الكتاب أعداء أنفسهم!!
عجيب أمر كتابنا يخوضون معارك تنافس المصطلحات والتنادي بل والعويل خوفا من شنق الحقيقة، وهم من نصب من نصبها.
أتذكر في جلسة خاصة قبل خمسة عشر عاما تقريبا جمعت مجموعة من الشباب مع المحاضرين الذين يعدون الآن من المفكرين العرب وركز فيها على الاستبداد بمستواه السياسي وأثره في الفعل الفكري مهملا المستويات الأخرى منه وهذا كلام لا شك فيه، وتداخلت معه بأن قلت: إن الاستبداد الاجتماعي أكثر قوة من أي استبداد. وواقع الأمر أن هذه الفكرة قد أخذتها من إحدى محاضرات الأستاذ الشهيد مرتضى مطهري - رحمة الله عليه - ووعيتها من أفكار الشهيد الدكتور علي شريعتي - رحمة الله عليه -.
هذا الأمر - الاستبداد الاجتماعي «استبداد العامة» - قد يكن مقبولا ومبررا لعدم وجود الوعي بالسنن الاجتماعية في الحراك الاجتماعي لديهم، وعدم علمهم بأن طبيعة المجتمع التطور والحراك المستمر على جميع الصعد فـ «دوام الحال من المحال» ؛ إلا أن ما يستوقفني حقا هو دخول المثقفين والكتاب دائرة الاستبداد بسلوك مشابه لسلوك العامة فترى مواضيعهم ما هي إلا مبارزة بين فريقين:
أولهما: يرى أن خلاص المجتمع من تخلفه - بل وأن يعيش حياة سعيدة ملؤها السعادة التامة - بأن يلتزم بالحقيقة المطلقة التي يمتلكها، ولا ينسى الاستشهاد بالآية الكريمة بجرأة لا تتناسب والبحث ﴿ وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا ﴾ لأن هذا الفريق ذاته لا يلتزم الطريقة التامة.
وثاني هذين الفريقين: يرى أن خلاص هذا المجتمع بالثورة على الأعراف والتقاليد التي أُلبست بلبوس ديني، والابتعاد عن مقدس اعتباري قد وصل إلى درجة صنمية لا ينفك عنها.
هذان الفريقان كلاهما يقدس فكره ولا يقدس عقل النفس المحترمة التي أمامه؛ وسيقول هذان الفريقان: إنك تغفل عن السنة الكونية فضلا عن السنة الاجتماعية في الاختلاف.
أقول: نعم للاختلاف، لا الخلاف.
ووسط جماهير الفريقين يختفي المخلصون لأنهم لا يجيدون الزعيق والنعيق وليس لديهم خبرة التعامل مع سيكولوجية الجماهير التي تسقط مأسورة العقل الجمعي.
أيها الفريقان المخلصان لـ... سيكون لكم التصفيق في المباريات؛ وستقولون عنا: أنتم تنعقون وراء كل ناعق.
وأقول: نعم إننا ننعق وراء كل ناعق، لكننا نحن فقط من سيدفع الضريبة.. ولسنا مستعدين لذلك.