخذته بعيداً في بحرٍ من السعة والشمولية في تعدد المعاني، فتنزل به إلى عمق دلالي ليقف عاجزاً عن وصف ما جرى لك وتقول: أمير الكلام، ولو حاولت قراءته في علومه وأخلاقه وسلوكه فالعجز في نهاية المطاف حليفك، وسوف تكرر أيضاً: هو أمير ذلك كله، وهذا الكمال الإنساني في شخصه استوعب وتجاوز عقول البعض فما أمكنه الوصول إلى فهم ٍصحيحٍ واعٍ، أدى بهم أن يرفعوه إلى مستوى الإله المعبود، ونفس ذلك الكمال تحول لدى البعض إلى عداء وبغض مستحكم، يُنزله عن مقامه الرفيع ليعتبره خارجاً عن الدين، يقول الشيخ الوائلي[1] :
|
وفي المقابل هناك من نفى عنه كلتا الرؤيتين المتناقضتين ليصوره إنساناً كاملاً بما تحمله هذه الكلمة من سعةٍ، استناداً للنصوص الواردة في حقه، والتي تبين منزلته وفضله وعلمه وكل شؤونه وخصاله المتعددة، التي من الصعوبة بمكان أن تجتمع في شخص واحد، قال السيد صفي الدين الحلي:
|
هذه محاولة تعرّف وتعريف بهذه الشخصية، ولا أجزم بأني وفقت في ذلك، لأن معرفته التامة بكامل حدودها وسعتها ليست متاحة لكل الناس، لأنّ الكامل لا يعرفه حق معرفته إلا كامل مثله.
- الولادة في الكعبة.
ومادام الحديث حول التعرف على الإمام فسوف نبدأ بمحاولة لفهم هذه الشخصية من بِدء مجيئها إلى هذا العالم وولادتها، لأنّ هذه النقطة هي مفتاح باب الدخول إلى عالم هذا الإمام العظيم بشكل تدريجي، ومحاور هي إثبات الولادة في الكعبة من خلال النصوص وأقوال العلماء.
- ولادة الإمام علي عند الإمامية.
ولادة الإمام علي حدث كبير يتطلب دراسته على مستوى النصوص التأريخية والروايات الشريفة المروية عن النبي وأهل البيت وأقوال العلماء، فالشيعة وخصوصاً الإمامية تتبنى كون الولادة في الكعبة أمراً ثابتاً دون شك، ولم يولد أحد ٌقبل الإمام ولا بعده فيها، بل هي من مختصاته وفضائله، وهذا ما أكده العلماء، قال الشيخ المفيد في الإرشاد:«لم يولد قبله ولا بعده مولود في بيت الله سواه، إكراماً من الله جلَّ اسمه بذلك، وإجلالاً لمحله في التعظيم، وقال الشريف المرتضى في شرح القصيدة البائية للحميري: لا نظير له في هذه الفضيلة، وكذلك شيخ الطائفة الشيخ الطوسي في التهذيب، قال الشريف الرضي في خصائص الأئمة:«لم نعلم مولوداً في الكعبة غيره»، وقال صاحب مجمع البيان في إعلام الورى: «لم يولد قط في بيت الله تعالى مولودٌ سواه لا قبله ولا بعده»، ونصَّ العلامة الحلي في كتابيه كشف الحق وكشف اليقين على أنه لم يولد أحدٌ سواه فيها لا قبله ولا بعده.
- وليد الكعبة لدى أهل السنة.
وأما الأخوة من أهل السنة فالبعض منهم ينكر أصل الولادة في الكعبة، والبعض الآخر ينكر كونه أول مولود فيها باعتبار أنّ هناك من سبقه إلى الولادة، وهناك من يرى ولادته في الكعبة، ولم يولد غيره فيها، مثل رأي الإمامية.
- ولادة حكيم ببن حزام في الكعبة.
إنّ من يرى ولادة غير الإمام علي أو قبله في الكعبة فيحصرها في شخصية حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي، يكُنى أبا خالد، مات سنة أربع وخمسين، وهو ابن مائة وعشرين سنة، وُلِدَ قبل الفيل بثلاث عشرة سنة، ويستدلون بعلى ذلك بأدلة متعددة:
- الأول: كلام مسلم في صحيحه.
ذكر مسلم في صحيحه في حديثه عن رواية لحكيم في البيع حيث قال: «قال مسلم بن الحجاج: وُلِدَ حكيم بن حزام في جوف الكعبة، وعاش مائة وعشرين سنة»[2] ، فإن صحت نسبة ما بين القوسين إلى مسلم فيبقى كلامه من دون دليل.
فإن كان قد استند في هذه الدعوى إلى حديثٍ، فسوف نتحدث لاحقاً عن ذلك ونبين أنّ الأحاديث في ولادة حكيم مُرسلة، لا يؤخذ بها، ومسلم يقول: «والمرسل من الروايات في أصل قولنا، وقول أهل العلم بالأخبار ليس بحجة»[3] . وإن كان قد اعتمد على أمر آخر لم يبينه فلابد من التوقف وعدم الأخذ بما ذكره إلى أن يتبين حاله.
- الثاني: حديث الحاكم في المستدرك.
يقول الحاكم: «سمعت أبا الفضل الحسن بن يعقوب يقول سمعت أبا احمد محمد بن عبد الوهاب يقول سمعت علي بن غنام العامري يقول ولد حكيم بن حزام في جوف الكعبة دخلت أمه الكعبة فمخضت فيها فولدت في البيت»[4] ، وعلي بن غنام هو أبو الحسن الكلابي المتوفى سنة «228هـ» فروايته مرسلة، لوجود الفاصلة الزمنية بينه وبين حادثة الولادة بأكثر من مائتي سنة، فلا يؤخذ بهذه الرواية، لأننا نتساءل من الذي أخبره بهذه الولادة؟!
- الثالثة: رواية أخرى للحاكم.
يقول الحاكم: «أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد بن بالويه، حدثنا إبراهيم بن إسحاق الحربي، حدثنا مصعب بن عبد الله، فذكر نسب حكيم بن حزام، وزاد فيه، وأمه فاختة بنت زهير بن أسد بن عبد العزى، وكانت وَلدَت حكيماً في الكعبة، وهي حامل، فضربها المخاض وهي في جوف الكعبة، فولدت فيها، فَحُمِلت في نطعٍ وغُسِلَ ما كان تحتها من الثياب عند حوض زمزم، ولم يولد قبله ولا بعده في الكعبة أحدٌ * قال الحاكم وَهَمَ مصعب في الحرف الأخير «أي ولم يولد قبله ولا بعده في الكعبة أحدٌ»، فقد تواترت الأخبار أنّ فاطمة بنت أسد وَلدت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب «كرم الله وجهه» في جوف الكعبة[5] .
والراوي هو مصعب بن عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير ابن العوام، يقول الخطيب التبريزي:
«ما ورد في أنه ـ حكيم ـ وُلِدَ في الكعبة، هذا لا يثبت، بل هو كذب، لأن في سنده مصعب ابن عبد الله وقد قال الحاكم والذهبي أبو عبد الله: وَهَمَ مصعب بن عبد الله فيه - فقد تواترت الأخبار أن عليا كرم الله وجهه ولد في جوف الكعبة»[6] ، كما أنّ مصعباً متوفى في «سنة 236هـ»، فيوجد بينه وبين حادثة الولادة أكثر من مائتي سنة ولم يذكر عمن أخذ حديثه هذا، فهو مرسل، لا يُؤخذ به.
- الرابعة: رواية الزبير بن بكار.
روى ولادة حكيم في الكعبة الزبير بن بكار، قال: حدثني مصعب بن عثمان، قال: دخلت أم حكيم بن حزام الكعبة مع نسوة من قريش، وهي حامل، متمٌ بحكيم بن حزام، فضربها المخاض في الكعبة، فأُتيت بنطع حيت أعجلها الولاد، فولدت حكيم بن حزام في الكعبة على النطع[7] . يقول الأستاذ شاكر شبع عن الرواية أنّ فيها:
أولاً: الزبير، وهو ضعيف عند بعضهم، قال عنه الحافظ أحمد بن علي السليماني في كتاب الضعفاء: منكر الحديث. وذكره في عداد من يضع الحديث، واعتذر عنه ابن حجر العسقلاني بأنّ السليماني لعله استنكر إكثاره «الزبير» ـ الرواية ـ عن الضعفاء.
ثانياً: رغم البحث الجاد فيما وقع بيدي من معاجم رجالية لم أعثر على مدح أو توثيق لمصعب بن عثمان، سوى نسبه وهو مصعب بن عثمان بن عروة بن الزبير بن العوام، فلا أقل من أن حاله مجهول، إن لم يكن من أولئك الضعفاء الذين أكثر الزبير الرواية عنهم في كتابه.
ثالثاً: أنّ مصعب بن عثمان هذا لم يذكر سنداً لهذه الرواية، ولا صرح باسم من حكاها له، ولا أشار إلى المصدر الذي استقاها منه، وأقل ما يمكننا القول إنها مرسلة[8] .
- وقفة أخيرة مع ولادة حكيم.
ومن القرائن على كون حكيم لم يولد في الكعبة أنّ من ترجم لسيرته ذكروا أنه عاش مائة وعشرين سنة، ستين منها قبل الإسلام وستين منها بعده، فهذه الفترة الطويلة من عمره لا نجد فيها نصاً تأريخياً لحكيم يشير بأنه وُلِدَ في الكعبة، مع أنّ هذا النحو من الولادة شرفٌ يُفتخر به، إذ أنّ العرب عادة يفتخرون بكل ما يقومون به تجاه الكعبة أو لخدمتها، لكن نجد حكيماً عندما يُسأل عن ولادته يتحدث عن تأريخ ولادته والأحداث المتزامنة معها، ولم يذكر ولادته في الكعبة مع العلم أنه حدث هام في حياته، وهذا قرينة على أنه لم يتحقق، وهذا ما رواه الحاكم عن أبي حبيبة مولى الزبير، قال: سمعت حكيم بن حزام يقول: وُلِدتُ قبل قدوم أصحاب الفيل بثلاث عشرة سنة وأنا أعقل حين أراد عبد المطلب أن يذبح ابنه عبد الله، وذلك قبل مولد النبي بخمس سنين[9] .
- ولادة الإمام علي في الكعبة.
بعد أن تم الحديث حول ولادة حكيم ومناقشة الأدلة على ذلك باختصار، لابد من استعراض الأدلة التي يمكن الاستدلال بها على ولادة أمير المؤمنين في الكعبة، وسوف نذكر بعض الأحاديث:
- الأول: حديث ابن المغازلي.
روى ابن المغازلي الواسطي في مناقب أمير المؤمنين، قال:حدثنا أبو طاهر محمد بن علي بن محمد بن البيع، قال: حدثنا أبو عبد الله أحمد بن محمد بن عبد الله بن خالد الكاتب، قال: حدثنا أحمد بن جعفر بن محمد بن مسلم الختلي العلوي، قال: حدثني عمر بن أحمد بن روح الساجي، حدثني أبو طاهر يحيى بن الحسن العلوي، قال: حدثني محمد بن سعيد الدارمي، حدثني موسى بن جعفر، عن أبيه عن محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين، قال: كنت جالساً مع أبي، ونحن زائري قبر جدنا ، وهناك نسوة كثيرة، إذ أقبلت امرأة منهن، فقلت لها: من أنت رحمك الله؟ فقالت: أنا زبدة بنت قرسة بن العجلان من بني ساعدة، فقلت لها: فهل عندك شيء تحدثينا؟ فقالت: إي والله، حدثتني أم عمارة بنت محارة بن نضلة بن مالك بن العجلان الساعدي: إنها كانت ذات يوم في نساء من العرب إذ أقبل أبو طالب كئيباً حزينا، فقلت له: ما شأنك أبا طالب، فقال: إنّ فاطمة بنت أسد في شدة المخاض، ثم وضع يده على وجهه، فبينا هو كذلك، إذا أقبل محمد، فقال: ما شأنك يا عم، فقال: إنّ فاطمة بنت أسد تشتكي المخاض، فأخذ بيدها وقمن معه فجاء بها إلى الكعبة، فأجلسها في الكعبة، ثم قال: اجلسي على اسم الله، قالت: فطلِقت طلقة، فولدت غلاماً مسروراً نظيفاً منظفاً، لم أَرَ كحُسن وجهه، فسماه أبو طالب علياً، وحمله النبي حتى أداه إلى منزلها، قال علي بن الحسين : فوالله ما سمعت بشيء قط إلا وهذا أحسن منه، وروى هذا الحديث ابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة، والحافظ أبو عبد الله البلخي في تلخيصه، والعلامة الآمر تسري في أرجح المطالب[10] .
- الثاني: حديث الكنجي الشافعي.
روى الحافظ الگنجي الشافعي في كفاية الطالب «ص 260» قال: أخبرنا الشيخ المقري أبو إسحاق إبراهيم بن يوسف بن بركة الكتبي في مسجده بمدينة الموصل ومولده سنة «554هـ»، قال: أخبرنا أبو العلاء الحسن بن أحمد ابن الحسن العطار الهمداني إجازة عامة إن لم تكن خاصة، أخبرنا أحمد بن محمد بن إسماعيل الفارسي، حدثنا فاروق الخطابي، حدثنا الحجاج بن المنهال عن الحسن ابن مروان بن عمران الغنوي عن شاذان بن العلاء، حدثنا عبد العزيز بن عبد الصمد عن مسلم بن خالد المكي المعروف بالزنجي عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله، قال: سألت رسول الله عن ميلاد علي بن أبي طالب، فقال: «لقد سألتني عن خير مولود وُلِدَ في شبه المسيح ، إنّ الله تبارك وتعالى خلق علياً من نوري وخلقني من نوره وكلانا من نور واحد، ثم إنّ الله عز وجل نقلنا من صُلب آدم في أصلاب طاهرة إلى أرحام زكية فما نقلت من صلب إلا ونُقِلَ عليٌ معي فلم نزل كذلك حتى استودعني خيرَ رحم ٍوهي آمنة، واستودع علياً خيرَ رحم ٍوهي فاطمة بنت أسد، وكان في زماننا رجل زاهد عابد يقال له المبرم بن دعيب بن الشقبان قد عبد الله تعالى مأتين وسبعين سنة، لم يسأل الله حاجة فبعث الله إليه أبا طالب، فلما أبصره المبرم قام إليه، وقَبَّلَ رأسه وأجلس بين يديه، ثم قال له: من أنت؟ فقال: رجلٌ من تهامة، فقال: من أي تهامة؟ فقال: من بني هاشم، فوثب العابد فقبَّل رأسه ثانية، ثم قال: يا هذا إنّ العلي الأعلى ألهمني إلهاماً، قال أبو طالب: وما هو؟ قال: ولد يولد من ظهرك وهو ولي الله عز وجل، فلما كانت الليلة التي وُلِدَ فيها عليٌ أشرقت الأرض، فخرج أبو طالب، وهو يقول: أيها الناس وُلِدَ في الكعبة ولي الله عز وجل، فلما أصبح دخل الكعبة[11] . ويقول الحافظ الكنجي قلت: هذا حديث اختصرته، ما كتبناه إلّا من هذا الوجه، تفرّد به مسلم بن خالد الزّنجي، وهو شيخ الشافعي، وتفرّد به عن الزّنجي عبد العزيز بن عبد الصمد، وهو معروف عندنا، والزّنجي لقب لمسلم، وسمّي بذلك لحسنه وحُمرة وجهه وجماله[12] .
- علماء قالوا بولادة الإمام في الكعبة.
هناك مجموعة من المصادر ذكرت أنّ الإمام علي وُلِد في الكعبة، قد ذكر الكثير منها الشيخ الأميني في الغدير والسيد المرعشي النجفي في شرح إحقاق الحق، وسوف نشير إلى بعضاً منها:
الأول: الحاكم النيشابوري، قال: تواترت الأخبار أنّ فاطمة بنت أسد وَلدت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب «كرم الله وجهه» في جوف الكعبة.
الثاني: الفاكهي في كتابه أخبار مكة، قال: إنّ عليًا أول من ولد من بني هاشم في جوف الكعبة.
الثالث: الحلبي في السيرة يقول: وفي سنة الثلاثين من مولده وُلِدَ علي بن أبي طالب «كرم الله وجهه» في الكعبة[13] .
الرابع: السكتواري البسنوي الحنفي في محاصرة الأوائل قال: أول من لقب في صباه باسم الأسد في الإسلام من الصحب الكرام ـ وهو الحيدر من أسماء الأسد ـ سيدنا علي بن أبي طالب (ر)، كان أبوه غائباً حين ولدته داخل الكعبة وهي فاطمة بنت أسد، لقبته أمه تفاؤلاً باسم أبيه[14] .
- انحصار الولادة في الكعبة بالإمام علي.
هناك مصادر متعددة أوضحت أنّ ولادة الإمام علي في الكعبة كانت مختصة به، لا يشاركه فيها غيره:
الأول: شاه ولي اللَّه أحمد بن عبد الرحيم المحدّث الدهلوي، والد عبد العزيز الدهلوي: مصنّف "التحفة الاثنا عشريّة" في الردّ على الشيعة، قال في كتابه "إزالة الخفاء": «قد تواتر الأخبار أنّ فاطمة بنت أسد وَلدَت أمير المؤمنين علياً في جوف الكعبة، فإنّه وُلِدَ يوم الجمعة، الثالث عشر من شهر رجب، بعد عام الفيل بثلاثين سنة، في الكعبة، ولم يُولد فيها أحدٌ سواه قبله ولا بعده»[15] .
الثاني: الحافظ الكنجيّ الشافعي، في كتابه "كفاية الطالب" الذي ذكره الچلبيّ في "كشف الظنون" ونقل عن ابن الصبّاغ المالكيّ في "فصوله المهمّة" واحتجّ به ابن حَجَر، قال: أخبرنا الحافظ أبو عبد اللَّه، محمّد بن محمود النّجار، بقراءتي عليه ببغداد، قلت له: قرأتُ على الصفّار بنيسابور: أخبرتني عمّتي عائشة، أخبرنا ابن الشيرازيّ، أخبرنا الحاكم أبو عبد اللَّه النّيشابوريّ، قال: وُلِدَ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب بمكّة في بيت اللَّه الحرام، ليلة الجمعة، لثلاث عشرة ليلة خلت من رجب، سنة ثلاثين من عام الفيل، ولم يولد قبله ولا بعده مولودٌ في بيت اللَّه الحرام سواه، إكراماً له بذلك، وإجلالاً لمحلّه في التعظيم[16] . وبناء على نقل الكنجي الشافعي فهو ينفي كلام الحاكم في المستدرك بأنّ حكيم بن حزام وُلِدَ في الكعبة أو يُشير إلى أنّ الحاكم قد غيّر رأيه بعد ذلك[17] .
الثالث: شهاب الدين، السيّد محمود الآلوسي المفسّر في "شرح عينية عبد الباقي أفندي العمري " عند قوله:
|
قال: وفي كون الأمير- كرّم اللَّه وجهه- وُلِدَ في البيت، أمرٌ مشهورٌ في الدنيا، وذُكِرَ في كتب الفريقين السنّة والشيعة إلى قوله: ولم يشتهر وضعُ غيره- كرّم اللَّه وجهه- كما اشتهر وضعه، بل لم تتّفق الكلمة عليه.
الرابع: الحافظ محمد بن علي القفال الشافعي في فضائل أمير المؤمنين، قال: روي أنه لما ضربها «أي فاطمة بنت أسد» المخاض اشتد وجعها فأدخلها أبو طالب الكعبة بعد العتمة فولدت فيها علياً، وقيل: لم يولد في الكعبة إلا علي[18] .
الخامس: العلامة ابن الصباغ في الفصول المهمة، قال: ولد علي بمكة المشرفة بداخل البيت الحرام، ولم يُولد في البيت الحرام قبله أحدٌ سواه، وهي فضيلة خصه الله تعالى بها إجلالاً له، واعلاءً لمرتبته، وإظهاراً لتكرمته[19] .
السادس: العلامة البدخشي في مفتاح النجا، قال: ثم إنه لم يولد في بيت الحرام أحدٌ سواه قبله ولا بعده وهي فضيلة خصه الله بها[20] . هذا موضوع مختصر لإثبات ولادة الإمام علي في الكعبة أداء لجزء بسيط من حق هذا الإمام علينا، فلا يمكن أن يقبل أحد بسلب فضيلة، مختصة به، باعتبارها تُشكل منعطفاً هاماً لأحداث ما قبل البعثة الشريفة وأثرها في حركة الإسلام نحو فهمٍ واعٍ لشخصية الإمام من خلال ما اختصه الله به من فضائل ومنزلة رفيعة، نسأل الله أن يحشرنا معه في الآخرة، وأن يجعلنا من السائرين على خطاه في الدنيا.