شكرٌ خاصٌ جداً للكلباني والدويش

حسين أحمد بزبوز *

هل نحن حقاً في القرن الحادي والعشرين؟!!!... أشك في ذلك.
 
دعوني أراجع أوراقي... قليلاً.
 
نعم... ربما.
 
لكن، يبدوا أن هذا ما لا يدركه البعض... أو ما لا يستطيعون استيعابه... أو ما سيطول الزمان بهم ليدركوه وليتعلموا كيفية استيعابه.
 
فلقد فتح الله على يدي فضيلة الشيخ... الكلباني، فخرج علينا فضيلته على شاشات الفضائيات بآخر تقليعة عنده، في عصر أوباما الرجل الأسود - الذي نال حقوقه كاملة غير منقوصة في أرض الميعاد وفي جزر الواق واق وفي بلاد الأحلام -، ليكرر تدوير اسطوانة التكفير والكراهية والعنصرية المكرورة والمشروخة... رغم أنه أحد المتضررين منها... دون حياء منه أو خجل...، هذا ونحن قد دخلنا فعلاً في القرن الحادي والعشرين... فإن لم يكن حضرته يعلم... فعليه أن يعلم من الآن فصاعداً... وليخبره أحد السادة الكرام المحترمين فوراً... وكفى.
 
وقبله خرج علينا أيضاً فضيلة الشيخ... الدويش... متسللاً عبر الأقمار الصناعية والقنوات الفضائية كذلك... ليشتم العالم... وليبصق في وجوههم... وكأننا نعيش في عصر الغنم والبهم... وليس في عصر الإنسان الراقي والمتحضر... في القرن الحادي والعشرين... عصر التطور والقيم وحقوق الإنسان... بل وحقوق الحيوانات أيضاً،... وسيادته عن كل هذا... ساهٍ... لاهٍ.
 
فهكذا خرج علينا هؤلاء.
 
وهؤلاء حقاً هم عجائب وغرائب قدرة ربك... وعجائب المدرسة السنية السلفية تحديداً... التي لم تستطع أو لم ترد رغم قوتها أن تلجم هؤلاء وتكمم أفواههم عن قول ما لا يقال وما لا يليق وما لا يسبب إلا الفتن والبلاء... وعن قول ما لا يلائم الزمان.
 
ولست أستوعب... متى سيستوعب أمثال هؤلاء... ماذا يعني هذا الزمن... وماذا تعني التقنية فيه... وماذا يعني الدين... وماذا تعني الأخلاق.
 
... وماذا تعني المواطنة... وماذا تعني حقوق الإنسان... وماذا تعني شراكة الوطن.
 
ولا أدري لم لم يستوعب هؤلاء بعد أيضاً... أن الكرة الأرضية وإن حصل وكانت كبيرةً واسعةً في يومٍ من الأيام... وكانت الكائنات فيها متوحشة ومفترسة... بل حتى الإنسان كان فيها كذلك.
 
وحصل أيضاً أن كان الناس فيها... متفرقون كذلك... ويعيشون في جزر نائية... وفي مناطق متباعدة متفرقة... لا تربطهم تلك الروابط القوية.
 
إلا أن الأرض قد بدأت منذ زمن بعيد تتغير... فتصغر وتصغر وتصغر... ثم تضيق وتضيق وتضيق... أكثر فأكثر... حتى أصبحت اليوم قارباً صغيراً يعيش فيه إثنان فقط لا أكثر ولا أقل... ولا يتسع للمزيد.
 
وقد كانت العلاقات والترابطات البشرية في الماضي تنحصر غالباً في الدوائر الضيقة والقريبة جداً فقط... كالمدينة والقرية والأسرة... لا أكثر ولا أقل... أما بقية العلاقات فهي غالباً ضعيفة ركيكة ممزقة... أو غير مهمة للفرد كثيراً... كما هي اليوم.
 
ثم بدأت تلك الترابطات والعلاقات البشرية تشتد وتشتد وتشتد... أكثر فأكثر... وتتلاصق وتتلاصق وتتلاصق... بسبب المصالح المتبادلة والمنافع المشتركة وبسبب التقنية والتكنولوجيا والتنظيم والتطوير أيضاً... وهكذا.
 
لكن، ورغم كل التطورات وضيق الكرة الأرضية وتحولها إلى مجرد قارب صغير وتشابك المصالح فيها للدرجة التي تجعل اثنين فقط أصبحا يقطنان بمفردهما ذلك القارب الصغير، يفهمان أنهما يحتاجان لبعضهما ويفهمان ضرورة الحوار والتفاهم والتلاقي بينهما كي لا يتحرك أحدهما حركات عنيفة تقلب القارب بمن فيه رأساً على عقب... فيذهب الجميع في أعماق المحيض وتأكلهم أسماك القرش... بقي البعض في خندق الأفكار الضيقة... محتفظاً بتصرفاته البهيمية... وسيطرت عليه غرائزه الحيوانية... واحتفظ بثقافة الغاب... وبنزاعاته التافهة... غير مدرك أنه يعيش في عصر الذرة... والقنابل الذرية... والصواريخ المتطورة... والمدافع الفتاكة... والرشاشات الخطيرة... التي قد تضع الجميع في مأزق كبير وخطير عوضاً عن القارب الصغير الذي قد يطير مع الريح كالريش الخفيف مع أول نسمة فتنة... أو ربما يقتلعه الموج فيقلع في الهواء نحو المجهول... الذي لا يعلمه إلا الله سبحانه... إلى غير رجعة.
 
وهذان الاثنان في قاربهما الصغير بقيا يحملقان في بعضهما بغباء والموج يتقاذف قاربهما من مكان إلى مكان ومن بقعة إلى بقعة... وهما يشغلهما ذلك القدر من الطعام «أو نفط... طرطيرستان» الذي أحضره أحدهما... فأراد الآخر أن يستأثر به لنفسه... بينما أراد صاحب الطعام أن يمنع منه صاحبه أو أن يكون له النصيب الأوفر منه... ولم يكن هناك حل جذري يلوح في الأفق.
 
وفجأة احتد بينهما الخلاف ونشب بينهما الصراع والعراك... أي دخلا في سين وجيم وتين ودين وزيد وعبيد وطاخ وطيخ... فثقبا القارب الصغير عن جهل لا عن علم أو عمد... فأرادا فيما بعد... أن يصلحا ما فسد... بعد أن بدت لهما سوءتهما.
 
فأغلق أحدهما ثقب القارب بأصابعه ليمنع دخول الماء... أما الآخر فأمسك بالمجدافين ليجدف بالقارب نحو أقرب شاطئ للنجاة.
 
وفجأة بعد برهة بسيطة فقط خطرت لأحدهما فكرة خطيرة جداً... بل جهنمية... إذ قرر... أن يلقي بصاحبه في البحر ويظفر هو ببقية الطعام لنفسه.
 
ونظراً لأنهما يعيشان في نفس القارب الصغير... ولضيق المسافة بينهما... فقد تم بقدرة ربك تفعيل قدرة التخاطر بينهما... فانتقلت الفكرة البلهاء الخطيرة والمجنونة من رأس أحدهما لرأس الآخر... في لمح البصر.
 
وقرر كلاهما التنفيذ.
 
فترك أحدهما مجدافيه... ورفع الآخر أصابعه من الثقب... ليبدأ بينهما الصراخ ثم العراك.
 
وبعد أن نالهما نصيبهما من «الدوشة والكَلَبْ»... أي «الإزعاج والتعب»... وبعد أن أوشك القارب على الغرق... التفت الاثنان أنهما يعيشان في القرن الحادي والعشرين... وأن هناك أشياء جديدة وأفكار نافعة قد تخدمهما في هذا العصر فتكون هي البلسم الشافي لهما ولجراحهما ولآلامهما، وهي:... التعايش... والتسامح... وتبادل المصالح.
 
فعاد كلاهما لما كان عليه... ورضي بصاحبه... ورضي بنصيبه... ورضي بالقضاء والقدر خيره وشره - على مضض طبعاً -... وفي العين قذى... وفي الحلق شجا... .
 
فانتهت حكايتهما نهاية بهيجة سعيدة... كما هي العادة... وخلف كلٌ منهما... صبيان وبنات... وعاشا في سبات ونبات... بعد أن تزوجا الزوجات الصالحات... ورزقا من الهبات الطيبات.
 
وقد بقي اسماهما طي الكتمان... وفي الحفظ والصون.
 
لذا لا تحاولوا أن تتذاكوا علي هنا لتقولوا لي بعد أن انتهت الحكاية طبعاً، أن هذين الاثنين هما «الدويش والكلباني»... لأنهما يستحيل أن يفعلا مثل ذلك... كما يستحيل أيضاً أن يقعا في مثل هذا الموقف... بسبب ما يتحلى به كلٌ منهما... من روح التعايش والتسامح مع الآخرين.
 
ولا تقولوا لي كذلك أنهما من «الشيعة والسنة»... فالطائفتان أيضاً تتعايشان منذ القرون الأولى وتترفعان عن الخلافات والنزاعات الغبية والساذجة... ويستحيل أن تفرط طائفة منهما في قرينتها لتلقي بها في البحر.
 
وطبعاً، في النهاية لا يسعني بعد أن وضعت الملح على الجرح أو الجرح على الملح، وبعد أن طبعت أو بعد أن أطبع قبلتي الحارة على جبين الشيعة وجبين السنة... كي لا يزعل أحد، إلا أن أتقدم بخالص الشكر وجزيل التقدير والامتنان للشيخين الفذين... الذين فضحا بذكائهما المميز التشدد والتطرف... فأرادا عملياً أن يثبتا لنا خطورة البصاق في وجوه الناس المحترمين... وخطورة التكفير لأبناء الأوادم والبشر الأذكياء... ليثبتا للجميع أننا نعيش في النهاية في القرن الحادي والعشرين... الذي لا يحتمل «لا البصاق ولا التكفير»... فهو... قرن... التحضر والتطور والتعايش والتسامح وحقوق الإنسان والمصالح المشتركة.
 
فلله ذره من عصر... ولله ذرها تلك العقول الفذة.
 
والسلام.