لقمة القاضي
ما أجمل الروح البشرية حين تشعر بأنها على دكة القضاء ولو للحظة واحدة, فالقاضي هو المسئول عما يجري حوله في كل شيء مما يقدمه لهم, ليجعل الأرواح والأنفس تجتمع من حوله في السراء والضراء, لتأنس به ويأنس بها ... يحب لغيره ما يحبه لنفسه, يتأثر فيؤثر, يعطي بما يستطيع ولا يقتصر عطاءه وجوده وكرمه على من يحيط به فحسب, بل يصل كرمه إلى شتى بقاع الأرض .
هنا يأتي هذا السؤال هل يؤثر الكرم على المجتمع ؟
نعم, يؤثر لأنه ينشر الحب والتعاطف والتلاحم بين الناس, مقوياً روابطهم
مؤثراً على سلوكياتهم....
فالكريم يحب الناس ويحبونه, إذاً فما هو الكرم ؟
الكرم هو: صمام النفوذ إلى المجتمع, والتغلغل في شراينه وأوردته, وذلك في بذل المال أو الطعام بطيب نية ونفس, دون إسراف أو ملق ...
فهو يعتبر موهبة ككل المواهب.
مستنتجين من هذه المقدمة بأن الكرم ضد البخل, متجلية قوة الكرم في الإيثار بما للنفس من حاجة إليه, كما ورد في قصة الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء وبعلها وبنوها عندما صاموا ثلاثة أيام متتالية نازلة في حقهم سورة الإنسان بقوله تعالى: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ). صدق الله العلي العظيم .
فالكرم صفة أتصف بها العرب القدماء, واعتزوا بها ولا زالوا يتمسكوا بها, بل ويتوارثوها في خلفهم, جارية في عروقهم مجرى الدم كــ ( الشيمة والشهامة وعزة النفس )، فهم يمارسونها بكل عفوية متأصلة في سجاياهم... كما قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب :"الكريم عند الله محبوب مثاب، وعند الناس محبوب مهاب "،وقال أيضاً : " كفى بالكرم ساتراً للعيوب".
وفي هذه الجزئيات لابد لنا أن نتطرق عن كرم أهل البيت ، حيث كانوا رضوان الله عليهم، يشعلون النار حتى يجيء الضيوف لبيوتهم، وأشتهر فيما بينهم الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب، حتى لقب بكريم أهل البيت.
فالكرم خلق عريق لما يتسم به من إيثار وعلو همم، وقيل أن الكرم أصل المحاسن كلها...
كما ورد عن الإمام محمد الباقر في قوله: ( شاب مرهق في الذنوب أحب إلى الله من شيخ عابد بخيل)، وأصل الكرم نزاهة النفس عن الحرام.
ومن المثير للدهشة أن الكرم أمر وراثي كما أثبتت بعض الدراسات، فقد قام الباحث (أريل كنافو) بإجراء دراسات علمية كثيرة حول الكرم والجينات الوراثية, وأثبتت نتائجه أن هناك علاقة وطيدة، وصلة مباشرة، بين الكرم وتكوين الحامض النووي .
كما أن نتيجة هذا العالم مثبتة من قبل أخلاق نبينا الكريم , وأهل بيته، منذ زمن بعيد في أقوالهم وأفعالهم رضوان الله عليهم جميعاً.
أي أن الكرم يجري في العروق قبل أن يجري بين النفوس، فالكريم دائماً هو المبادر بالعطاء، لا ينظر لما قدم له من قبل، فهو دائماً على استعداد تام لاستقبال الناس، وبيته مفتوح للجميع، يعطي جُل ما لديه مستشعراً بأن ذلك قليل في حقهم !!! .
ومما يزيد الكرم بهاءً وشرفاً، أن لا يصاحبه مّن ولا رياء ولا سمعة، بل يكون لوجه الله سبحانه وتعالى .
فلو أن المّن يُعد من مكارم الأخلاق لما وصى نبينا الكريم صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: " أكرموا عمتكم النخلة ".
فلو جبنا البقاع بأسرها لما رأينا أكرم منها إلى الآن، ولن نوفيها حقها في كل شيء، فلا تزال هي الكريمة بيننا، تغذينا بخضرتها من رطبها وتمرها وظلها، مستفيدين من سعفها وجذعها وليفها..... فإذا كان هذا كرمها، إذاً كيف لا نكرمها؟!
فقد وصل بنا الحال إلى التعدي عليها، بقطعها وحرقها... للتدفئة والطهي ونحوه,,,
فلم تشتكي ولم تتحدث، فهل وجدتم أكرم منها ؟
ومع ذلك، بقيت بين ظهرانينا مجهولة!!!، فهي أصيلة في قوامها، كريمة في عطاياها، محتسبة إلى الله بما يجري عليها، لتبقى هذه النخلة من الله وإلى الله تعود, فالسلام عليك يا عمتي النخلة.