لا أرغب في المشاركة !
جاءتني تبكي، سألتها ما بك؟.. أجابتني والدموع تملأ عينيها: المعلمة اختارتني لأمثل دور في المسرحية الختامية التي ستعرض نهاية العام.. قلت: شيء جميل أن تختارك المعلمة.. هذا يدل على تميزك.. قالت: لا الأمر ليس كذلك.. بل كل أطفال الصف سيشاركون فيها.. قلت: مشاركة الجميع أيضاً شيء جميل..
سألتها عن اسم المسرحية قالت: أطفال الشعوب، قلت: يبدو لي أن المسرحية رائعة.. سترتدين فيها ملابس جميلة لطفلة من أطفال الشعوب أليس كذلك؟.. قالت: لا ليس كذلك..
سألتها: لماذا؟! ما المشكلة؟! قالت: أنا لا أرغب في المشاركة فيها.. سألتها عن السبب.. فأجابت دوري فيها لا يعجبني.. قلت: لماذا لا يعجبك؟ قالت: المعلمة اختارت لي دور طفلة هندية.. قلت: ما به دور الطفلة الهندية؟! قالت: ما أن وزعت المعلمة الأدوار وأخبرتني بأنني سوف أمثل دور طفلة هندية حتى بدأ الأطفال يضحكون ساخرين من دوري مناديني بالهندية.
هنا أتوقف عن سرد ما تبقى من أحداث لهذا الموقف.. لأطرح سؤالاً: من المسئول عن نظرة أطفالنا الدونية للفرد الهندي؟!.. بغض النظر عن كون ذاك الفرد طفل صغير أم كبير.. بنت أم ولد.. رجل أم امرأة وبغض النظر أيضاَ عن كل ما يرتبط بشخصيته وسلوكه الفردي.
لماذا لا يرى أطفالنا فيه إلا الجانب المثير للسخرية؟! هل هذا من خلال ما يرونه ويسمعونه ويلمسونه ممن هم في مكانة النموذج والقدوة بالنسبة لهم؟! سخرية, عدم احترام بل مواقف تنعدم فيها الإنسانية ويندى لها الجبين.. ولم تقتصر على ذلك فحسب بل تعدتها حتى شاركت فيها وسائل الإعلام.
لماذا لا يرى أطفالنا الجانب الإنساني والمشرق لهذا الفرد؟! فالهندي مهما يكن فهو إنسان جاء من أقصى الدنيا تاركاً وطنه وأهله وعائلته وأصدقاءه.. وبسبب فقره وحاجته جاء طالباً للقمة العيش ولخدمتنا فهو لا يستحق منا إلا كل التقدير والاحترام لا السخرية.. فالفقر ليس ذنباً ولا عيباً ولا جريمة ليعاقب عليها.. جدير بنا أن نتعلم منه لا أن نسخر..
فهو ابن أرض ذات تاريخ وحضارة.. لها نظمها الحياتية والاجتماعية.. تلك الأرض التي انحدر منها غاندي ذاك المناضل الذي قاوم وكافح مع شعبه حتى استعاد أرضه فتسنى له ولشعبه استنشاق عبير الحرية.. فأين نحن من ذلك؟!
وفي ما يتعلق بمستوى التعليم والثقافة نجد أن الكثير من الهنود أصحاب شهادات جامعية أو لديهم دراسات عليا كما وأنهم يتحدثون بلغات غير لغاتهم الأصلية أقلها على سبيل المثال لا الحصر اللغة الإنجليزية.. إلا أنهم وبسبب فقرهم يندفعون نحو العمل بوظائف وضيعة ذات مردود مادي متدني.. يضاف إلى ذلك أن الهند بلد ديمقراطي يتمتع أفراده بإمكانية ترشيح رئيسهم ومن يمثلهم في البرلمان.
علاوة على ذلك كله نرى أن الشعب الهندي شعب متسامح لأبعد الحدود مع نفسه ومع مختلف الناس من حوله إذ يكفي أن يكون في الهند ديانات عديدة ولغات كثيرة.. فمن صوت الأذان إلى صوت أجراس الكنائس إلى أصوات ومشاهدات لطقوس مختلفة لديانات الأخرى.. ومن اللغة الهندية الرسمية إلى اللغات واللهجات المختلفة من أوردية وكشميرية وسندية وبنجابية و... وعلى الرغم من هذا نجد أن مستوى التعايش وقبول الآخر فيما بينهم عالي جداَ على العكس تماماً منا فنحن كلنا مسلمين لكننا رغم ذلك الخلاف بيننا كبير رغم إننا فرقتين من المسلمين فكيف بنا لو كنا نحمل ديانات مختلفة.
يحضرني هنا مثل هندي يقول: ( إذا شئنا أن نفهم إنساناً آخر فإن علينا أن ننتعل حذاءه ونسير به مسافة ميل ) فهل لدينا الاستعداد لذلك؟!.
أتذكر أيضاً في هذا الجانب قصة أطفال أجنبية قرأتها منذ فترة تحمل عنوان اسم بطلتها " النمرة ليلي " والقصة باختصار تعليمية تحكي عن كيفية احترام الفرد لنفسه وللآخر.. ملحق معها أنشودة ولعبة لتنمية الجانب النفسي والاجتماعي عند الطفل، وكلتاهما - الأنشودة واللعبة- تتحدثان عن الاحترام.. وسأكتب هنا جزء من هذه اللعبة وهي عبارة عن تمرين استرخاء يحمل اسم " نجمة الاحترام ".
( نجمة الاحترام تعرف أن كل شخص يأتي إلى العالم له صفات مميزة.. أنتم نجمة صغيرة جميلة.. أنتم محبوبون وقديرون.. أنتم فريدون وقيمون.. استمتعوا بإحساس الاحترام في الداخل.. كونوا ساكنين جداً في الداخل وتذكروا أنكم نجمة مملوءة سلاماً، نجمة مملوءة احتراماً ).. فأين أطفالنا من هذا التعليم؟!.
من أين سيتعلم أطفالنا احترام الآخر؟ من توم وجيري ذاك المسلسل الكرتوني الذي يدمنه الكبار قبل الصغار؟!.. أمن غيره من مشاهدات على أرض الواقع وعبر وسائل الإعلام؟! بغض النظر عن البعض منها.
تحدثني إحدى الزميلات قائلة: زوجي مدمن مشاهدة الأفلام الكرتونية كما الطفل الصغير.. ما أن يعود من عمله حتى يتسمر أمام التلفاز مع طفلته الصغيرة متتبعاً وإياها كل ما يعرض من مواقف لتوم وجيري!..
صدق المثل القائل: ( إذا كان رب البيت بالدف ضارباً فشيمة أهل البيت الرقص )
فماذا سيتعلم أطفالنا من توم وجيري غير العنصرية وتمركزهم حول ذواتهم وعدم تقبلهم للآخر أو احترامه؟!.. من وجهة نظري الشخصية توم وجيري كل منهما لا يتقبل الآخر إذ لكل واحد منهما جنسه ولونه وشكله وحجمه المختلف عن الآخر.. ومن خلال المواقف والمقالب الانتقامية التي يقدما عليها تجاه بعضهما البعض يزرعا في أطفالنا عدم تقبلهم للآخر المختلف عنهم.
فنحن نرغب أن يتعلم أطفالنا احترام الآخر بغض النظر عن لونه أو جنسه أو عرقه أو أصله أو الطبقة التي ينتمي إليها والانفتاح عليه بل والتواصل معه..
وحسبي إننا نمتلك القدرة ولا نفتقر إلى المنهج الذي ينير دربنا لذلك.
فديننا دين السلام والمحبة.. دين الاحترام والتسامح.. دين التعاون والصدق والتواضع.. وهو الذي يدفعنا لتحمل المسؤولية تجاه أنفسنا وتجاه الآخر.
ولنا في كتاب الله وسيرة سيدنا المصطفى محمد صلى الله عليه وآله وسلم من الآيات والأحاديث والقصص ما يدعم مسيرتنا في ذلك.
قال تعالى في سورة الحجرات: ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم ).
وفي حديث شريف قال ( ص ): ( من أكرم أخاه المسلم بكلمة يلطفه بها، وفرج عنه كربته لم يزل في ظل الله الممدود عليه الرحمة ما كان في ذلك ).
إذن علينا أن نهيء أطفالنا ونمدهم بالغذاء الروحي والعقلي إلى جانب غذائهم الجسدي.. غذاء خلاصته القيم الأخلاقية الداعمة للسلوك الإيجابي الصحيح في علاقتهم مع الآخر بغض النظر عن جنسه ولونه وانتماءه الطائفي أو الطبقي إذا وإذا ما رغبنا في ذلك.