العلامة المصطفى : الإسلام في خط أهل البيت عليهم السلام
تحت عنوان (الإسلام في خط أهل البيت عليهم السلام ) افتتح سماحة العلامة الشيخ المصطفى حفظه الله خطبته ليوم الجمعة الموافق 20/3/1429 هـ في مسجد الرسول الأعظم بالدخل المحدود بـ (أَحْمَدُ اللهَ وَأَسْتَعِينُهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَنَجِيبُهُ وَصَفْوَتُهُ.. ابْتَعَثَهُ بِالنُّورِ الْمُضِيءِ وَالْبُرْهَانِ الْجَلِيِّ وَالْمِنْهَاجِ الْبَادِي، وَالْكِتَابِ الْهَادِي .
وأشار سماحته إلى الذكرى العظيمة لميلاد منقذ البشرية الرسول الأكرم محمد الذي أعطى الدعوة وأعطى كل ما يحتاجه المسلمون في عباداتهم ومعاملاتهم وقضاياهم العامة والخاصة ، حتى استطاعت هذه الدعوة أن تصنع لهم مجتمعاً إسلامياً منظماً خاضعاً للشريعة في كل تفريعاتها وقواعدها ومناهجها، وأشار أيضاً إلى ذكرى ميلاد حفيده الإمام جعفر بن محمد الصادق الذي ملأ الحياة الإسلامية كلها بعلمه في كل المجالات العلمية والثقافية والسياسية والاجتماعية .
ثم طرح سماحته تساؤلاً مهماً :
كيف كان يتعامل الإمام (ع ) مع المسلمين ؟
وأجاب عن هذا التساؤل من خلال تفسيره لعدة روايات منها:
1-عن معاوية بن وهب أنه قال: قلت للإمام الصادق :كَيْفَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَصْنَعَ فِيمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا وَبَيْنَ خُلَطَائِنَا مِنَ النَّاسِ مِمَّنْ لَيْسُوا عَلَى أَمْرِنَا؟
قال :(تَنْظُرُونَ إِلَى أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تَقْتَدُونَ بِهِمْ فَتَصْنَعُونَ مَا يَصْنَعُونَ، فَوَاللهِ إِنَّهُمْ لَيَعُودُونَ مَرْضَاهُمْ، وَيَشْهَدُونَ جَنَائِزَهُمْ، وَيُقِيمُونَ الشَّهَادَةَ لَهُمْ وَعَلَيْهِمْ، وَيُؤَدُّونَ الْأَمَانَةَ إِلَيْهِمْ ) .
2-وعن زيد الشحام قال: قال لي أبو عبد الله :( اقْرَأْ عَلَى مَنْ تَرَى أَنَّهُ يُطِيعُنِي مِنْهُمْ وَيَأْخُذُ بِقَوْلِيَ السَّلامَ، وَأُوصِيكُمْ : بِتَقْوَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالْوَرَعِ فِي دِينِكُمْ، وَالاجْتِهَادِ للهِ، وَصِدْقِ الْحَدِيثِ، وَأَدَاءِ الأَمَانَةِ، وَطُولِ السُّجُودِ، وَحُسْنِ الْجِوَارِ فَبِهَذَا جَاءَ مُحَمَّدٌ . أَدُّوا الأَمَانَةَ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكُمْ عَلَيْهَا بَرّاً أَوْ فَاجِراً؛ فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ كَانَ يَأْمُرُ بِأَدَاءِ الْخَيْطِ وَالْمِخْيَطِ، صِلُوا عَشَائِرَكُمْ، وَاشْهَدُوا جَنَائِزَهُمْ، وَعُودُوا مَرْضَاهُمْ ، وَأَدُّوا حُقُوقَهُمْ؛ فَإِنَّ الرَّجُلَ مِنْكُمْ إِذَا وَرِعَ فِي دِينِهِ، وَصَدَقَ الْحَدِيثَ، وَأَدَّى الأَمَانَةَ، وَحَسُنَ خُلُقُهُ مَعَ النَّاسِ قِيلَ هَذَا جَعْفَرِيٌّ فَيَسُرُّنِي ذَلِكَ وَيَدْخُلُ عَلَيَّ مِنْهُ السُّرُورُ، وَقِيلَ هَذَا أَدَبُ جَعْفَرٍ، وَإِذَا كَانَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ دَخَلَ عَلَيَّ بَلاؤُهُ وَعَارُهُ وَقِيلَ هَذَا أَدَبُ جَعْفَرٍ، فَوَ اللهِ لَحَدَّثَنِي أَبِي :أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ يَكُونُ فِي الْقَبِيلَةِ مِنْ شِيعَةِ عَلِيٍّ فَيَكُونُ زَيْنَهَا؛ آدَاهُمْ لِلأَمَانَةِ، وَأَقْضَاهُمْ لِلْحُقُوقِ، وَأَصْدَقَهُمْ لِلْحَدِيثِ، إِلَيْهِ وَصَايَاهُمْ وَوَدَائِعُهُمْ، تُسْأَلُ الْعَشِيرَةُ عَنْهُ فَتَقُولُ مَنْ مِثْلُ فُلانٍ إِنَّهُ لآَدَانَا لِلأَمَانَةِ وَأَصْدَقُنَا لِلْحَدِيثِ..).
- وبعده تفسيره لقيم هذه النصوص استنتج سماحته منها أموراً ينبغي على كل شيعي أن يتمركز حول معطياتها :
1-إنّ منهج أهل البيت ، منذ بزوغه، يسعى لإيجاد تيار الاعتدال في العالم الإسلامي، وبعبارة أخرى: باستطاعة فكر أهل البيت عقلنة المشروع الإسلامي ودفعه إلى الوسيطة.
2-إنّ منهج أهل البيت يؤكد على أنّ التمايز الديني والمذهبي لا يؤثر في الاحترام المتبادل وفي مكارم الأخلاق وتكافل والحقوق الإنسانية.
3-إنّ منهج أهل البيت يستوعب الشعوب وثقافاتها وكذا القوميات لذا نشاهد أتباع أهل البيت ينتشرون في جميع القارات أي إنّ له ديناميكية خاصة تتفاعل مع المتغيرات المختلفة.
إن أئمتنا لا يأمروننا إلا بما يرفع مستوانا ويُدخلنا إلى قلب المجتمع لنكون قادته وهداته ، فالولاية لأهل البيت ليست كلمة أو دمعة ، ولكنها الخط المستقيم الذي يريدوننا أن نسير عليه في كل قضايانا.
وانتهز سماحته الفرصة ليرسل رسالته المباشرة إلى القنوات الفضائية الشيعية لتكن هذه القنوات صوت العقل النابض والقلب المنفتح بعيدة عن الإسفاف والقشريات التي لا تتناسب وعظمة فكر أهل البيت ، وعليها أن تقبل النقد بعقل متنور، وأن تعمل على نشر رسالة التسامح والإخاء التي حملها أئمة أهل البيت .
علينا أيها الأخوة والأخوات أن نتأدّب بآداب الإسلام، وأن ننفتح على كل ما جاء عن رسول الله وعلي وأولاده ، فإنّهم (أهل بيت النبوة وموضع الرسالة ومختلف الملائكة ، بهم فتح الله وبهم يختم ) .
وهذا ما ينبغي لنا أن نعيشه ، وأن يكونَ ارتباطنا بأهل البيت ارتباطاً في كل ما عاشوه وما ساروا عليه من فكر وخط وحركة، حتى نستطيع أن ندخلهم في عصرنا ولا نبقيهم في زوايا مغلقة.
وختم سماحته الخطبة بالدعاء لإخواننا في العراق النازف بأن يلم محنته وفتنته وأن يخرج منتصراً ضد دعاوى الطائفية والمذهبية والتقسيم .