الإسلام وحرية التعبير(*)

حسين أحمد بزبوز *

"جريت ويلدرز" (Geert Wilders) عضو في البرلمان الهولندي ورئيس لحزب الحرية. أطلق عام 2008 م "فتنة" (Fitna)، وهو فيلم مثير للجدل حول القرآن والعنف الجهادي. وقد هوجم "ويلدرز" باعتباره داعية عداء للإسلام، بينما رحب به في الجهة الأخرى كمدافع عن القيم الغربية وحرية التعبير. وقد استدعي "ويلدرز" في شهر يناير من قبل محكمة هولندية في دعوى قضائية بذريعة إثارة الكراهية غير المشروعة ضد الإسلام. وكان في الشهر الماضي مدعواً لحضور عرض لفيلم "فتنة" (Fitna) في قصر "الويستمنستر" (Westminster)، لكن الحكومة البريطانية منعته من دخول البلاد. وقد أجرى معه مؤخراً "جيف جاكوبي" (Jeff Jacoby) الصحافي بصحيفة "جلوب" (Globe) مقابلة صحفية، وقد أعد على أثرها المقتطفات التالية:

 س: لقد قلت أن انجلترا هي اليوم أكثر شبهاً بـ "تشامبرلين" (Chamberlain) من شبهها بـ " تشيرشيل" (Churchill). اشرح لنا ماذا تعني بهذه العبارة؟.

 ج: حسناً، لقد كان "تشامبرلين" (Chamberlain) أكبر مهادنٍ للأيديولوجية الشمولية المسماة بالفاشية. واليوم نحن نواجه خطر أيديولوجية شمولية أخرى هي الإسلام، على الأقل بالنسبة لي. وهنا بدلاً من الدفاع عن حريتنا، والدفاع عن قيمنا، منعت قبل بضعة أسابيع عندما دعيت لعرض فيلم "فتنة" في "مجلس اللوردات"، من دخول المملكة المتحدة.

 س: لقد قال خطاب وزيرة الداخلية البريطانية (British home secretary): "إن تصريحاتك عن المسلمين ومعتقداتهم ... يمكن أن تهدد انسجام المجتمع، ومن ثم الأمن العام، في المملكة المتحدة".

 ج: إن ما حصل في الواقع فعلاً، هو أن الوزيرة تم الضغط عليها. ففي الصحافة الإنجليزية، كان هناك كثير من الأخبار التي تفيد أن اللورد أحمد (نظير أحمد - نبيل بريطاني-) قد هدد بتحشيد عشرة آلاف مسلم للتظاهر أمام قصر "الويستمنستر" (Westminster).

 س: هذا لو سمح لك بدخول البلاد.

 ج: نعم، وهذا ما قصدته بالشبه بـ "تشامبرلين"، فالحكومة البريطانية تستسلم للعدو وتسترضيه. نحن قد لا نحبذ الرؤية السياسية لشخص ما، لكن يجب أن يسمح له بالحضور وقول ما لديه.

س: في الفيلم، عرضت مقتطفات من القرآن، بجانب مقاطع فيديو تتضمن تصريحاتٍ وأفعالٍ لمتطرفين مسلمين.

 ج: بدقة، لقد استعملت الحقيقة. فقد تم صنع ذلك حقيقةً بأيدي المتطرفين المسلمين أنفسهم. وأنا قمت فقط بدمج الصور بالمصدر. فإذا كانوا يكرهون هذا الفيلم، فهم يكرهون ما يصنعونه بأنفسهم. وفي نهاية فيلم "فتنة" (Fitna)، يتحدث الفيلم عن الأيديولوجية الإسلامية، حيث يجب علينا أن نبطل تهديد تلك الأيديولوجية الإسلامية. أما أن يتم منع الفيلم في المملكة المتحدة، وأن يقاضى خصوصاً في بلدي بالتحديد، فذلك ما اعتبره اعتداءً صارخاً.

 س: قبل أسابيع قليلة في تظاهرة في "أمستردام" (Amsterdam)، كان الناس يهتفون "حماس! حماس! خذوا اليهود للغاز"، فهل كانت هناك أي ملاحقة قضائية لمثل ذلك الهتاف؟.

 ج: تلك هي المعايير المزدوجة: فإذا كنت إماماً مسلماً متطرفاً، وقلت خلال خطبة الجمعة - وذلك قد حصل فعلاً في هولندا - كما يقولون أن الشريعة يجب أن تطبق، وأن الشواذ جنسياً يجب إلقاؤهم من المباني العالية، وأن النساء يجب أن يضربن ... وأشياء أخرى مروعة كهذه. فقد يتم استدعاء هؤلاء للمحاكمة أحياناً، لكن دائماً ما تتم تبرئتهم، وذلك بذريعة حرية الأديان. وحين يقف شخص مثلي الآن، ليقول: "هيه يا أنتم، إن هذا خطأ"، أجر بسبب ذلك للمحكمة.

 س: في هذا الشهر تمر الذكرى السنوية العشرون للفتوى الموجهة ضد "سلمان رشدي" (Salman Rushdie)، التي أطلقها "آية الله الخميني" (Ayatollah Khomeini)، في إيران. حينها في تلك الفترة، دافع الغرب بقوة أكبر عن رشدي (Rushdie). أما الآن بعد كل ذلك، فبعد مرور عشرين سنة، ها أنت تمنع من دخول بريطانيا، وتقاضى في بلدك، فما سبب ذلك التحول في ردود الأفعال؟.

 ج: إن ما جرى هو أن "أصحاب الفلسفة النسبية للثقافة" (cultural relativists) يؤمنون أن جميع الثقافات متماثلة، وأن الإسلام ليس سوى ورقة أخرى في الشجرة، ولهذا فكل من يقول خلافاً لذلك فهو "شخص مصاب بالرهاب من الأجانب" (a xenophobe)، أو شخص عنصري. وبالنظر للواقع اليوم، فالمسلمون يمتلكون في أوروبا قوة سياسية ضخمة. فهم ينتخبون، وغالبهم ممثلون عبر الأحزاب اليسارية.

 س: أنت تقول: "أنا لا أكره المسلمين، أنا أكره الإسلام"، فهل هناك في الحقيقةً أي اختلاف؟.

 ج: أنا لا أعادي الناس. أنا لا أكره المسلمين. أما الإسلام فهو أيديولوجية شمولية، فهو يتحكم في كل مفاصل الحياة: في الاقتصاد، وفي قوانين الأسرة، وفي كل شيء. للإسلام رموز دينية، ولديه إله، ولديه كتاب، لكنه ليس ديناً. إنه أشبه شيء بأيديولوجية شمولية من قبيل الاشتراكية والفاشية. فليس هناك دولة يحكمها الإسلام وتكون فيها في ذات الوقت ديمقراطية حقيقية، ويكون فيها فصل حقيقي بين الدين والدولة. إن الإسلام مناقض تماماً لقيمنا.

 س: ماذا تقول للباحثين في الشأن الإسلامي من أمثال "دانيل بايبس" (Daniel Pipes)، والذي يجادل في أن "الإسلام المتطرف" (radical Islam) هو المشكلة، و "الإسلام المعتدل" (moderate Islam) هو الحل؟. فلماذا يجب أن نقبل بما يقوله "جريت ويلدرز" (Geert Wilders)، عوضاً عما يقوله شخص آخر مثل " بايبس" (Pipes)؟.

 ج: أنا أحترم " دانيل بايبس" (Daniel Pipes)، لكنني أخالفه الرأي بشكل تام. فليس هناك إسلام معتدل. وكما قال رئيس الوزراء التركي السيد أردوغان نفسه مؤخراً : "هناك فقط نكهة واحدة للإسلام، هي نكهة القرآن".

 س: لكنه إسلامي، لذا يجب أن تتوقع منه أن يقول مثل ذلك. لكن ماذا عن المسلمين الآخرين المعارضين للإسلام السياسي، المسلمون الذين يرفضون المتطرفين؟.

 ج: أنصت إلي، المسلمون ينظرون للقرآن، خلافاً لجميع الأديان الأخرى، باعتباره كلام الرب الذي لا يمكن انتقاده أبداً. فإذا انتقدت القرآن، تكون حينها مرتداً وملحداً. صحيح أن هناك أناس معتدلون يسمون أنفسهم مسلمين. لكن الإسلام المعتدل هو شيءٌ معدومٌ تماماً. ولن يكون هناك أبداً في الإسلام حركة تنوير (an Enlightenment) كتلك التي حصلت في الساحة المسيحية.

 س: لم لا؟.

 ج: لأنه وخلافاً لتفاسير الكتب المقدسة الأخرى، يعتقد المسلمون أن القرآن هو كلمة الرب ولا يمكن تغييره أبداً.

 س: مهلاً، "كتاب العهد الجديد" اليوم هو نفس "كتاب العهد الجديد" الموجود قبل ألف عام، والفارق يكمن في كيفية قراءة وفهم ذلك الكتاب. ويستطيع المرء أن يقول أن المسيحية كانت دين عنف وحرب، لكن اليوم لن يقول ذلك.

 ج: نعم، لقد حدث تغيير في المسيحية. وكان ذلك ممكناً لأن المسيحيين لا يعتقدون أن "الإنجيل" (the Bible) هو حرفياً كلام الرب، خلافاً للقرآن. وإذا كنت تعتقد أن (القرآن) كلام الرب، فلن يكون هناك مجال للتغيير أبداً.

 س: لكن لمَ لا يمكن أن تكون هناك حركة من داخل الإسلام تستطيع أن تقول: "نعم، القرآن يقول (س)، و (د)، وقد فسر ذلك تفسيرات عنيفة على أيدي أناس متطرفين، أما نحن فنفسر ذلك تفسيراً مختلفاً؟.

 ج: حينها لن يكون هؤلاء مسلمون على الإطلاق.

  س: كيف تقرر ما إذا كان هؤلاء: مسلمون أو غير مسلمين على الإطلاق؟.

 ج: أنا لا أقرر، إنه القرآن هو من قرر.

 س: إن ما عمله المسيحيون إبان عهد "محاكم التفتيش" (the Inquisition)، يعبر عما كانت عليه المسيحية حينئذٍ، أما اليوم فقد أصبحت المسيحية شيءً آخر.

 ج: مقدماتك المنطقية خاطئة تماماً. فالإسلام ليس ديناً. الإسلام أيديولوجية. وأنت مستمر في مقارنته بالمسيحية واليهودية، لكنه ليس كذلك. فالإسلام أيديولوجية تريد أن تحكم كل جوانب المجتمع. وأنا أعلم أن الملايين من الناس يعتقدون أن الإسلام دين، لكنني لا أؤمن بذلك.

 

س: هل هناك أي فرق من وجهة نظرك بين "الإسلام" و "الإسلام السياسي" ؟.

 ج: الإسلام والإسلام السياسي، هما شيءٌ واحدٌ تماماً.

 

س: بمثل هذه الرؤية، ألا تقصي كل مسلم تماماً عن إمكانية أن يكون حليفاً؟.

 ج: أنا لا أقصي أحداً. بل أنا لا أريد حتى من مسلمي هولندا أن يغادروا بلدي. فأنا لست "جين ماري لي بين" (Jean-Marie Le Pen). أنا فقط أريد مساعدة الناس ليصبحوا متعلمين، ليصبحوا جزءً من مجتمعنا، ليحصلوا على وظائف، وليحترموا قيمنا. لكن ذلك ليس ممكنا على قواعد أيديولوجيتهم الخاصة المسماة الإسلام.

 

س: ألا يعارض ذلك دفاعك عن حرية التعبير؟.

 ج: هولندا ليست بلداً مسلماً. وأنا لا أريد نظاماً كالموجود في السعودية (Saudi Arabia) أو في إيران (Iran). فأيديولوجيتهم تقول بضرب المرأة، وقتل اليهود، وقتل الشواذ جنسياً. ويمكنك القول: "حسناً، أليست تلك هي حرية التعبير؟"، وأنا أريد في الحقيقة أن نمتلك المزيد من حرية التعبير، لكن هناك خط أحمر واحد هو "التحريض على العنف".

 

س: لقد قلت أنه تحت حكم القانون الهولندي يجب أن يحظر القرآن، فهل كنت تستخدم المبالغة النحوية، أم أنك تعني ذلك حرفياً؟.

 ج: أنا أعني ذلك. لكن عليك أن تعرف سياق هذا الكلام ضمن الوضع الهولندي. ففي السبعينات تم حظر كتاب "كفاحي" (Mein Kampf)، وقد أرضى ذلك (اليسار) كثيراً. وأنا أعارض اليوم حظر أي كتاب حتى لو كان أسوأ من كتاب "كفاحي" (Mein Kampf). وأنا لست هنا أول شخص يعقد هكذا مقارنة، فقد قارن وينستون تشرشل قبلاً كتاب "كفاحي" (Mein Kampf) بالقرآن، وذلك في خمسينات القرن العشرين.

 س: يمكن أن يقول المدافع الأمريكي عن حرية التعبير، أن كتاب "كفاحي"، ما كان ينبغي له أن يحظر، وأن القرآن يجب أن لا يحظر، وهكذا بقية الكتب يجب أن لا تحظر. فبحسب ما يقوله "التعديل الأول للدستور الأمريكي" (the First Amendment)، فأنت تملك الحرية في أن تنشر أفكاراً في كتاب حتى لو كانت تلك الأفكار أفكاراً مفعمة بالكراهية. فهل ذلك ما تفضله في هولندا أيضاً؟.

 ج: أنا أفضل ذلك، باستثناء التحريض على العنف.

 

س: هل تعتقد أن: حرية التعبير (freedom of speech) وتعدد الثقافات (multiculturalism)، متعارضتان جذرياً؟.

 ج: لا، الإسلام وحرية التعبير هما المتعارضان. والفلسفة النسبية للثقافة (Cultural relativism)، تجعل من الصعب أن نقاتل. لأن الفلسفة النسبية للثقافة تقول أن الإسلام مثله مثل المسيحية. وفي أوروبا تتم الأسلمة بسرعة فائقة. ففي السجون، لدينا رمزٌ في كل زنزانة يشير إلى اتجاه مكة (Mecca). وفي خصوص هولندا تحديداً يمكنني أن أعطيك 500 مثل على ذلك. فالناس يجلدون مثلاً في شوارع "أمستردام" (Amsterdam) و "بروسيلس" (Brussels)، بسبب شربهم الماء في رمضان. لذا يجب أن يكون لدينا شعور بوضع الضرورة.

 

س: ماذا تقول للمسلمين من أمثال "زهدي جاسر" (Zuhdi Jasser)؟. فهو أمريكي، وضابط سابق في سلاح البحرية الأمريكية، وطبيب أيضاً. وبعد (9/11)، كان مرتاعاً كثيراً لما حصل باسم الإسلام، وقد أسس "المنبر الأمريكي الإسلامي للدفاع عن الديمقراطية" (the American Islamic Forum for Democracy)، وهو محب لأمريكا، مناصر للديمقراطية، معادي للعنف، ومعارض للإسلام السياسي أيضاً. فكيف تجيب أناساً مسلمين من أمثاله، وهم يقولون: "أنا أحب ديني، وأحب أيضاً الحرية، والديمقراطية، والقيم الغربية، وأؤمن بالفصل بين المسجد والدولة، لكن كيف يمكن أن أكون حليفاً مع شخص يقول أن ديني هو الشر نفسه؟".

 ج: حسناً، سأخبره أنني أتمنى أن هناك كثيراً من الناس مثله. وذلك لم يحصل فعلاً. وأنا لا أتفق مع الدكتور/ جاسر في خصوص الإسلام، لكنني أتمنى لو كان هناك كثيرون مثله.

 

(*) ترجمة بتصرف لمقال (Islam and freedom of speech)، المنشور في موقع (www.boston.com)، نقلاً عن صحيفة (The Boston Globe)، بتاريخ (8 مارس 2009م).
(**) ملاحظة:
قد يتساءل البعض: لماذا هذه الترجمة، وهي تحتوي بالتأكيد أشياء كثيرة تنفر منها نفوسنا المسلمة، ولا ترتضي سماعها؟.

ونحن نقول هنا لهؤلاء، أن ذلك جاء من باب معرفة الآخر ... وكيف يفكر ... وكيف يخطط ... وكيف يتحرك ... وكيف ينظر لنا ... واستيعاباً للمعنى الواسع لما روي عن رسول الله من قوله (من تعلم لغة قوم أمن مكرهم)، وأيضاً قول أمير المؤمنين علي (العالم بزمانه لا تهجم عليه اللوابس) ... وانسجاما أيضاً مع متطلبات المعرفة، وانطلاقاً من الفهم السليم لحقائق الحياة.