ماذا رسمت واقعة كربلاء ؟
عندما نذكر سيرة العظماء ونستطرد حياتهم، ونجوب في جوانبها، نجد الضياء والنبراس الذي نقتفي منه القيم والمواقف الحرة وكيف ونحن امام شخصية تهتز الارض وتخر الجبال امام شموخها قمة من قمم الإنسانية الشامخة، وعملاق من عمالة البطولة والفداء. فالفكر يتعثر وينهزم، واليراع يتلكأ ويقف أمام إنسان سطر ملحمة من ملاحم العزة والإباء، الا هو الإمام الحسين الشخصية المثالية المتميزة ليس لها في الوجود نظير، كيف وهو ابن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وقد قال فيه الرسول : الحسن والحسين سيدا شباب اهل الجنة "وفي حديث اهل الكساء اكبر شاهد على مكانتهم والمنزلتهم العليا الذي ضم "الرسول الأكرم ، والسيدة الزهراء ، والإمام علي ، والإمام الحسن ، والإمام الحسين .
فاطمة الزهراء : قالت:... فقال الله عز وجل: «يا ملائكتي ويا سُكانَ سماواتي إنِّي ما خلقتُ سماءً مَبنْيَّةً ولا أرضاً مَدْحِيَّةً ولا قَمَراً مُنيراً ولا شَمْساً مُضيئةً ولا فَلَكاً يَدُور ولا بَحْراً يَجْري وَلا فُلْكاً يَسْري إلاَّ في مَحَبَّةِ هؤلاءِ الخَمْسَةِ الذين هُمْ تحت الكِساءِ. فَقَال الأمينُ جَبرائيل: يا رَبِّ وَمَنْ تحت الكِساء؟ فقال عَزَّ وَجَلَّ: هم أهلُ بيتِ النبوَّةِ وَمَعْدِنُ الرِّسالةِ، هُمْ فاطمةُ وأَبوها وَبَعْلُها وَبَنُوها..» وقد تخرج من جامعة الرسول الاكرم وأهل بيته ، حيث شملتهم العناية الإلهية بقولـه تعالى: ﴿ إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً ﴾ الإمام الحسين الذي امتدت عطائته الكربلائية الى هذا اليوم والى ان تقوم الساعة، لقد كانت فاجعة كربلاء انطلاقة حقيقية لسمو الانسان وعزته وقوته، فاجعة كربلاء رسمت عبر الأهداف التى أعلنها الأمام الحسين الخط والصراط الذي تسير وتنهج عليه الامة الإسلامية، فقد كان الدم واضعا للخطوط العريضة لقوة الامة وعلوا همتها، الإمام الحسين ومام شعار "هيهات من الذلة " قد جسد أروع وانصع الصور لرفض الباطل والخضوع له، رفض الظلم والطغيان رفض المهانة،وأبى ان لا يكون الا عزيزا ومناصرا للحق وطالبا له حتى لو كلف ذلك حياته الشريفة، المتأمل لواقعة الطف والذي يقف امام عتباته ويستسقي منها ليجد فيضا من المعطيات والاضاءات الانسانية بمعناها الحقيقي معركة كربلاء معركة ليست كأي معركة من المعاركة الذي ذكرها التاريخ عبر مسيرته، معركة كربلاء تختلف تماما بكل تجلياتها واهدافها ونتائجها عن أي معركة وثورة، فلم تكن معركة كربلاء نتاج مادي صرف ولانتاج كرسي وزعامة وانما حملة كربلاء قيم ومبادىء ومثل، حملت كربلاء الانسانية، حملت كربلاء حمل انقاذ الامة التى عبت بها بنو امية بظلمهم واستبدادهم وطغيانهم والمتمثل في شخص يزيد بن معاوية، واعوانه.
واليوم ونحن نسكب المدامع من الأجفان، ونجلب الفجائع، ونثير الأحزان، ونلهب النيران الموجودة في أكباد ذوي الإيمان، بما أجرته الأقدار للفجرة من الإجتراء، وفتكها واعتدائها على الذريّة النبويّة بسفح دمائها وسفكها، وعبر منابر الحسينية التى تلهج بذكر الحسين وعبر القنوات الفضائية التى صك اسماع العالم بذكر الامام الحسين عليه اكبر دليلا على انتصار الحسين ونتشار الفكر الاسلامي الواعي والحي والتى كان من اهداف ثورة سيد الشهداء اليوم نحن بحاجة الى كربلاء بحاجة الى الامة القوية الامة التى تفخر بعظماها وتنهل من نمير فكرها ومواقف رجلاتها، نقف امام تلك المنابر نقتبس من رحيق تلك النهظة هذه الذكرى الغنية بالقيم والمثل العليا والتي تعلمنا كيف نعيش احرارا وكيف نموت في مملكة الجلادين سعداء منتصرين لو ادركنا اهداف تلك الثورة وأحسنا استغلالها هذه الذكريات قد اقترنت كما يبدو بعد الاحصاء الدقيق لتاريخها بتلك المجزرة الرهيبة التي ايقظت المسلمين على اختلاف فئاتهم وانتماءاتهم ونزعاتهم، الامام الحسين عبرة وعبر وكفانا ان نقف امام كلماته ونجسدها في حياتنا،"أرى الموت الا سعادة والحياة مع الظالمين الا برما." " هيهات من الذله " "الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه مادرت معايشهم، فإذا محصوا بالبلاء قل الديانون"، قال لإبنه زين العابدين : أي بني إياك وظلم من لا يجد عليك ناصرا الا الله عز وجل.، إن قوما عبدوا الله رغبة فتلك عبادة التجار، وإن قوما عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد، وإن قوما عبدوا الله شكرا فتلك عبادة الأحرار، وهي أفضل العبادة.
هي كربلاء الاباء هي كربلاء الكروب هي كربلاء الفاجعة هي كربلاء الجراح كربلاء المضيئة رغم بشاعتها هي كربلاء الموقف هي كربلاء الزاكية رغم أوجاعها...كربلاء الموت مِن أجل الحياة..
واقعة الطف تشكل الإلهام والرافد الأساس لكل جوانب الحياة في شخصية كل فرد مسلم وارث تاريخي وديني واجتماعي واخلاقي وسياسي واقليمي، واقعة الطف تمثل الصورة الحقيقية والتوجه الانساني االمحق لسير على منهج السلوك الى الله سبحانه وتعالى،هذه الملحمة التاريخية اثرت وبشكل سحري على شخصيتنا كافراد لما لها من قيم واهداف ذات البعد الطويل حتى يرث الله الارض ولعل ابرز مصاديق التاثير الوعي وايقاظ الظمير بعد معركة كانت بين حب الدنيا وسيطرتها عبر ملذاتها وبين حب القيم والمبادىء التى رسمها الله سبحانة وتعالى عبر نبينا محمد إحياءً ينبع من معرفة وعلم ووعي لينعكس ذلك على سلوكنا لكي نكون كما أمر الإمام الصادق .. كونوا دعاة لنا بغير ألسنتكم.. فالحسين سفينة النجاة ومشكاة الهدى ويجب على كل من ينادي باسم الحسين أن يعي حجم المسؤولية التي تقع على عاتقه.. قيمة العمل في المنظور الإنساني والأخلاقي، إنما تأتي من رفعة وشرف حملته، فبمقدار الشأن الاجتماعي الذي يتمتع به القادة، تكون للعمل الإنساني قيمة ورفعة، هذا أولا، ثمنبالة الهدف المنشود وإنسانيته ثانيا. وواقعة الطف تحمل بين جوانبها هذان المعنيين ولعل من يقف جليا امام اهداف تلك الثورة الحسينية ويقطف من ثمارها على عظم بشاعة الواقعة الانها تجلياتها واهداف على المستوى الفرديوما اثرت به على مستوى الشخصي لدي فهي كثيرة جدا ولعل هنا اقف امام بعض تلك الاهداف التى قامت هذه المعركة، فهي طلب الإصلاح في الأمة، ونشرالعدل الاجتماعي، ومحاربة الفساد السلطوي، وإعادة المال العام إلى أهله، وسيادة مجتمع الصالحين.
هذه الأهداف الإصلاحية الإنسانية، حددها الإمام في خطبه وأحاديثه قبيل المعركة وأثنائها لتكون حجة على الحاضرين والغائبين، في تغيير الواقع الاجتماعي والسياسي والثقافي في المجتمع، كلما تعرضت قيمه ومبادئه إلى تهميش والمحو والضياع. فهو يقول :" ألا واني لم اخرج أشرا ولا بطرا، ولا ظالما ولا مفسدا، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في امة جدي، أريد أنأمر بالمعروف وانهي عن المنكر".لن اطيل فمساحة الحديث حول الطف كثيرة ولكن نقتفي منها ما سمح لنا بذلك فالحسين شمعة ستظل تنير للبشرية سبلهم فهو نبراس الامة الى يوم القيامة فسلام الله عليك يا ابا عبدالله يوم ولدت ويومقتلت شهيدا ويوم تبعث حيا ورزقنا بالدنيا زيارتك وفي الاخرة شفاعتك بمحمد واله الطاهرين.هكذا رسمت لنا الثورة الكثير رسمت الصراط المستقيم وسمت القيم والمكاسب الالهي رسمت لنا الحياة بمعناها الحقيقي.