كيف يمكن خلق تيار إسلامي معتدل؟

 على خلاف ما اعتقده بعض الكتاب الغربيين" إلى ترجيح العراقيين كفة الميول العلمانية في صناديق الاقتراع" فإننا نعتقد أن الكفة الراجحة كانت للإسلاميين إطلاقا، وكل ما في الأمر هو أن بعض الإسلاميين تراجعوا عن مواقعهم القيادية في الانتخابات المحلية بينما حل محلهم إسلاميون آخرون.

ففي غالبية المحافظات العراقية التي جرت فيها الانتخابات بما فيها العاصمة بغداد، تقدمت قوائم إسلامية كثيرة بينما تراجع المئات من القوائم العلمانية.

 لكن الملفت للنظر حقا أن العراقيين ميالون دوما إلى التغيير السياسي المستمر محليا ووطنيا، وهم لا يرضون بحكام يجلسون على كراسيهم دون أن يفعلوا شيئا، وكلما تقدم العراق وخلى من الظواهر السلبية الحائلة دون نهوضه، تظهر حاجة المجتمع العراقي إلى وجود تيار سياسي معاصر، يقود المرحلة القادمة، ويبني أركان الدولة العراقية الحديثة، ويقدم الخدمات والمعونات للشعب.

 والحق أن التيار الإسلامي المعتدل والفعال هو التيار السياسي المرجح لقيادة العراق مستقبلا؛ فالأجواء والشعائر الدينية -خصوصا في أوساط أكثرية العراقيين- تظل عاملا مؤثرا في العمل السياسي وفي اختيار قياداتهم السياسية، ولكنهم يبحثون دائما عن التيار الإسلامي الأقرب إلى تلبية احتياجاتهم وطموحاتهم، ولا يؤيدون من يرفع الشعارات الدينية فقط.

 والسؤال كيف يمكن إيجاد تيار إسلامي معتدل، يتمكن من إدارة الحكم، وله قدرة التواصل مع جمهوره؟

 هناك بوادر جيدة وإيجابية تكشف عن وجود حراك سياسي دائم لقوى وشخصيات سياسية عراقية، تسعى بصورة منفردة أو جماعية إلى إيجاد تيار سياسي وليد ينبثق عن بعض تلك القوى السياسية الإسلامية الحاكمة أو يكون بديلا عنها بحسب رؤية بعضهم.

 إلا أنه - وفي كل الأحوال- يتوجب أن يتصف التيار الإسلامي المعتدل بصفات تمكنه من المقبولية والاستمرارية، وبدونها فان الرغبة الشعبية في التغيير ستشمل حتى أولئك الإصلاحيين والمعتدلين الإسلاميين.

 وأهم ما يجب أن يتمتع به التيار الإسلامي المعتدل هو قدرة قياداته الإصلاحية على الاتصاف "بأخلاقيات عالية توجب التفاف الناس حولهم، والقائد المتميز هو الذي يبتعد عن أدق الصغائر، ويراعي ويحترم عادات الناس وقيمهم ويشاركهم في أمورهم، كما ورد بالنسبة إلى أمير المؤمنين علي عليه السلام: (كان فينا كأحدنا)".

 والابتعاد عن الأمور الجانبية الفرعية غير المهمة، والتفكير بالقضايا الأساسية البعيدة المدى التي توصلنا إلى الهدف والغاية المنشودة. وعدم الاستهزاء بالطرف الآخر، وهو من شيمة ضعفاء النفس، فان الاستهزاء لا يولد إلا الاستهزاء، فلكل فعل رد فعل.

 وعدم إطلاق الشعارات وقطع الوعود، فأنهما مما يضران ابلغ الضرر بالتيار الإسلامي المعتدل، فالشعار والوعد سهل؛ لكن العمل بما تحت الشعار وبالموعود صعب، "فإذا لم يعمل الإنسان بذلك، حمل كل أقواله وحركاته على السخف والهراء والباطل. وتحمل الإنسان مشكلة الواقع في الحاضر أسهل من تحمله مشكلة غير الواقع في المستقبل، لان المشكلة التي تتولد في المستقبل من غير الواقع أضعاف مشكلة الواقع في الحاضر. ففرعون وهامان، ومعاوية وهارون، وستالين وهتلر، وصدام وإضرابهم، أرادوا أن يحفظوا ماء وجههم، أرادوا الكبرياء بغير حق، فانقلب الأمر عليهم حيث صاروا لعنة التاريخ. أهذا كان أفضل؟. أو كان الأفضل الاتصاف بالحقيقة والواقعية ـ ولو بقدر ـ حتى لا يصلوا إلى هذا المصير الأسود؟".

 وأيضا من الصفات الضرورية للتيار الإسلامي المعتدل هو السعي لجعل الأطراف المناوئة والدول المعادية تأخذ موقفا حياديا في قبال التيار الإسلامي المعتدل، وذلك بالاعتماد على سياسة عدم الإثارة، أو التحرك الهادئ، أو ما أشبه من الحكمة والتعقل. وأخيراً، وبحسب رأي الإمام السيد محمد الشيرازي "رحمه الله" أهمية إتباع سياسة اللاعنف في كل تحرك، سواء كان قبل الوصول إلى الحكومة أم بعدها.

وبالتالي، فإذا فتح الناهضون الحوارَ بكل تواضع مع الآخرين، وجنحوا إلى الواقعية، لا التزوير والمؤامرة والخداع، واستمروا بالسلم والرفق. انتهى الأمر - ولو بعد عقد من الزمن- إلى سيادة المفاهيم الجديدة الواقعية، التي يدعو لها التيار الإسلامي المعتدل وتقبل الأمة لهذه المفاهيم وتفاعلها معها، حتى تصبح بعد ذلك جزء من قيم الأمة والشعب، وليس قيم مجموعة من المصلحين والناهضين فحسب.

 وعند ذاك، يكون من الصعب على التيارات غير الإصلاحية أن يتلاعبوا بإرادة الأمة وقرارها الصحيح. ونكون، يوم ذلك، قد خطينا بأنفسنا وشعبنا في العراق الخطوة الصحيحة نحو العاقبة المحمودة.