المرجع الشيرازي دام ظله : إن عالم اليوم بحاجة إلى سيرة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله
في يوم الثلاثاء الموافق للثامن والعشرين من شهر صفر المظفّر 1430 للهجرة، ذكرى استشهاد أشرف الخلق والمرسلين، المبعوث رحمة للعالمين، مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله، وكالسنوات السابقة، ألقى المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله كلمة قيمة بالمئات من المؤمنين المعزّين الذين وفدوا على بيت سماحته من مختلف المدن الإيرانية، للاستفادة من توجيهات سماحته.
في بداية كلمته قدّم سماحته تعازيه بمناسبة ذكرى استشهاد مولانا النبي الأعظم صلى الله عليه وآله، وذكرى استشهاد مولانا الإمام علي بن موسى الرضا صلوات الله عليهما، وقال:
لقد انتهى شهر محرم الحرام، وهذا شهر صفر قد شارف على الانتهاء، لكن التشيّع لا ينتهي وكذلك لا تنتهي عاشوراء ولا الفكر الحسيني، ويجدر بالموالين لأهل البيت صلوات الله عليهم أن يعملوا على إحياء تعاليم التشيّع ومبادئه وثقافته دوماً بتعريف ذلك للعالمين أجمع، وبإقامة المجالس الخاصة بإحياء ذكر أهل البيت صلوات الله عليهم.
ثم ذكر سماحته مقطعاً من خطبة الصديقة الكبرى مولاتنا فاطمة الزهراء صلوات الله عليها التي ألقتها بعد استشهاد مولانا النبي الأكرم صلى الله عليه وآله، وهو: «...وكنتم على شفا حفرة من النار، مذقة الشارب ونهزة الطامع وقبسة العجلان وموطئ الأقدام، تشربون الطرق وتقتاتون القدّ، أذلة خاسئين، تخافون أن يتخطفكم الناس من حولكم، فأنقذكم الله تبارك وتعالى بمحمد صلى الله عليه وآله، بعد اللتيا والتي، وبعد أن مني ببهم الرجال وذؤبان العرب ومردة أهل الكتاب، كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله، أو نجم قرن الشيطان، أو فغرت فاغرة من المشركين، قذف أخاه في لهواتها، فلا ينكفئ حتى يطأ جناحها بأخمصه ويخمد لهبها بسيفه، مكدوداً في ذات الله، مجتهداً في أمر الله، قريباً من رسول الله، سيّداً في أولياء الله، مشمّراً ناصحاً مجدّاً كادحاً، لا تأخذه في الله لومة لائم، وأنتم في رفاهية من العيش، وادعون فاكهون آمنون تتربصون بنا الدوائر وتتوكفون الأخبار وتنكصون عند النزال وتفرّون من القتال»(1). وقال:
إن مولاتنا سيدة نساء العالمين صلوات الله عليها قد بيّنت في هذا المقطع من خطبتها الشريفة أن مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله بوجوده نال العرب العزّة والأمان في زمن كانت تحكمه قوتان عظميان وهما الروم و الفرس الذين لم يكونوا يعيرون أي احترام للعرب، حتى أنهم لم يكن لديهم ممثل أو حسب اصطلاح اليوم سفير لهم في الجزيرة العربية.
وقال سماحته: على الجميع أن يطالعوا تاريخ وسيرة النبي صلى الله عليه وآله ويعرّفوها للعالم. فالناس إذا عرفوا سيرة الرسول صلى الله عليه وآله فسيدخلون في الإسلام أفواجاً.
وبعد أن أكّد سماحته ضرورة أن يقوم أتباع أهل البيت صلوات الله عليهم بتشجيع أبنائهم وحثّهم على تعلّم وحفظ خطبة مولاتنا فاطمة الزهراء صلوات الله عليها قال: إن شهري محرم وصفر قد انتهيا، وستعرض على المعصومين الأطهار صلوات الله عليهم وبالأخصّ مولانا الإمام المهدي المنتظر عجّل الله تعالى فرجه الشريف، صحيفتا أعمال إحداهما عكس الأخرى. الأولى مضاءة ونورانية وهي صحيفة أعمال الذين عملوا لأجل عاشوراء. وأما الثانية فهي سوداء ومظلمة وهي خاصة بالذين عملوا ضد عاشوراء.
وأضاف سماحته: إن أهل البيت صلوات الله عليهم كانوا يعلمون أن عاشوراء والقضية الحسينية ستتعرّض للمحاربة ولمحاولات العرقلة، لذلك أكّدوا في أحاديثهم الشريفة أن القضية الحسينية تزداد حيوية وانتشاراً وعلوّا يوماً بعد يوم وستبقى خالدة أبد الدهور، ومنها قول مولانا النبي الأعظم صلى الله عليه وآله: «وليجتهدنّ أئمة الكفر وأشياع الضلالة في محوه وتطميسه فلا يزداد أثره إلاّ ظهوراً وأمره إلاّ علوّاً»(2) .
وفي سياق كلمته شكر سماحته كل المؤمنات والمؤمنين الذين زحفوا إلى مدينة كربلاء المقدسة مشياً على الأقدام، وأدّوا مراسم زيارة مولانا الإمام الحسين صلوات الله عليه في ذكرى الأربعين وقال: حسب تصريحات المسؤولين العراقيين فإن ما يقارب أربعة عشر مليون زائر قد أدّوا مراسم زيارة مولانا الإمام الحسين صلوات الله عليه في ذكرى الأربعين هذا العام، ولو كانت الظروف الأمنية في العراق مستتبة أكثر مما هي عليه الآن لقدم إلى كربلاء أضعاف ذلك.
لقد زارني جمع من المؤمنين القادمين من أمريكا للذهاب إلى كربلاء فأكّدوا لي بأنه لو كان العراق أكثر أمناً واستقراراً لأتى الألوف من المؤمنين والمؤمنات مشياً على الأقدام من أمريكا إلى كربلاء وإن طالت مدة ذلك شهرين أو أكثر.
وأردف سماحته: لقد تأسّيت بمولانا الإمام الصادق صلوات الله عليه حيث دعوت بالخير لزوّار مولانا الإمام الحسين صلوات الله عليه في كل الصلوات الواجبة والمستحبّة التي أديتها.
وحول الذين يثيرون الشبهات حول زيارة الأربعين قال سماحته: بعض المسائل هي من المسلّمات ومن البديهيات وفي غنى عن السند والدليل كمسألة انتساب الأبناء إلى آبائهم، لذلك فإن الذين يطالبون بسند زيارة الأربعين هم في الواقع ليست لهم معرفة بما ذكر في (جواهر الكلام) وفي المجلّد الثاني من (العروة الوثقى)، لذلك تراهم لا يفهمون الآراء الفقهية للعلماء.
وفي جانب آخر من كلمته أشار سماحته إلى جوانب من السيرة النبوية الشريفة وقال: اقرأوا الإحصائيات في دول اليوم وبالأخصّ في الدول التي تدّعي التحضّر والمدنية،حول عدد السجناء الذين سجنوا بسبب عدم مقدرتهم على تسديد ديونهم عندها ستعرفون أن دولة الرسول صلى الله عليه وآله كانت أفضل الحكومات وأكثرها تطوّراً ورقيّاً.
إن مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله عندما أسّس حكومته أعلن للناس جميعاً أنه: «من ترك دَيناً أو ضياعاً فعليّ، ومن ترك مالاً فلورثته»(3). والأمر نفسه عمل به مولانا الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه في أيّام حكومته، علماً أن النبي وأمير المؤمنين صلوات الله عليهما رحلا عن الدنيا وعليهما دَين!!
وشدّد سماحته قائلاً: إن عالم اليوم المبتلى بجاهلية من نوع جديد، إذا عرف هذه التعاليم النبوية الراقية، وهي من أحسن التعاليم وأفضلها وأرقاها، والتي لم تعمل بها أي حكومة، فإنهم سيعتنقون الإسلام بلا أدنى تردّد.
وحول الذين يدّعون أن الإسلام لا يستطيع إدارة عالم اليوم قال سماحته:
إن ادّعاءهم هذا هو نتيجة جهلهم بالإسلام. فمن علائم قوّة الإسلام هو ما سنّه مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وعمل به أيام حكومته: تسديد ديون الأموات، وإرجاع إرث الموتى لورثتهم.
إن من إحدى المشاكل التي ابتلي بها المسلمون هم حكّامهم، فصدام مثلاً كان قد بنى إحدى قصوره بكذا ميليار من الدولارات.
وفي نهاية كلمته دعا سماحته بالتوفيق للمسلمين جميعاً وبالأخصّ لأتباع أهل البيت صلوات الله عليهم.