المرجع الديني..هل يناقض نفسه؟ !

شبكة مزن الثقافية سلمان عبد الأعلى

        لعلي لا أبالغ إذا قلت بأن مرجعياتنا الدينية تبدو أحياناً وكأنها مرجعيات مختلفة ومتناقضة حتى مع نفسها، فهي كما تبدو متناقضة الآراء ومتقلبة المواقف والإتجاهات، وكل ذلك بسبب بعض رجال الدين الذين ينسبون آرائهم الشخصية، وميولهم النفسية (أهوائهم)، إلى المرجعيات الدينية التي يؤيدونها وينتمون إليها.

        وهذا الأمر في غاية الخطورة، لأن البعض يلغي عقله أمام رجال الدين ويجعله رهن مشيئتهم، وذلك لأنه يعتقد بأنهم موكلون من قبل المرجعية الدينية في كل صغيرة وكبيرة، وفي كل حركة وسكون، وهو غافل لا يدري أن فيهم من يُفتي الناس بحسب أهوائه النفسية ومصالحة الشخصية.

        إن كلامي هذا لم يأتي من فراغ، فهو مستمد من وحي الواقع، فبعض رجال الدين -سامحهم الله- يستغلون اسم المرجعية الدينية لتوجيه الناس كما يشاءون، والكثير من الناس مساكين غافلون لا يعرفون عن هذه الحقيقة شيئاً، لذا نراهم قد يتورطون مع هؤلاء في تجاوزات شرعية وهم يعتقدون أنهم يتقربون بذلك إلى الله سبحانه وتعالى !! 

        لذا لابد لنا من التفرقة والتمييز بين آراء ومواقف المرجعية الدينية التي ننتمي إليها، وبين آراء ومواقف رجال الدين المحسوبين عليها، فحتى ولو كان رجل الدين يمتلك وكالة عن المرجع، فإن هذا لا يعني بالضرورة تطابق الآراء واتحاد المواقف والتوجهات بينه وبين المرجع نفسه، فنحن كثيراً ما نرى بأعيننا ونسمع بآذاننا خلافات في الآراء والتوجهات –تصل أحياناً إلى حد التناقض والتضاد- بين رجال دين محسوبين على نفس المرجع الديني ولديهم وكالات عنه، فكيف يكون ذلك يا ترى إذا كنا نعتقد بأن آرائهم تمثل آراء المرجع نفسه؟! أم أننا نعتقد بإمكانية تناقض المرجع الديني مع نفسه إلى هذه الدرجة !!

        إن من المهازل أن نرى بعض رجال الدين من وكلاء نفس المرجعية الدينية يحاولون إظهار آرائهم ومواقفهم على أنها آراء ومواقف المرجعية نفسها، في حين أنهم متناقضون ومختلفون فيما بينهم حتى في بيان فتاوى المرجع نفسه !

        ولا يستغرب البعض أو يتعجب من قولنا هذا، لأن هذا ما حصل فعلاً عندنا في الأحساء قبل فترة، حيث اختلف وكيلين مشهورين من وكلاء السيد السيستاني حفظه الله حول مسألة شرعية تتعلق بإحدى مساهمات الشركات التي طُرحت للاكتتاب العام، إذ أن كلاهما كان يتحدث باسم السيد السيستاني، ولكن أحدهما كان يقول بالجواز والآخر بالحرمة، وكأنهما كانا يفتيان الناس برأيهما لا برأي السيد السيستاني !

        إن أفضل ما في الأمر، أن هذه المسألة عابرة لا تبقى لفترة زمنية طويلة، كما أن بالإمكان الاحتياط وعدم الدخول فيها، ولكن هناك بعض المسائل الشرعية التي تبقى ما بقي الدهر، ويُبتلى بها الكثير من الناس باستمرار، ومع ذلك نرى الخلاف قائم ومستمر -في بيان الحكم الشرعي- بين وكلاء نفس المرجع، ومن الأمثلة على ذلك المسائل المتعلقة بالسفر والإقامة، وتلك المسائل المتعلقة بالعمل في البنوك وغيرها من المسائل الشرعية الأخرى.

        ولنا أن نتساءل هنا ونقول لهؤلاء: لماذا هذا الخلاف والاختلاف إذا كنتم فعلاً تابعين لنفس المرجع وتنقلون نفس آرائه وفتاويه ؟؟ !

        أكاد أقطع بأن هذا التساؤل لن يلقى آذاناً صاغية، وسيبقى الحال على ما هو عليه إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً، فخلافات واختلافات رجال الدين فيما بينهم لن تنتهي، كما أن آرائهم ومواقفهم وتوجهاتهم لن تتحد، والكثير منهم سيبقى ينسبها للمرجعية الدينية لأسباب لا يعلمها إلا الله والراسخون في العلم !!