الميلاد في منتدى لقاء: يستعرض نظريات بناء العقلية الناقدة
منتدى لقاء بالقطيف:
استضاف منتدى لقاء بالقطيف الأستاذ والمفكر الإسلامي زكي الميلاد، وذلك مساء الأحد، اللقاء الذي أداره الأستاذ غسان الشيوخ جاء تحت عنوان: (كيف نبني العقلية الناقدة؟!).
في البدء استهل الأستاذ الميلاد اللقاء بتقديم عرضٍ مفصَّل لمسيرة تطور الفلسفة وانتقالها عبر مراحل مختلفة، حيث كانت السمة التي تصبغ الفلسفة هي سمة الدهشة والانبهار، وكان ذلك في الفلسفة اليونانية على وجه التحديد، أي أن الدهشة هي الباعث والمحرِّك نحو التساؤل والتأمل في عالم الطبيعة والإنسان والمجتمع، إلى أن جاء (ديكارت) حيث أصبحت سمة الفلسفة الحديثة الشك (الشك المنهجي)، فمع (ديكارت) توقفت الفلسفة اليونانية وبدأ عصر جديد، ومن الذين تأثروا به في العالم العربي طه حسين، ثم آل الأمر إلى أن جاء الفيلسوف الألماني (كانت) فأصبحت السمة الحاكمة هي سمة النقد، حيث تعمّد (كانت) أن يبدأ عناوين مؤلفاته -وخاصة في المرحلة المتأخرة من حياته- بمفردة (النقد) وممن سار على هذه الخطى في العالم العربي محمد عابد الجابري. وبذلك يظهر مدى التأثير الذي تركته فلسفة (كانت) في داخل أوروبا وخارجها.
بعد ذلك أشار الميلاد إلى نظريات تفسِّر كيفية بناء العقلية النقدية، وفي مقدمة هذه النظريات النظرية التي تقول أن بناء العقلية النقدية في المجتمع لا يمكن إلا من خلال إشاعة وتعميم الفلسفة فيه، حيث أن تراجع الفلسفة يؤدي إلى تراجع العقلية النقدية والعكس بالعكس، وذلك لسببين: أولهما: تطبيقي يتعلق بتراكم وتتالي الخبرات والتجارب الفلسفية. وثانيهما: نظري مبني على أن الفلسفة مهمتها (تنمية العقل الحر) وإعطائه الحرية. وهذه النظرية -كما يرى الميلاد- صحيحة إجمالاً، وإن كان هناك بعض الكلام والنقاش في بعض التفاصيل.
إذ تساءل الميلاد هنا: هل المجتمعات التي لم تنتشر فيها الفلسفة كانت بمنأى عن العقلية النقدية؟
بعد ذلك تطرَّق الميلاد إلى نظرية أخرى وهي التي تقول بأن من غير الحرية لا يمكن أن تنهض العقلية النقدية، وضرب مثالاً على ذلك بـ(عبد الرحمن الكواكبي) الذي انتقل من حلب إلى القاهرة مما أدّى إلى اختلاف في نظرته إلى الأمور وتغيُّر في طريقة تفكيره.
ثم تناول الميلاد بالذكر النظرية التي تقول بأن بناء العقلية النقدية إنما يكون من خلال وظيفة التربية والتعليم بكل مراحله، وعلى وجه الخصوص المرحلة الجامعية التي ينبغي أن تتميز عن سابقاتها بإعطاء جرعات أكبر من فرص النقاش والتساؤل لطلابها، مما يركز هذه القدرة لديهم.
بعدها أشار الميلاد إلى فضل العلوم الاجتماعية والإنسانية في تحوّل النقد إلى اتجاهات ومنهجيات ومجالات وميادين مختلفة ومتنوعة، فمن الاتجاهات (البنيوية، التفكيكية، السيميائية..) إلى المجالات الثقافية والسياسية والدينية و...
ثم تساءل الميلاد قائلاً: هل النقد هو وظيفة المجتمع أم هو وظيفة فئة أو شريحة من أبناء المجتمع؟ وبالتالي هل المطلوب من المجتمع ككل النهوض بهذه المهمة أو من هذه الفئة فقط؟
وللإجابة على هذا السؤال ذكر مقولة المفكر الإيطالي (كرامشي) التي تقول: بأن الناس كلهم مثقفون لكن ليس بالضرورة أن ينهض الجميع بمهمة المثقفين، وقياساً على هذه المقولة قال الميلاد: أن كل الناس نقّاد ولكن ليس من الضرورة أن يمارسوا النقد. وإذا ما تخلى الناس عن هذه المهمة فلا يجوز للمثقف أن يتخلى عنها، حيث أن النقد وظيفة لازمة للمثقف، وإذا تخلى عنها فإنه يتخلى حينئذٍ عن كونه مثقفاً.
ولكن كيف نوازن بين المهمتين؟ هكذا تساءل الميلاد، فقال: يمكن من خلال التقسيم التالي:
1) النقد العملي: وهو بدوره يتحدد في ثلاثة أبعاد لا يمكن أن يتخلى المجتمع ككل عن النقد فيها، لأن المجتمع على تماس كبير وواضح بهذه الأبعاد وهي:
- البعد الاجتماعي.
- البعد الأخلاقي.
- البعد السياسي.
2) النقد النظري: وهو الذي يتعلق بالنقد العلمي الفلسفي والثقافي والأدبي المتخصص، وهو بالتالي يختص به من ينتمي إلى هذه المجالات وحسب.
وأخيراً أشار الميلاد إلى أن النقد يتركّب من عنصرين أساسيين هما:
الأول: علمي: وهو المتعلق بجانب العلم والمعرفة.
الثاني: نفسي: وهو الذي يتعلق بالشجاعة أو الحرية
فحتى يمارس الإنسان دوره في النقد لا بدّ له من تحصيل مقدار معين من العلم والمعرفة لاسيما بالمجال الذي يود تناوله بالنقد، كما ينبغي له أن يكون شجاعاً. فالنقد هو حصيلة طبيعية للمعرفة ويتولد منها كما تتولد هي منه وبالتالي يكون مصاحباً لها، حتى أنه يمكن القول أنه ليس هناك صاحب معرفة ليس ناقداً. ومن جهةٍ أخرى فإن النقد ينبغي أن يتقوّم بالمعرفة.
بعد ذلك أتيح المجال أمام الجمهور للحوار والنقاش